الكاتب التونسى منصور مهنى: «القاهرة للكتاب» أهم المعارض العربية فى التواصل الفكرى والإبداعى.. والإقبال الكبير «يدعو للبهجة»

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يعد الكاتب والمفكر الإعلامى التونسى، منصور مهنى، أحد أبرز الوجوه الإعلامية والفكرية فى المشهد الثقافى التونسى، ويمثل نموذجًا فريدًا لمعنى وقيمة المفكر فى الوقت الراهن، إذ تنوعت أبحاثه وكتاباته بين الأدب الفرنسى والأدب العربى المكتوب باللغة الفرنسية، كما أصبح وسيطًا بين الأدبين العربى والفرنسى، عبر ترجمته أعمال شعراء وكتاب وروائيين مصريين وعرب.

وخلال حديثه، لـ«الدستور»، تحدث «مهنى» عن بداياته فى عالم الكتابة منذ الصغر، وأسباب إقباله على الكتابة بالفرنسية لا العربية، ورحلته الخاصة مع عالم الإعلام، التى بدأت منذ سنوات طويلة، ورؤيته الخاصة للأدب التونسى فى لحظته الراهنة، بالإضافة إلى رؤيته لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، فى دورته الحالية، وأسباب حرصه على زيارته.

■ بداية.. ما أسباب تأخر نشر أعمالك الأولى؟ ولماذا لم تكن اللغة العربية مدخلك الأساسى إلى الكتابة الإبداعية؟ 

- بدأت الكتابة قبل السنة الرابعة عشرة من عمرى، وكانت بالعربية، فى التزام ببحور الشعر وتقاليد كتابته، ثم بعد سنة ونيف اكتشفت الشعر الفرنسى الرومانسى، خاصة «لامرتين»، فوجدت فيه نفسى فى تلك المرحلة من العمر، وبقيت فى محاولاتى الشعرية بين اللغتين، رغم أننى كنت فى شعبة العلوم من دراسات المرحلة الثانوية.

لكنّ ظروفًا اجتماعية جعلتنى أخرج باكرًا إلى مهنة التدريس، التى أشعرتنى بالحاجة إلى تجاوز الظروف الصعبة الطارئة، والسعى إلى مواصلة دراستى الجامعية، لذا انتقلت إلى مهنة «قيم» بدار المعلمين، لأجد الوقت الكافى للدراسة، ولا يمكن ذلك إلا فى شعبة لا تتطلب حضورًا فى الفصل ممتدًا لعدد كبير من الساعات. 

واخترت اللغة والآداب الفرنسية، ونجحت فيها وكنت من الأوائل، وتعددت كتاباتى فى هذه اللغة، خاصة أننى بدأت التعامل أيضًا سنة ١٩٧٥ مع صحيفة أسبوعية باللغة الفرنسية؛ كمتعاون خارجى فى الإعلام، بالتوازى مع الشغل والدراسة.

وكنت أنشر كتاباتى فى صحيفة يومية أخرى باللسان الفرنسى، لها ملحق خاص بالإبداعات الشبابية، ولم يفقدنى ذلك التعلق بالعربية والكتابة بها أحيانًا، لكن أصبح اهتمامى أكثر باللغة الفرنسية وآدابها ورموزها الفكرية والإبداعية. 

أما النشر، وهو عملية اقتصادية بالأساس لها ضوابطها، فلم أكن حريصًا عليه، فكان أن أصدرت أول مجموعة شعرية بالفرنسية نهاية سنة ١٩٩٢، عن عمر ٤٢ سنة. 

■ هل إجادتك الفرنسية شكّلت حاجزًا أمام الكتابة بالعربية؟ وهل أثّرت على قدرتك فى التفكير والتعبير بها؟

- قد يكون الأمر كذلك، لكن عن غير وعى، لأننى لم أكن متميزًا فى اللغة الفرنسية عندما كنت تلميذًا فى الدراسات الثانوية، بل نلت الجوائز فى العربية رغم اختصاصى العلمى، وبقيت إلى الآن أعود إلى رموز الأدب العربى الجاهلى وأدب القرون الأولى للإسلام إلى حدود الأندلس، لكننى كنت كثير القراءة بالفرنسية فى المرحلة الثانية من التعليم الثانوى، خاصة ألبير كامو وسارتر.

لذلك، لا أفكر فى الحديث عن حاجز لغوى، لأننى لم أفقد يومًا الرغبة فى الكتابة العربية، لكننى كنت أرانى غير مؤهل لإبداع يمكن أن يرسم فى طياته نفسًا إبداعيًا حداثيًا يميزه عن باقى الكتابات العربية، القريبة منى على الأقل. 

■ تناولت فى أطروحتك للدكتوراه الكاتب الجزائرى كاتب ياسين.. فلماذا اخترته تحديدًا؟ وما الذى يميزه عن مجايليه من الكتاب الجزائريين؟ 

- حكايتى مع كاتب ياسين يمكن أن تشكل رواية، فقد بدأت عندما كنت فى سن الثانية عشرة، ومباشرة بعد إعلان وقف إطلاق النار فى الجزائر سنة ١٩٦٢، وقد بادرت مع رفيقين بكتابة مسرحية موضوعها الثورة على طغيان الحاكم والانتصار عليه، وقام بناء المسرحية على طرائف جحا التى مكّنت من المزج بين المأساة والفكاهة، وقمنا ثلاثتنا بإخراج المسرحية وتمثيلها فى المبيت المدرسى، ثم فى احتفالات عمومية فى قريتنا.

وعندما بدأت الدراسات الجامعية فى شعبة الفرنسية اكتشفت سنة ١٩٧٢ مسرحية كاتب ياسين «الأجداد يضاعفون شراستهم»، واستغربت التقاطع الكبير بين المسرحيتين رغم اختلافات لا يستهان بها.

ثم تعمقت فى الأدب المغاربى الناطق بالفرنسية، خاصة بتأطير من المرحومة جاكلين أرنو، وهى أهم مختصة فى كاتب ياسين وإبداعه، فاكتشفت نصه الفصل «نجمة»، الذى تلمست فيه قمة الإبداع، واعتبرته النص المؤسس لمفهوم الأدب المغاربى الناطق بالفرنسية، وهنا لا نأخذ عبارة «المؤسس» فى معنى «أول ما كتب»، بل فى معنى أول من اعتمد إنشائية الخصوصية التى ينبنى عليها الأدب الناطق بلغة الآخر، كما هو الأدب المغاربى الناطق بالفرنسية.

وهذه الإنشائية تنبنى على جمع وتكامل بين عناصر الإنشائية العربية وعناصر الإنشائية الفرنسية، لينتج عنها إنشاء مختلط، أطلقت عليه لاحقًا اسم «النص المختلط»، وخصصت له كتابًا.

■ كيف بدأت رحلتك فى الإعلام؟

- أشرت سابقًا إلى شغفى بالإعلام، حتى إننى امتهنته كمتعاون خارجى عندما كنت طالبًا، وواصلت التعاون وأنا فى مهنة التدريس وفى كل مراحله، ولا أزال كذلك. 

وبهذه الصفة يكون الإعلام رافدًا ورفيقًا للعملية الإبداعية وللمسار الفكرى، لكن المسئولية الإعلامية كثيرًا ما تقترن بالالتزام السياسى، فهى تحدد حرية التعبير بناء على الدور المنوط بعهدة المسئول فى تبنى قضايا النظام الذى حمّله المسئولية.

ولا شك أن رفض المسئولية يمكن أن يكون حلًا لتفادى هذا الأمر، لكن هناك من يرى، كما رأيت فى وقت ما، أنه بالإمكان تحمل المسئولية بقواعدها ضمن فهم لمعنى المواطنة، وهناك من يرى أن المبدع مطالب بالوقوف على كل النواقص التى يلاحظها من برجه العاجى، لأنه إن نزل منه التزم ضرورة من جانب أو من آخر.

وأن يقيد مثل هذا الالتزام حرية المبدع فهو ممكن، أما حرية الأكاديمى فلا، وحرية المبدع باب لم ينته النقاش فيه، شأنه شأن النقاش فى موضوع الحرية بشكل عام. 

■ كيف ترى واقع الإعلام العربى اليوم؟ وهل يُعبّر بصدق عن نبض الشارع العربى؟

- الإعلام عالم معقد تتداخل فيه كل المؤثرات والقوى الضاغطة، لذا يبقى ساحة صراع مستمر يخضع لموازين قوى عدة تتغير تحالفاتها وتناقضاتها من وجهة إلى أخرى لأتفه الأسباب ظاهريًا، ولكنها فى الواقع أسباب الصراع الدائم على السلطة التى لا تتم إلا عبر سلطة الخطاب.

لذلك لا أظن الإعلام العربى مختلفًا عن أى إعلام آخر من حيث إن الإعلام هو نتيجة الظروف التى يشتغل فيها، وقد شاهدنا فى العشريات الأخيرة كيف أن الإعلام الأكثر تحررًا فى رأينا حكمته وحكمت عليه ظروف استراتيجية لدولته، بأن يصطف وراءها ووراء حلفائها ضد المستضعفين والمظلومين.

ولكن يبقى الإعلام مدرسة للفرد، تمكنه من إدراك عديد من الخفايا وأبعادها، فيخزنها لديه ليعتمدها فى يوم ما كمادة إبداعية، أو كعناصر فكرية تستحق التفكير المعمق والتمحيص الدقيق.

أما علاقة الإعلام بالشارع فهى غامضة، لأن الشارع يحكم الإعلام عندما يشعر بنفسه فى موقع قوة، ويحكم الإعلام الشارع عندما يكون جهاز صاحب القوة النافذة المتحكمة فى الشارع. 

■ فى رأيك.. كيف يمكن للأدب أن يكون أداة فلسفية تساعد فى تفكيك الواقع وإعادة تشكيل الوعى الجمعى؟

- إن أكبر وأخطر الأخطاء البشرية يكمن فى الفصل بين الأدب والفلسفة، وكثيرون هم الآن الذين يرون فى الأدب عمومًا، وفى الشعر خاصة، بصفته أرقى التعبيرات الأدبية، أساس الفلسفة، التى يكون دورها تحويل جملة الأفكار المستوحاة من الأدب إلى مفاهيم حاملة وإلى تصورات مجتمعية تساعد فى تفكيك الواقع، وإعادة تشكيل الوعى الجمعى.

■ هل تعتقد أن النقاد العرب ينصفون الأدب التونسى أم أنه لا يزال فى الظل مقارنة بالأدب المغاربى والمشرقى؟ 

- الأدب التونسى مطالب بأن ينصف نفسه قبل كل شىء، فعندما نرى التونسيين يقللون من مبادرات مواطنيهم ومن أفكارهم ومن إبداعاتهم ليهللوا لغيرهم عن حق أو عن غير حق، لا يمكن أن نلوم الغير عندما يستخف بذاك الأدب. 

أما عندما تتكاتف جهود التونسيين وتصفو نواياهم لخدمة الأدب التونسى، دون القطع مع الآداب الأخرى أو التقليل من قيمتها، فعندها سنرى الأدب التونسى يرتقى مع الآداب الأخرى. وهنا يكمن دور المنظومة التربوية ومؤسسات التعليم والبحث ومجالات العمل الثقافى ودور المجتمع المدنى. 

■ ما انطباعك عن معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ٥٦؟

- معرض القاهرة الدولى للكتاب واحد من أهم المعارض العربية، إن لم يكن أهمها، وذلك بكل ما يحمله من حضور وجسر للتواصل الفكرى والإبداعى بين أقطار مفكرى ومبدعى العالم العربى.

وحالة الحضور، التى لا تنقطع كل يوم على مدار أيام المعرض، من كل رواده من مختلف الأطياف، هى حالة تدعو للبهجة والسعادة.

لم أفقد يومًا الرغبة فى الكتابة بالعربية لكننى غير مؤهل للإبداع المتميز بها

مع صعود الذكاء الاصطناعى هل ترى أن مستقبل الإبداع العربى من الشعر إلى الترجمة مهدد؟

- قلت سابقًا وأعيد، إن الذكاء الاصطناعى هو صنيعة ذكاء الإنسان، فلا يمكنه أن يهدد الإبداع البشرى إلا إذا خضع الإنسان لفكرة أن الذكاء الاصطناعى أعظم من ذكاء الإنسان.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق