تدمير البراءة.. أطفال يقعون ضحايا للصراعات بين الأزواج

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان- لم تكن جريمة سيل الزرقاء البشعة، التي ارتكبها الأب بحق طفليه وتحول فيها إلى قاتل متوحش أنهى حياتهما، سوى واحدة من سلسلة جرائم تنذر بخطر يهدد المجتمع، ولتؤكد أن الأطفال هم دائما الضحايا الذين يدفعون الثمن في صراعات الكبار.اضافة اعلان
هذه الجريمة تذكر بحوادث مشابهة، أبرزها تلك التي هزت الرأي العام السنة الماضية، حين أقدم أب على قتل طفلته خنقا بدافع الانتقام من طليقته. الجريمة التي اعترف بها الأب تمت بسبق الإصرار، حيث أرسل صورة الجريمة ورسالة صوتية لطليقته ليؤكد أن هدفه كان "حرق قلبها"، في تصرف يعكس أقصى درجات القسوة والتجرد من الإنسانية.
تتصدر مئات القصص المأساوية مشهد الرأي العام، حيث يقحم الأطفال في نزاعات زوجية لم يكن لهم يد فيها، وتتحول بعض هذه القضايا إلى جرائم بشعة بدافع الانتقام، والأطفال وحدهم يتكبدون الألم في أسرة مفككة يعيشون بها.
هذه الجرائم تنتهك القوانين التي تجرم المساس بحق الطفل في الحياة تحت أي ظرف. كما أنها تخالف الاتفاقيات الدولية، ومنها قوانين حقوق الطفل التي تنص على حق الطفل في التمتع بحياة آمنة وكريمة والحفاظ على كيان الأسرة كركيزة أساسية للمجتمع.
رغم الدعوات المستمرة لعقد دورات تأهيلية للمقبلين على الزواج والآباء والأمهات الجدد، يبقى من الصعب الجزم بقدرتها على منع الجرائم البشعة التي يكون ضحيتها الأطفال، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي قد تدفع البعض إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم.
وفي هذا السياق، يوضح رئيس جمعية العفاف والمختص في شؤون الأسرة والمجتمع، مفيد سرحان، أن الهدف الأساسي للزواج هو بناء أسرة مستقرة تسودها المودة والسكينة والرحمة، باعتبار الأسرة اللبنة الأولى في بناء المجتمع، فيما يشكل الإنجاب ضرورة لاستمرار الحياة وتعمير الأرض. وأكد أن تربية الأبناء مسؤولية كبيرة ومشتركة بين الزوجين.
ووفق سرحان فإن من أكثر الأخطاء أن يستخدم الأبناء كوسيلة للضغط أو الانتقام بين الزوجين، وهو ما يتجلى في العديد من قضايا العنف المماثلة. مشددا على أن هذا السلوك يتنافى مع قيم الأبوة والأمومة وأبسط المبادئ الإنسانية.
ينوه سرحان أن بناء الأسرة يجب أن يقوم على أسس سليمة تبدأ قبل الزواج باختيار الشريك المناسب، مع مراعاة التكافؤ والاستمرارية وفهم الآخر، والاستعداد للتضحية والحوار، والإيمان بقداسة الحياة الزوجية. ويرى أن الحياة الزوجية، رغم ما قد يشوبها من مشكلات أو اختلافات، يمكن الحفاظ عليها إذا امتلك الزوجان مهارة الحوار وحرصا على استقرار الأسرة ومستقبل الأبناء.
ويشدد سرحان على أهمية استعداد الأهل للتضحية في سبيل نجاح الحياة الزوجية وضمان مصلحة الأبناء، الذين يعدون جزءا أساسيا من حياة الزوجين ونتيجة لاختيارهما. فالاهتمام بتربية الأبناء ورعايتهم مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الوالدين، مع ضرورة إدراك الأهل لحقوق الطفل والعمل على تطبيقها مهما كانت الظروف.
توضح استشارية علم النفس والنمو الأسري، الدكتورة خولة السعايدة، أن نمط تفكير الإنسان يتشكل بناء على تجاربه في الطفولة، حيث يتعلم الطفل من والديه القيم والمبادئ والأخلاق، إضافة إلى أساليب التعامل مع الخلافات والمشكلات، وطرق الحوار والتفاهم. ويحدث ذلك بشكل أساسي عبر التقليد المباشر لسلوك الوالدين.
وتشير السعايدة إلى أن المجتمع المحيط يساهم ايضا في تنشئة الطفل، ما يفسر أن بعض الجرائم الناتجة عن العنف لحل الخلافات الزوجية تعكس تربية غير سليمة. ففي هذه البيئة، قد يرى أحد الزوجين أن العنف أو الانتقام من الطرف الآخر هو الحل، بالتالي الأطفال يدفعون الثمن في نهاية المطاف.
وبحسب السعايدة فإن أحد المفاهيم الخاطئة الراسخة في بعض المجتمعات، وهو اعتبار الطفل ملكا لوالديه، ما يمنحهم الحق في التصرف به كيفما يشاؤون. وتحذر من خطورة هذا المفهوم، حيث يؤدي اتباع الوالدين لأسلوب العنف فيما بينهما إلى تفريغ تلك المشاعر السلبية عبر الأبناء، وخاصة الأطفال، مما يترك أثرا عميقا على حياتهم في الحاضر والمستقبل.
وتوضح أن الأبناء الذين تعرضوا للعنف أو كانوا ضحايا الانتقام غالبا ما يكررون ذات السلوك مع عائلاتهم مستقبلا. كما تطالب بصياغة قوانين أكثر واقعية وجدية لحماية الطفل، شريطة ألا تتعارض مع القيم المجتمعية، وتأهيل الأسرة نفسيا وتربويا.
الجرائم التي تتكرر بين الحين والآخر تلزم الدول بتطبيق قوانين صارمة تكون رادعة. وتذكر المادة 5/ب من قانون حقوق الطفل بأهمية "حق الطفل في الرعاية وتهيئة الظروف اللازمة لتنشئته السليمة، في بيئة أسرية يتحمل فيها الوالدان المسؤولية الأساسية في تربيته وتوجيهه وإحاطته بالرعاية اللازمة بما يحترم كرامته الإنسانية".
الجرائم التي نشهدها هي انتهاكات إنسانية وأخلاقية وشرعية وقانونية، ما يستوجب تشديد العقوبات وتطبيقها بحزم. فهذه الجرائم تترك آثارا نفسية ومجتمعية خطيرة على المدى البعيد، وتنتج جيلا لا يرى سوى العنف والجريمة كوسيلة لمواجهة تحديات الحياة.
ويؤكد سرحان أن الإنسان الذي لا يؤتمن على أبنائه لا يمكن أن يكون أمينا على زوجه أو أهله أو حتى عمله، وكذلك الزوجة التي تستخدم الأبناء وسيلة للابتزاز أو الانتقام من الزوج، "فالأمانة واحدة لا تتجزأ". ويضيف أن الله كرم الإنسان في جميع مراحل حياته، وأن تربية إنسان صالح تعد مصلحة مشتركة للوالدين والمجتمع والأمة. أما في حال غياب هذا الدور، فقد يظهر إنسان منحرف يمارس العنف والجريمة داخل أسرته ومجتمعه، مسببا الأذى لنفسه وللآخرين.
تتفق السعايدة مع السرحان على ضرورة إنشاء مراكز تأهيل للأسر ومؤسسات تحتضن من يعانون من مشكلات أسرية، بحيث توفر هذه المؤسسات، عبر قنوات رسمية، الدعم والنصح بشكل مجاني للمتزوجين، خاصة أن العائق المادي قد يحول دون حصول البعض على المساعدة اللازمة. وتشير إلى أهمية دور الجمعيات والمؤسسات الأهلية، مع التأكيد على ضرورة تطبيق القوانين بشكل عملي يعزز البناء الأسري السليم ويحدد مسؤوليات كل فرد في الأسرة.
وفيما يتعلق بالجرائم التي تستهدف الأطفال بدافع الانتقام، يؤكد سرحان أن قتل النفس من كبائر الذنوب، وهو فعل محرم بكل أشكاله. ويشدد على ضرورة معاقبة الجاني بعقوبة عادلة تتناسب مع حجم الجريمة، لضمان الردع ومنع تكرار مثل هذه الأفعال، حيث إن العقوبات غير العادلة قد تشجع على زيادة الجريمة.
كما يلفت سرحان إلى أن مسؤولية حماية الأبناء تقع على عاتق الوالدين، وأن أي شكل من أشكال الانتقام بين الزوجين عبر الأطفال، سواء كان بالإساءة اللفظية أو الجسدية، الحرمان من الحقوق، أو العقاب النفسي، يعد سلوكا غير إنساني مرفوض. الى ذلك، يأتي دور المؤسسات الرسمية والأهلية والإعلام والتربية في التوعية الشاملة، خاصة بإعداد المقبلين على الزواج وتثقيفهم حول تربية الأبناء بشكل صحيح.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق