إعادة تعريف «المعادن الحرجة»

مصدرك 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كلايد راسل *

انتشر مصطلح المعادن الحرجة على نطاق واسع لدرجة أنه بات من الممكن تطبيقه على كل معدن يتم استخراجه تقريباً، الأمر الذي أفقد الاسم معناه الفعلي. وما نحتاج إليه اليوم هو تعريف جديد يميز بين ما هو حيوي حقاً لبلد ما، وما هو مجرد شيء مهم.
وكما كان جلياً في مؤتمر التعدين «إندابا 2025» الأخير في كيب تاون، فإن ما هو حيوي لبلد ما ليس بالضرورة أن يكون كذلك بالنسبة لبلد آخر.
إذن ما هو التعريف الأفضل للمعدن الحرج؟ ببساطة، إنه معدن لا تملكه، وتخشى ألّا تتمكن من الحصول عليه في المستقبل. وهذا يعني أنك تحتاج إلى هذا المعدن، وليس لديك، لا أنت ولا حلفاؤك الأقوياء، احتياطيات محلية منه، كما أنك لا تسيطر على ما يكفي من سلسلة توريده لضمان حصولك على ما تحتاج إليه عند الحاجة.
وفي هذه الحالة، يختلف المعدن عما يشير إليه بعض محللي السلع الأساسية باسم «المعدن الأساسي»، وهو المعدن الذي تحتاج إليه، ولكنك واثق تماماً من قدرتك على الحصول عليه الآن وفي المستقبل.
فلماذا هذا التمييز مهم؟ من منظور غربي، إن المعدن الأساسي هو المعدن الذي يمكنك إلى حد كبير تركه لقوى السوق لتوريده، والاعتماد على شركات التعدين الخاصة لاستكشافه وتطويره وإنتاجه بشروط تجارية. في المقابل، من المرجح أن يتطلب المعدن الحرج استراتيجية مختلفة للحصول عليه، مثل تمويل مناجم جديدة بشكل مباشر، وبناء علاقات استراتيجية مع الدول المضيفة، وتقديم اتفاقيات شراء لا تعتمد على أسعار السوق.
وبهذا الصدد، أثبتت الصين، أكبر مستورد للسلع الأساسية في العالم، أنها أكثر مهارة في استهداف المعادن التي تراها بالغة الأهمية، والاستثمار في المناجم والبنية الأساسية في الدول الأجنبية وفي مصانع المعالجة في الداخل، وبالتالي ضمان السيطرة على جزء كبير من سلسلة التوريد العالمية للمعادن الحيوية للتحول في مجال الطاقة، مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل.
وليس من المستغرب أن تكون هذه المعادن الثلاثة مدرجة على قائمة الصين للمعادن الحرجة، ولكن بالنظر إلى أن الصين تهيمن الآن على إنتاجها وإمداداتها، فهل لا تزال بالغة الأهمية بالنسبة للمارد الآسيوي؟ ربما تكون الإجابة بالنفي. والسبب، أن بكين اعتمدت مفهوماً استراتيجياً، وليس تجارياً فقط، في كيفية ضمان قدرتها على تأمين الإمدادات.
وتوجد هذه المعادن الثلاثة أيضاً، بالإضافة إلى النحاس والألمنيوم والأنتيمون والغرافيت والتنجستن، على قائمة المعادن الحرجة لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
في المقابل، يمكن القول، إن خام الحديد والذهب والبوتاس واليورانيوم، بالنظر إلى ما تمثله من حيوية للاقتصاد، هي من المعادن بالغة الأهمية بالنسبة للصين التي لا تملك سوى نفوذ محدود على سلاسل التوريد الخاصة بها.
خذ خام الحديد على سبيل المثال. تستورد الصين أكثر من 80% من احتياجاتها، وأكثر من 90% من تلك الواردات تأتي من أستراليا والبرازيل وجنوب إفريقيا. ورغم امتلاكها حصصاً في بعض الشركات التي تستخرج خام الحديد في هذه البلدان، تفتقر بكين إلى السيطرة على تلك الموارد، وكانت في الواقع متلقية للسعر على مدى العقدين الماضيين.
وبالانتقال إلى الولايات المتحدة وأوروبا، يتساءل البعض عن سبب وجود النحاس على قائمة المعادن الحرجة، حيث لا يوجد تهديد يذكر للإمدادات، كما أن الكثير من النحاس المستخرج في العالم تسيطر عليه شركات أمريكية في بلدان متحالفة بشكل عام مع الغرب. ويمكن إسقاط المثال نفسه على الألمنيوم والليثيوم، وهناك تساؤلات حول ما إذا كان الكوبالت حيوياً بالفعل للتحول في مجال الطاقة بعد الآن.
أما النيكل فهو حالة مثيرة للاهتمام، حيث تصنفه كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أنه «بالغ الأهمية»، لكنهما لم يفعلا شيئاً لضمان العرض. وبدلاً من ذلك، سمح الجانبان للمناجم ومصانع المعالجة التي تسيطر عليها الصين في إندونيسيا بالهيمنة على السوق، في حين أغلقت تلك الموجودة في دول حليفة لهما مثل أستراليا وسط انخفاض الأسعار.
وإذا كان النيكل يشكل أهمية بالغة، فمن المنطقي أن تضمن أمريكا استمرار الإمدادات من الدول المتحالفة، حتى ولو كلفها ذلك المزيد من المال. وعلى نحو مماثل، إذا كانت الدول الغربية قلقة حقاً بشأن تأمين الغرافيت والتنجستن وغيرها من المعادن النادرة، فإنها تحتاج إلى تعديل الطرق التي تتبعها في تطوير المناجم.
وتجد شركات التعدين الغربية صعوبة في تأمين التمويل طويل الأجل، لأنها لا تستطيع ضمان السعر الذي ستتلقاه في غضون عدة سنوات بعد بناء المنجم وبدء تشغيله. وهذا يعني أنها ستخسر أمام نظيراتها الصينية التي لا تهتم بالنتائج التجارية بنفس القدر.
ويتعين على الحكومات الغربية أيضاً أن تصبح أكثر استباقية في التعامل مع البلدان التي تمتلك الموارد، باستخدام القوة الناعمة مثل برامج المساعدات، واستغلال الفوائد المباشرة مثل الوصول إلى الأسواق من أجل تعزيز العلاقات المرتبطة بهذه الموارد.
وبالنظر إلى كل ذلك، يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يتبنّى تكتيكاً معاكساً تماماً، فيتخلى عن المساعدات، ويهدد بفرض تعريفات جمركية واسعة النطاق على الحلفاء والأعداء على حد سواء. ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يتحرك أيضاً بوتيرة بطيئة، فيُصدر سياسات وتقارير عن المعادن الحيوية، ولكنه لا يفعل سوى القليل بشأن تطوير سلاسل التوريد التي يسيطر عليها.
* كاتب في «رويترز»

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق