الحكومة الموازية والتدحرج السوداني نحو الهاوية !!

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ليس من المبالغة في شيء القول بأن حرب الانتحار السودانية التي بدأت في منتصف أبريل 2023 وأطلق عليها «الحرب المنسية» لعدم الاهتمام الحقيقي أو الكافي بالعمل على وقفها سواء من الدول العربية أو الاتحاد الإفريقي أو الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية أو الدول الكبرى، وكل منها له أسبابه ومبرراته بالطبع، تقف الآن في مفترق طرق حاسم إما يقود إلى وقف الحرب أو الاتجاه نحو ذلك بانتصار الجيش السوداني بعد تقدم قواته في الخرطوم ودارفور وعدد من الولايات السودانية ضد قوات أو ميليشيات الدعم السريع التي خسرت مواقع عدة لصالح الجيش السوداني مؤخرًا، أو أن تتجه نحو مواجهات أشد وأكثر شراسة في محاولة من ميليشيا الدعم السريع لاستعادة الثقة والتشبث بالمناطق التي تتواجد فيها والإعلان عن مرحلة جديدة أكثر خطورة على مستقبل السودان وحاضره ووحدته وأمنه وتماسكه الوطني وبالأحرى محاولة تعديل ميزان القوى مع الجيش، وإيجاد ولو بعض الطائرات المقاتلة أو بعض الطائرات المسيرة عن بعد البديلة لتعديل ميزان القوى على الأرض ولو جزئيا بشكل ما ولا مانع من جمع أموال لغرض توفير إمدادات إغاثية للسودانيين وتوجيهها لشراء أسلحة بشكل أو بآخر حتى ولو كانت أسلحة أو طائرات مستخدمة؛ نظرًا لارتفاع أثمان الأسلحة الجديدة، وإذا كانت معركة الفاشر في دارفور التي حشد لها الجيش وقوات الدعم السريع في الأسابيع الأخيرة في محاولة لحسم القتال لم تصل -حتى الآن على الأفل إلى نتيجة حاسمة- بسبب الانشغال من جانب قوات الدعم السريع في الأعداد للتطور الخطير المتمثل في تشكيل حكومة موازية تعمل في مناطق الدعم السريع بالادعاء أن هذا التطور إنما جاء بناء على رغبة ومطالبة الشعب السوداني ذاته وان الحكومة الموازية ستكون مفتوحة أمام من يريد الانضمام إليها بما في ذلك الجيش السوداني إذا أراد، وأنها ستؤدي إلى إنهاء الحرب وستكون حكومة «للسلام والوحدة في السودان» حسبما قال عبد الرحيم دوقلو شقيق حميدتي وأحد قادة الدعم السريع الكبار، فإنه يبدو أن طرح فكرة حكومة موازية تنافس حكومة البرهان التي يقودها الجيش السوداني والتي وصفها «عبد العزيز الحلو» قائد الجبهة الثورية - شمال بأنها «سلطة بورسودان» ولم يسمها حكومة كما ينبغي تشير إلى تأييد الجبهة الثورية لحميدتي والحكومة الموازية وأنها ضد الجيش السوداني خاصة أنها كانت من قبل محايدة وتدافع عن المدنيين قبل انحيازها إلى جانب حميدتي، فإنه تجدر الإشارة إلى أن هناك قوى وميليشيات سودانية أخرى أجرت تغييرات وانحيازات في مواقفها السابقة وإنحاز بعضها لأسباب مختلفة إلى جانب حميدتي وقوات الدعم السريع سواء بالضغط أو بالترغيب والإغراء ومنها على سبيل المثال انقسام الجبهة المدنية المؤثرة «تقدم» التي كان يترأسها رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك إلى قسمين مختلفين مما أضعف جبهة حمدوك ودعاه إلى التحذير بالنسبة لمستقبل السودان وأنه قد يتعرض لحرب أهلية على غرار ما شهدته رواندا من حرب أهلية وتصفيات جسدية وعرقية وأعمال عنف بشعة دفع المدنيون ثمنها في النهاية ومن شأن ذلك أن يكشف في النهاية عن مدى التدخلات التي يتعرض لها السودان والضغوط التي تتم ممارستها ضده ومنها تقديم الأموال والمساعدات الإغاثية هي في النهاية للتأثير في مواقفه لأنها تصب في يد حميدتي.. على أية حال فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها أولا، أنه ليس مصادفة أن يتزامن وقت الإعلان عن فكرة الحكومة الموازية من جانت قوات الدعم السريع مع تركيز الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني على فكرة حل الحكومة السودانية القائمة وتشكيل حكومة تكنوقراط من الكفاءات الوطنية وذلك لإدارة السودان خلال المرحلة الانتقالية وستكون هذه الحكومة حكومة انتقالية.

ويبدو أن محمد دوقلو - حميدتي - الذي كان نائبا للبرهان حتى نشبت واتسعت الخلافات بينهما حول من يحكم السودان وصاحب ذلك اتساع وتصاعد الخلافات بينهما خاصة بعد أن أبعد البرهان نائبه عن مؤسسة الحكم في السودان وجرده من مناصبه التي كان يشغلها في ظل حكم الرئيس البشير من قبل، ويبدو أن حميدتي خشي أن تشكيل الحكومة الانتقالية من جانب البرهان سيعني تركه في الهواء الطلق ووضع نهاية لأية مناصب شغلها حميدتي من قبل ولذلك جاءت فكرة الحكومة الموازية لتنافس ولتوجد ازدواجية على مستوى مؤسسات الحكم في الدولة السودانية وليكون حميدتي بنفس مستوى البرهان وليس نائبًا له كما كان من قبل بمعنى أنه يملك قرار وضعه في الموقع الذي يراه أو إبعاده تمامًا، وبالطبع فإن هناك الآن عددًا كبيرًا من المتطلعين إلى المشاركة في مؤسسات الحكم في السودان ممن يشجعون الحكومة الموازية والمؤسسات التي ستنشأ معها وتكون هناك صيغة مشابهة للصيغة في ليبيا الآن، حيث توجد حكومتان إحداهما حكومة عبد الحميد الدبيبة المعترف بها دوليا والأخرى عينها مجلس النواب الليبي بعدما اعتبر أن حكومة الدبيبة انتهت شرعيتها قانونا وبالتالي عين المجلس حكومة جديدة مما أدى ويؤدي إلى الكثير من الجدل وخلط الأوراق في ليبيا وهو ما يمكن أن يتكرر في السودان الشقيق بكل ما يترتب على ذلك من مشكلات وعراقيل وتعطيل للعمل في مناطق السودان المختلفة فضلًا عن الجدل حول الشرعية ومن له حق الحكم في السودان وهو ما قد يؤثر على الأوضاع السودانية على أكثر من صعيد .

ثانيا، إن الحكومة الموازية من شأنها إثارة الكثير من الجدل ليس فقط حول إدارة مؤسسات الحكم ولكن أيضا حول من يملك سلطة إصدار القرار قانونا يضاف إلى ذلك أن وجود حكومتين سيعني بالضرورة التمهيد لتقسيم السودان وربما تفتيته بحكم تعدد الميليشيات والأطماع في السيطرة على مناطق وولايات سودانية وبحكم تعدد الأعراق والتدخلات الخارجية، خاصة وأن الدول المجاورة للسودان أو بعضها على الأقل كشفت عن أطماع وتطلعات مختلفة، والمؤكد أن ذلك سينعكس سلبًا على الأوضاع السودانية التي تحتاج بشدة إلى من يحافظ على وحدة وتماسك السودان اكثر من أي وقت مضى. وهنا تزداد أهمية تحذيرات عبد الله حمدوك أيضًا..

ثالثا، إنه في ظل طبيعة الأوضاع في السودان وهشاشة البنية التحتية والمرافق المختلفة والتخريب الواسع النطاق لمرافقه الخدمية فإن هناك حاجة ماسة وضرورية لوقف تزويد السودان بالسلاح وهو ما بدأ الإعداد له من خلال جمع توقيعات لهذا الغرض على الإنترنت ومناشدة مجلس الأمن بالتدخل لتحقيق ذلك عمليًا فضلًا عن العمل وضم الجهود العربية والإفريقية بقدر الإمكان للعمل وبكل جهد ممكن لوقف الحرب والتعاون بين القيادات السودانية المخلصة أما أمراء الحرب وقادة الميليشيات وتجار الحروب فمن المهم والضروري إبعادهم عن مواقعهم بعد أن اضروا بحاضر ومستقبل السودان وعبر أحاديث منمقة وكاذبة ولا تستهدف مصالح السودان الحقيقية. ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك في ظل التدحرج نحو الهاوية؟ إنها مسؤولية ضخمة يتحملها كل المخلصين السودانيين، ومعهم المخلصون من العرب والأفارقة حتى وإن كانوا أقلية نسبيا .

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق