فبراير 27, 2025 6:12 م
كاتب المقال : حازم عياد

يصعب المضي قدما في مناقشة الخيارات السورية لمواجهة الانتهاكات الاسرائيلية دون الاشارة الى طبيعتها، التي تجاوزت كونها انتهاكات الى اعتبارها مشروع متكامل لاضعاف وتفكيك واحتلال اجزاء من الدولة السورية.
في الان ذاته يصعب مناقشة الرد السوري دون الاشارة الى طبيعة الجهة التي تتولى ادارة الشؤون السورية بعيد سقوط النظام وفرار رئيسه بشار الاسد الى روسيا الاتحادية.
فالانتهاكات الاسرائيلية تحولت الى عدوان متواصل بوقفها العمل باتفاق فصل القوات الموقع في العام 1974 مع الجانب السوري، وشروع جيش الاحتلال بالسيطرة على ما يقارب 600 كم مربع من الاراضي السورية، وهي المساحة المتبقية من الجولان المحتل المقدرة بـ 1800 كم مربع، فضلا عن التمدد المتواصل باتجاه ريف دمشق و حوض نهر اليرموك الممتد من محافظة القنيطرة وصولا الى ريف درعا، الذي تحول الى جانب ريف دمشق والقنيطرة لمنطقة عمليات لجيش الاحتلال وسلاح الجو مستبيحا سماء سوريا ومتجاوزا حدود المنطقة العازلة وفقا لاتفاق فصل القوات عام 1974.
اضيف الى هذا العدوان ما كشفه قادة الاحتلال عن مشروعهم لليوم التالي في سوريا، كالقول: يجب ان تكون دولة فيدرالية منزوعه السلاح خصوصا في مناطقها الجنوبية المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة، تصورات جاءت على لسان وزير خارجية الاحتلال جدعون ساعر خلال لقائه مفوضة الاتحاد الاوروبية للشؤون الخارجية كايا كالاس، ورئيس وزراء الاحتلال نتيناهو خلال خطابه امام ضباط جيش الاحتلال الخريجيين في قاعدة حولون جنوب يافا، باعلان نيته فرض الحماية على الاقليات الدينية بحسب زعمه، الامر الذي اثار غضب قادة الطائفة الدرزية في سوريا، تصريحات استفزازية تزامنت مع انعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري يوم اول امس الثلاثاء الموافق 25 فبراير/ شباط الحالي، والذي نص في بنده الاول من بيانه الختامي على رفض العدوان الاسرائيلية، وتاكيده على الوحدة الترابية للاراضي السورية في مادته الثانية.
الموقف السوري من الانتهاكات والعدوان الاسرائيلي تطور في الخطاب وفي سلم الاولويات بتطور الادارة السورية وتخلقها على شكل حكومة ومؤسسة رئاسية، ومن ثم في مؤتمر حوار وطني اشتبك المشاركين فيه مع الاحتلال بإعلان رفضهم الابتزاز الاسرائيلي ومحاولات التدخل في الشؤون السورية ومحاولات تحويلها الى دولة فاقدة السيادة مبعثرة في كيانات فدرالية منزوعة السلاح والوزن و التاثير الاقليمي والعربي.
اولا : الخيار الدبلوماسي
التهديد الاسرائيلي للدولة السورية تخلق في رحم الهندسة الجديدة للدولة السورية لينتهي على هيئة اجماع شعبي وسياسي رافض للمشروع الاسرائيلي، بدأ على لسان احمد الشرع الذي كان رئيسا لادارة العمليات قبل تشكل مؤسسة الرئاسة بتأكيده عدم رغبة الادارة الجديدة الدخول في صراعات مسلحة مع جوارها، ونزوع نظامها الجديد الى حل الخلافات بالطرق الدبلوماسية، مؤكد على اولولويات الدولة السورية بتحقيق الامن والوحدة والتنمية والاعمار لابنائه.
الرسالة قابلها الاحتلال الاسرائيلي بمزيد من الغارات الجوية التي على مقدرات الدولة السورية ناهزت الالف غارة جوية والتواغل الى عمق اراضية متجاوزا 40 كم في بعض الحالات واضعا نفسه عل ىسلم اولويات الحكومة الجديدة بل والحوار الوطني السوري واجندته.
في المقابل فإن رسائل الطمأنة والخطاب الهادئ للادارة والرئاسة السورية ردا على الاستفززات الاسرائيلية وسياساتها العدوانية، قوبلت بالتفهم والقبول من الدول العربية ودول الاقليم الى جانب روسيا، والدول الاوروبية التي خفضت عقوباتها على سوريا ثم الغت الكثيرمنها لاحقا، مقابل تعليق بعضها امريكيا.
تفهم مهد بدوره السبيل لاطلاق دبلوماسية سورية نشطة عنوانها التطمينات والضمانات والتفاعل الايجابي مع البيئة الدولية والاقليمية، وهي دبلوماسية قوامها الحوافز وخفض التصعيد عبر تجنب الدخول في مواجهات عسكرية داخلية سواء شمال شرق الفرات او جنوب سوريا بما فيها منطقة الحدود اللبنانية.
الدبلوماسة السورية القائمة على الحوافز و التطمينات وخفض التصعيد تولد عنها ديناميكية سمحت بفتح الباب لممارسة ضغوط على الكيانات والدول التي تمثل تهديد وتحدي للدولة السورية، سواء من الدول العربية والاقليمية وعلى راسها السعودية و تركيا، او القوى الدولية وعلى راسها روسيا واوروبا التي مارست بدورها ضغوط على الكيان الاسرائيلي لوقف انتهاكاته التي تطورت الى عدوان مستمر ومتواصل لتفكيك واضعاف الدولة السورية
في المقابل وقف الجانب الامريكي منحازا الى الجانب الاسرائيلي الذي اندفع نحو فرض اجندته بالقوة العسكرية والضغوط الدبلوماسية والاقتصادية ، التي وضع لها مبعوث الرئيس الامريكي ستيف ويتكوف هدفا جديدا يتمثل بالتطبيع وتوقيع اتفاق سلام مع الجانب السوري دون ان يحدد ويتكوف سقوفه التي رسمها نتنياهو في خطابه امام خريجي قاعة حولون العسكرية يوم الاثنين الفائت بالقول: لن نسمح لقوات تنظيم (هيئة تحرير الشام) أو للجيش السوري الجديد بدخول المنطقة جنوب دمشق. وتابع قائلاً: نطالب بنزع السلاح الكامل في الجنوب السوري.
الخيار الدبلوماسي لم يحقق غاياته حتى اللحظة الا انه تمكن من كسر حاجز العزلة للادارة السورية وحاصر جهود نزع الشرعية التي لازال الاحتلال الاسرائيلي يقودها لدى حلفائه الغربيين، بل وعكس اتجاهها السياسي والاقتصادي في كثير من الاحيان.
ثانيا: الخيار العسكري
خيار القوة العسكرية لايتوقع ان يسقط من حسابات الدولة السورية اسوة بالخيار الدبلوماسي، سواء جاء على شكل مناورة عسكرية محدودة في مرحلته الاولى ، او على شكل رد فعل على الانتهاكات والاستفزازات الاسرائيلية ، اذ لا يتوقع ان يتراجع الكيان الاسرائيلي عن سقوفه ان لم يستشعر خطورة حساباته وكلفها المرتفعة.
التوقيت يبقى المسالة الحاسمة سوريا لخيار المناورة العسكرية، التي يتوقع ان تتطابق مع اللحظة التي يتوجه فيها الكيان الاسرائيلي لوقف العمل باتفاق وقف اطلاق النار في قطاع غزة، مخلقا ديناميكية متنقلة و معقدة زمنيا ومكانيا في مداراتها من الدبلوماسية الى العنف ورد الفعل الى المناورة السياسية والتفاوضية.
فالمناورة العسكرية ورقة خفية يمكن للدولة السورية المراهنة عليها مستقبلا في حال اصر الاحتلال على المضي قدما في اجندته لسوريا اليوم التالي، كما غزة اليوم التالي، والضفة الغربية اليوم التالي، وهي نقاط ضعف قاتله للاحتلال يزيدها ثقلا ايران اليوم التالي للاتفاق النووي.
ثالثا: تفاعل الخيارات
انتهاكات الاحتلال الاسرائيلي ومشروعه السياسي لسوريا الغد تختلط برغبته في اعادة ترسيم العلاقة مع الدولة السورية وتحسين شروطه التفاوضية الى جانب رغبة قوية لدى الادارة الامريكية في استثمار هذه التحولات والضغوط الاسرائيلية في هندسة المشهد السوري الداخلي ومحاولة اكراه سوريا على توقيع اتفاق سلام وتطبيع مع الكيان الاسرائيلي يتضمن في سقفه الادنى التنازل عن الجولان المحتل، وفي حده الاعلى فرض شكل من اشكال الادارة الفدرالية او الحكم الذاتي على بعض المناطق في سوريا، ومن ضمنها شمال شرق الفرات حيث تتواجد قواتها وشركائها الانفصاليين ممثلين بقوات قوات سوريا الديموقراطية ( قسد )، او مقايضته بالجولان السوري واتفاق سلام وتطبيع مع الاحتلال.
خيارات وسقوف امريكية تؤكد بان اميركا لن تتخلى عن ورقة (قسد) وشرق الفرات قبل انجاز هذا الملف، في حين ان سقوف وزير خارجية الاحتلال جدعون ساعر تذهب الى ما هو ابعد من ذلك اذ ترى في الدولة الفدرالية و ورقة الاقليات الضامن الوحيد لامن (إسرائيل) واضعاف الدول السورية .
ختاما .. جدلية الخيارات السورية لم تحسم بعد لعدد من العوامل المتحركة ، وابرزها سقوف الموقف التركي الداعم لسوريا، وامكانية لجوء الحكومة السورية الى ادوات صلبة وعسكرية لدعم الادوات الدبلوماسية بما تحملة من حوافز و ضغوط ، وكخيار عقلاني للرد على الاعتداءات الاسرائيلية التي لا يتوقع ان تتوقف دون رفع الكلفة على الحسابات الايدولوجية الاسرائيلية وتعميق أزمة الكيان الوجودية التي يستشعرها قادة الاحتلال ومؤسساته.
0 تعليق