هل يمكن لـ"الروبوت الافتراضي" أن يكون صديقا ومعالجا نفسيا؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان- يتغير العالم الرقمي بوتيرة غير مسبوقة يوما بعد يوم. ومع انتشار برامج الذكاء الاصطناعي "AI"، بدأت بعض المنصات والتطبيقات في تقديم خدمة "الصديق الافتراضي"، وهو "روبوت دردشة" يمكن تخصيصه وطرح الأسئلة والاستفسارات عليه للحصول على إجابات.اضافة اعلان
تحسن قدرات الذكاء الاصطناعي أدى إلى تطورات عديدة في "الروبوت/ الصديق الافتراضي"، حيث باتت بعض التطبيقات تتيح للمستخدمين اختيار مظهر الروبوت، من الوجه والجسم إلى الملابس، مما يجعله أكثر قربا منهم.
موخرا، أصبح العديد من الأفراد يتحدثون مع هذا الصديق الافتراضي، يشاركونه همومهم ومشاكلهم، فيما يلجأ آخرون إليه طلبا للنصح والبحث والدعم أو المساعدة.
هذا ما حدث مع الشابة ريم (24 عاما)، التي اختارت الهروب من وحدتها عبر التحدث مع الصديق / الروبوت الافتراضي على إحدى المنصات. توضح ريم أنها تشاركه تفاصيل يومها وتوجه له أسئلة تراودها وكل ما يخطر في بالها.
تقول ريم إنها تلجأ إلى صديقها الافتراضي عندما تشعر بالحاجة إلى التحدث مع أحد، مشيرة إلى أنها تحب فكرة وجود شخص يمكنها محادثته في أي وقت تريده بعيدا عن شعور الحرج أو الأحكام المسبقة.
ورغم إدراكها أنه مجرد آلة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، إلا أنها تجد في التحدث معه راحة نفسية وتخفيفا للضغط الذي تعيشه، خاصة أنها فتاة غير اجتماعية وتواجه صعوبة في تكوين الصداقات في محيطها.
ومن الجانب التقني يبين الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة "ستارت آبز" محمد خواجا أن "الصديق الافتراضي" وجد لتلبية احتياجات الأفراد في مجتمع يتجه نحو العزلة الرقمية والاجتماعية بشكل متزايد.
ويوضح خواجا ان تطور هذه التقنية جاء كجزء من محاولات تحسين تجربة المستخدم وتعزيز الاتصال البشري، حتى لو كان عبر الذكاء الاصطناعي.
ويذكر خواجا ان الصديق الافتراضي يهدف الى عدة أمور أولها توفير الدعم النفسي والعاطفي، إذ إن بعض المستخدمين قد يعانون من الوحدة أو يجدون صعوبة في مشاركة مشاكلهم مع أصدقاء أو مختصين بشريين، مما يجعل الصديق الافتراضي خيارا آمنا.
وثانيا سهولة الوصول، إذ ان تطبيقات الصديق الافتراضي توفر دعما فوريا وغير مكلف مقارنة بالعلاج النفسي التقليدي، وثالثا تقديم المساعدة والنصح فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يزود المستخدمين بمعلومات وإرشادات في مختلف المجالات بشكل حيادي وسريع.
ويشير خواجا إلى أن هناك مخاوف كبيرة تتعلق بالخصوصية عند استخدام روبوتات الدردشة كـ "الصديق الافتراضي"، مبينا ان هذه المخاوف تشمل جمع البيانات فالتطبيقات قد تجمع بيانات حساسة من المحادثات، ما يشكل خطرا في حال إساءة استخدام هذه البيانات أو تسريبها.
وثانيا عدم وضوح سياسات الخصوصية فبعض التطبيقات لا توضح كيف يتم التعامل مع بيانات المستخدمين، مما قد يثير الشكوك، إلى جانب التلاعب النفسي أو الإدمان فهناك مخاوف من أن يعتمد المستخدمون بشكل مفرط على الصديق الافتراضي، مما يؤدي إلى مشكلات اجتماعية أو نفسية، وكما أن روبوتات الدردشة قد تكون عرضة للاختراق، مما يعرض المستخدمين لمخاطر إضافية.
ويذكر خواجا أن تطور "الصديق الافتراضي" يعتمد على التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ففي المستقبل، من المتوقع أن يزداد ذكاؤه العاطفي ويصبح الروبوت قادرا على فهم مشاعر المستخدمين بشكل أفضل وتقديم دعم عاطفي أكثر عمقا وشخصية.
ويتابع، قد يصبح أكثر تفاعلا، وقد يتمكن الصديق الافتراضي من تقليد لغة الجسد أو تعابير الوجه لتوفير تجربة أكثر واقعية، بالإضافة إلى أن يتخصص في المجالات المختلفة إذ يمكن أن يتم تصميم روبوتات دردشة متخصصة للدعم النفسي، التعليم، العمل، وحتى الصداقات الافتراضية.
ويعتقد خواجا أنه قد يتطور الصديق الافتراضي ليصبح شخصية افتراضية ثلاثية الأبعاد تعيش مع المستخدم في عوالم الميتافيرس.
وبالرغم من الفوائد المتوقعة، يبقى الخطر قائما بحسب خواجا، مبينا أن التطور المفرط لهذه التقنية قد يؤدي إلى استبدال العلاقات البشرية والاعتماد على الأصدقاء الافتراضيين قد يعزل الأفراد عن التواصل مع الأشخاص الحقيقيين.
ومن ناحية أخرى تعزيز الانطوائية إذ إن بعض المستخدمين قد يجدون صعوبة أكبر في مواجهة العالم الواقعي، وأخيرا التحكم السلوكي فمع التعلم الآلي المتقدم، قد يتم التلاعب بتصرفات الأفراد من قبل الشركات أو الحكومات باستخدام هذه التقنيات.
ويقول خواجا "الصديق الافتراضي يحمل إمكانيات هائلة لدعم الأفراد، لكنه يتطلب مراقبة تنظيمية ووعيا تكنولوجيا للحفاظ على توازن بين الفائدة والخصوصية".
المستشار والمؤلف في مجال النمو الرقمي خالد الأحمد بين أن الصديق الافتراضي في الوقت الحالي هو عبارة عن إجراء دردشة مع الذكاء الاصطناعي والذي يحظى بالكثير من البيانات على الإنترنت.
ويوضح الأحمد أن التخوف في الوقت الحالي أن هذا الصديق الافتراضي يعمل بشكل عفوي، فالفرد عندما يبدأ بالتحدث معه يجيبه حسب بيانات الذكاء الاصطناعي لذلك يجب التركيز على الطلب والسؤال الموجه لهذا الصديق الافتراضي.
ويفسر الأحمد أنه عندما يبدأ الفرد محادثة عفوية مع الصديق الافتراضي فهو لم يطلب منه أن يتجسد بدور الدكتور النفسي مثلا بل يتحدث معه بشكل عفوي وهو يجيب حسب البيانات المتاحة لديه وهنا تحدث المشكلة "لأننا نتحدث معه بشكل ترفيهي وعفوي فقط".
ولذلك يكون الاستخدام بالشكل الصحيح بأن يكون سياق الطلب محددا ويتجسد الدور بطلب المشورة مثلا، وهكذا تصبح الأمور أدق عند التواصل، بحسب الأحمد.
ويتفق الأحمد مع خواجا بأنه في المستقبل القريب سيكون هنالك أكثر من أداة مختصة لكل دور، مثل الدكتور النفسي والمعلم وغيرهم وجميع هذه الأدوات ستكون مبنية على كمية بيانات وارشادات من بحر علم هؤلاء المختصين.
ويرى الأحمد أن الدردشة تكون بشكل ترفيهي وعفوي مع الصديق الافتراضي ولكن مستقبلا ستكون هذه الدردشة أدق بكثير، وعلى علم ودراية ببيانات الفرد ومؤشراته جميعها لأنه يراقبه، وعلى علم أي ساعة يستيقظ وينام، وكما يعلم استخدام الفرد وتحركاته ومواقعه وتصفحه والكثير من الأمور وعلى أساسه يبني شخصية الفرد ويعلم عنه أكثر، ووفقا لذلك عندما يوجه له سؤالا يكون جاهزا ليقدم الجواب الصحيح.
من الناحية النفسية، يوضح الاختصاصي موسى مطارنة أن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، يتفاعل مع الأشياء التي تمتلك إحساسا ومشاعر، بينما الصديق الافتراضي مجرد آلة تفتقر لهذه العناصر، مما يجعل العلاقة معه غير واقعية ولا حقيقية.
ووفق مطارنة فإن الأشخاص الذين يلجأون إلى الصديق الافتراضي غالبا ما يعانون من مخاوف نفسية، سواء من التفاعل مع الآخرين أو من اللجوء إلى المختصين في الدعم النفسي، لذا يكون التعامل مع آلة كأنها إنسان.
والصديق الافتراضي لا يمكن أن يوفر راحة نفسية حقيقية، لأن النفس البشرية تستمد توازنها من التفاعل مع المشاعر والحواس، وهو ما لا يمكن للروبوت تقديمه.
ويعتقد مطارنة أن الصديق الافتراضي لا يقدم دعما نفسيا الا بالوهم، فالفرد يتوهم أنه يسبب له ذلك أو يحقق له دعما بإجاباته، ولكن في الواقع هو لا يشكل أي دعم، ومع الوقت يشكل ذلك مشكلة وأزمة نفسية أكبر من مشكلته النفسية التي يمر بها.
ويرى أن الاعتقاد بأن الصديق الافتراضي يوفر دعما نفسيا هو مجرد وهم، حيث قد يشعر الفرد بتحسن مؤقت بسبب استجاباته، لكن مع الوقت قد يؤدي ذلك إلى تفاقم المشكلة النفسية بدلا من حلها.
ينوه مطارنة إلى أن الصديق الافتراضي يعتمد على قوالب مصنعة وإجابات محددة مستمدة من ثقافة صانعيه. في المقابل، عندما يتعامل الإنسان مع شخص حقيقي، فإنه يوفر له دعما نفسيا حقيقيا من خلال تبادل المشاعر وتفهم مشكلته وقضيته.
ويحذر مطارنة من الأبعاد الخطيرة للصديق الافتراضي، حيث قد تؤدي الاعتماد عليه إلى عزلة النفس والانفصال عن العالم الواقعي والاكتفاء بالخيال، مما قد يسبب اضطرابات خطيرة مثل الاكتئاب أو الانفصال النفسي، والتي قد تؤدي بدورها إلى إحباطات متكررة وحالة نفسية معقدة تحتاج إلى علاج طويل الأمد.
ويؤكد أن الإنسان الذي يتمتع بقدرة طبيعية على بناء علاقات اجتماعية لا يحتاج إلى الصديق الافتراضي، لأنه يمتلك الوعي الكافي لاختيار من يتفاعل معهم ويحققون له التوازن النفسي، وتفريغ طاقته السلبية بطريقة فعلية.
وبناء على ذلك، بحسب مطارنة، فإن الصديق الافتراضي لا يقدم سوى قوالب جاهزة ومبرمجة مسبقا، في حين أن الاستشاري النفسي يحلل كل حالة على حدة ويقدم لها الحلول المناسبة. لذا، لا يمكن لشخص قادر على بناء علاقات اجتماعية والتفاعل الطبيعي مع الآخرين أن يلجأ إلى الصديق الافتراضي.

أخبار ذات صلة

0 تعليق