دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- إذا لم يسبق لك أن تعرّفت على شخص نرجسيّ، فربما يتبادر إلى ذهنك عدد قليل من المشاهير أو السياسيين المؤهّلين لذلك، الذين يفتقرون إلى التعاطف، ويسعون للحصول على الإعجاب المستمر.
نرجسيو العظمة (النرجسية الصريحة أو العلنية)، يشتهرون تحديدًا بإحساسهم المتضخّم بأهمية الذات، وحاجتهم المستمرة للاهتمام. وبخلاف النرجسيين السرّيين، الذين يخفون سلوكهم بالشفقة على الذات، يعتمد نرجسيو العظمة على السحر، والتلاعب، لتحقيق النجاح.
وتوصّلت دراسة جديدة إلى أنّ النرجسيين المغرورين أكثر عرضة للشعور بالنبذ وللاستبعاد أيضًا بشكل حقيقي، أكثر ممّن يتمتّعون بشخصيات أقل أنانية.
الدراسة التي نشرت في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، الخميس، فحصت 77000 مشارك عبر دراسات متعددة، وتجارب مضبوطة، وسيناريوهات من العالم الحقيقي، لتحديد سبب تعرّض النرجسيين لمستويات أعلى من الإقصاء.
كيف تغذي النرجسية الإقصاء وبالعكس؟
غالبًا ما يُظهر النرجسيون سلوكيات تخريبية في البيئات الاجتماعية، مثل العدوان أو الغطرسة، ما يزيد من احتمالية ابتعاد الآخرين عنهم بمرور الوقت. وبحسب الدراسة، فإن هؤلاء الأفراد المنغمسين بأنفسهم يتمتّعون بحساسية كبيرة للوضع الاجتماعي، والإشارات الغامضة، ما يجعلهم أكثر عرضة لإدراك الاستبعاد حتى عندما لا يحدث ذلك.
بالنسبة للدكتور راماني دورفاسولا، عالم النفس السريري المرخّص ومقرّه لوس أنجلوس، الذي يعالج من يعانون من اضطراب الشخصية النرجسية، والمؤلف لكتب عدة حول هذا الموضوع، ضمنًا: "هذا ليس أنت: كيف تحدد النرجسيين وتشفى منه"، قال إن "هناك صفة حساسة للغاية لدى الأشخاص النرجسيين، لذا إذا شعروا حتى بأنه تم استبعادهم، فسيكونون مدركين لذلك تمامًا".
ومع ذلك، أشار دورفاسولا، غير المشارك في البحث، إلى أنّ هذه الإهانات المتصوّرة عادة ما تكون غير مقصودة، فقد يكون شخص ما ببساطة مشغولاً جدًا بحيث لا يتمكن من التفاعل مع منشور، أو يتجاهله من دون أن يدرك ذلك.
لكن عندما يبالغ النرجسيّون في ردّة فعلهم تجاه أفعال النبذ المتخيّلة، فقد يبدأ الأصدقاء، أو أفراد الأسرة، أو الزملاء بتجنّبهم بسبب القلق من سلوكهم.
ولخوض علاقات مع النرجسيين، يوصي دورفاسولا باستراتيجية فك الارتباط، أي سحب الاتصال أو التفاعلات عمدًا. غالبًا ما يُفسّر النرجسيون هذا السلوك بأنه إقصاء، لكنه قد يكون ضروريًا لصحتك العقلية.
إلا أنّ هذه التصرّفات تخلق حلقة مدمرة تم تحديدها بالدراسة، وتشرح كيف أنّ النرجسية والنبذ يغذّيان بعضهما.
يميل النرجسيون إلى اعتبار أنفسهم ضحايا لدى شعورهم بالنبذ. وقالت كريستيان بوتنر، مؤلفة الدراسة الرئيسية وعالمة النفس الاجتماعي في جامعة بازل بسويسرا، إن عقلية الضحية تزيد من حدة سلوكياتهم العدائية، ما يدفع الناس إلى الابتعاد أكثر.
وتابعت بوتنر: "يشير هذا إلى أن النبذ لا يؤثر فقط على النرجسيين في الوقت الحالي، بل قد يشكل تطورًّا بشخصيّتهم تؤدّي إلى إدامة استبعادهم مستقبلًا".
وأشار دورفاسولا إلى أنه في حين أنّ الدراسة الجديدة فحصت الأفراد الذين سجلوا درجات عالية في اختبارات النرجسية، إلا أنها لم تحدد على من يعانون من النرجسية المرضية. ويعتقد أن آثار النرجسية والإقصاء ستكون أكثر تطرّفًا لدى من يعانون من اضطراب الشخصية النرجسية السريرية.
ووجدت الدراسة أيضًا أنّ الأفراد الذين يُظهرون التنافس النرجسي، وينظرون إلى الآخرين كمنافسين، ويتصرّفون بشكل أكثر عدوانية، هم أكثر عرضة للنبذ ممّن لديهم مستويات عالية من الإعجاب النرجسي، والذين يبحثون عن الاهتمام والمكانة بطرق جذابة اجتماعيًا عوض عزل أنفسهم، وفق بوتنر، التي لفتت إلى أن هذا النمط شائع، تحديدًا في ديناميكيات مكان العمل.
وقال دورفاسولا: "هناك في الواقع إدراك اجتماعي طبيعي لدى الأشخاص النرجسيين، لذلك يمكن أن يكونوا ناجحين جدًا في القيادة والأعمال".
لكن، عادة ما يستخدم النرجسيون هذه المهارة فقط عندما تفيدهم، وتلوم الآخرين في معظم المواقف.
هل يمكن للنرجسيين أن يتغيروا؟
يجب معالجة السلوكيات النرجسية في وقت مبكر. ولفت دورفاسولا إلى أنّ هذا النهج الاستباقي يمثّل تحديًا، لأن المدارس يمكن أن تحاول فرض سياسات مكافحة التنمّر لمواجهة مثل هذا السلوك، لكن خارج الفصل الدراسي، يصعب السيطرة على الاستبعاد الاجتماعي، مشيرًا إلى مثال الطفل الذي لم تتم دعوته إلى حفلة عيد ميلاد.
ويعتقد دورفاسولا أنّ "ممارسات مكافحة التنمر يجب أن تتعلق بالقدر ذاته في السلوكيات المناهضة للنبذ، وذلك للبحث عن الطفل الذي قد لا يتلاءم مع أقرانه أيضًا، ولا يراقب الوضع".
إذا لم يتلقّ الأطفال علاجًا للصفات النرجسية، فسيصبح من الصعب عليهم التغيير بشكل متزايد مع دخولهم مرحلة البلوغ، وقد تشتد الميول النرجسية بمرور الوقت. فبحسب دورفاسولا يحتاج النرجسيون إلى تدخل مستمر من خلال العلاج. ويجب على المعالجين أيضًا الأخذ باعتبارهم التالي:
الصدمات التنموية، وبيئة الطفولة، وقضايا التعلّق، وأي عوامل نفسية أخرى ربما تكون قد شكّلت شخصيتهم النرجسية.فبالنسبة لدورفاسولا، "عادةً ما تكون (القشة الأخيرة) التي تدفع الشخص النرجسي للعلاج هي الحزن أو القلق، لكنه غالبًا ما يعلق ذلك على شيء يحدث خارجه، مثل مديري لم يكن عادلاً معي أبدًا، ولا أستطيع الحصول على ترقية، وليس لدي ما يكفي من المال، وزوجي لئيم معي".
من جهتها، لفتت بونتر إلى أهمية التدريب على المهارات الاجتماعية، أو العلاج السلوكي المعرفي، لما يمكن أن يساعد النرجسيين على تحدي الافتراضات القائلة بأن الناس يستبعدونهم، في حين أنّ ممارسة تمارين التنفس العميق، أو التأمل الذهني، وإعادة صياغة الأفكار السلبية يمكن أن تساعدهم على تطوير آليات تكيف أكثر صحة للحد من النبذ مستقبلًا.
0 تعليق