جوهر الطغيان: ترامب يكتسب بسرعة احتكارا لاستخدام القوة

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
روبرت رايش* - (كومون دريمز) 26/2/2025
‏في كل جزء من الحكومة ينطوي على استخدام القوة، يضع ترامب في السلطة أشخاصا أكثر ولاء له من ولائهم للولايات المتحدة.‏اضافة اعلان
*   *   *
ما يحدث الآن في الولايات المتحدة لا علاقة له بجعل الحكومة أكثر "كفاءة" أو استئصال "عدم الكفاءة" أو "نزع الطابع السياسي" عن أجزاء من الحكومة يجب أن تكون غير حزبية. ‏
كما أنه ليس مدفوعًا بشكل أساسي برغبة الرئيس دونالد ترامب في التخلص من مبادرات "التنوع والإنصاف والشمول" أو تيار الدعوة إلى الاستيقاظ، أو تسليح أجهزة إنفاذ القانون، أو ترسيخ القومية المسيحية البيضاء، أو الانتقام من أعدائه.
إن القصة الحقيقية هي التالية: ‏في كل جزء من الحكومة ينطوي على استخدام القوة -الجيش؛ التحقيق في الجرائم ومقاضاة مرتكبيها؛ سلطة الاعتقال، والقدرة على احتجاز الأفراد في السجن- يضع ترامب في السلطة أشخاصًا أكثر ولاء له منهم للولايات المتحدة. ‏
قام ترامب بتطهير (أو هو في طور تطهير) أي شخص غير موال له شخصيًا على أعلى المستويات، في وزارة الدفاع، ووزارة العدل، ووزارة الأمن الداخلي، وجهاز المفتشين العامين، ومكتب التحقيقات الفيدرالي. ‏‏في الحقيقة، يكتسب ترامب بسرعة احتكارا شخصيا لاستخدام القوة. هذا هو هدفه الأساسي. وهذا هو جوهر الطغيان. ‏
‏يوم الجمعة، قام ترامب بإقالة الجنرال في سلاح الجو، سي كيو براون جونيور، من منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة -أعلى ضابط عسكري في البلاد، بالإضافة إلى المستشار العسكري الرئيسي للرئيس ووزير الدفاع ومجلس الأمن القومي.‏ تبعت ذلك إقالة رئيسة العمليات البحرية، الأدميرال ليزا فرانشيتي؛ ونائب رئيس أركان القوات الجوية، الجنرال جيم سلايف. ‏
‏ترى وسائل الإعلام أن عمليات الإقالة هي "جزء من حملة ‏‏لتخليص الجيش من القادة الذين يدعمون التنوع‏‏ والإنصاف في صفوفه". وقد يكون هذا جزءا من دافع ترامب، لكنه ليس المحرك الرئيسي. إن عمليات الإقالة هي جزء من حملة تهدف إلى تطهير وزارة الدفاع من القادة الذين ليسوا موالين تماما لترامب. ‏
كبديل لبراون، رشح ترامب الفريق المتقاعد في سلاح الجو، جون دان "رازين" كين -وهو طيار طائرة مقاتلة محترف. ‏‏ولم يسبق لكين أن خدم في أي من مناصب -نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة، أو رئيس أركان أحد فروع الخدمة المسلحة، أو رئيس وحدة مقاتلة- التي عادة ما يكون قد شغلها المرشحون لمنصب رئيس هيئة الأركان المشتركة قانونًا من أجل ترشيحهم. ولكن، يجوز للرئيس، بموجب القانون، التنازل عن هذه المتطلبات إذا "قرر أن مثل هذا الإجراء ضروري للمصلحة الوطنية".‏
لكنّ ترامب لا يضع كين في هذا المنصب المحوري بسبب المصلحة الوطنية. إنه يضعه هناك بسبب ولاء كين الشخصي الواضح له. وكان ترامب قد ‏‏تفاخر‏‏ أمام جمهور في "مؤتمر العمل السياسي المحافظ" في العام الماضي بأن كين قال له "أنا أحبك يا سيدي. أعتقد أنك رائع يا سيدي. سوف أقتُل من أجلك يا سيدي". ‏
‏ويحدث الشيء نفسه في وزارة العدل؛ حيث يفرض إميل بوف، المحامي الجنائي السابق لترامب والذي أصبح الآن المنفذ الرئيسي للقانون هناك، اختبارًا للولاء لترامب على المدعين العامين -مطالبًا إياهم بالامتثال لمطالب الرئيس، مهما كانت غير مقبولة وغير متوافقة مع المعايير، أو المغادرة. ‏
ولم يكن من قبيل المصادفة أن يستهدف بوف أقوى المسؤولين والأقسام في وزارة العدل -مما أدى إلى زعزعة قسم الأمن القومي، والإصرار على أن ‏‏تقوم قيادة مكتب التحقيقات الفيدرالي بالإنابة بتسليم قائمة العملاء‏‏ الذين عملوا في تحقيقات حادثة الشغب في الكابيتول، واستهداف المدعي العام الأميركي للمنطقة الجنوبية من نيويورك (مكتب المدعي العام الأميركي الأكثر عراقة وهيبة في البلاد، المعروف بحماية استقلاله).‏
‏يقول ترامب إنه "ينزع التسييس" من سلطات إنفاذ القانون ردًا على انحناء الرئيس السابق جو بايدن المفترض للسياسة الحزبية. لكن تصرفات بايدن لم تكن لها أي علاقة بالسياسة الحزبية. ومن المفارقات أن تصرفات ترامب ليست كذلك أيضًا: إن الأمر يتعلق كلها بالولاء الشخصي.
مساء يوم الأحد، أعلن ترامب أن مقدم البودكاست المؤيد لحركة "جعل أميركا عظيمة مجددًا" (ماغا)، دان بونجينو، سيكون نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، إلى جانب الرئيس الجديد للمكتب كاش باتيل. وبونجينو هو ضابط شرطة سابق وعميل سابق في جهاز الخدمة السرية، إضافة إلى كونه منظّرًا لنظريات المؤامرة ومعلقًا في قناة "فوكس نيوز". وقد انضم إلى عالم (ماغا) الخاص بترامب في العقد الثاني من الألفية، وهو الآن يستضيف برنامج بودكاست شهيرا.
‏ترى وسائل الإعلام في هذا التعيين مثالاً آخر على احتضان ترامب ‏‏قناة "فوكس نيوز"‏‏ (بونجينو هو المضيف، أو الصحفي، أو المعلق السابق ‏‏لقناة "فوكس نيوز"‏‏ رقم 20 الذي يحصل على وظيفة رفيعة في إدارة ترامب الجديدة). ‏
لكن هذا ليس كل شيء. إن أهم سمة لبونجينو هي نفس سمة باتيل -الولاء الشخصي الثابت لترامب. وكما هو الحال في أي مكان آخر، يحول ترامب مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى امتداد لإرادته الشخصية. ‏
‏لقد اكتسب كل طاغية عبر التاريخ احتكارًا شخصيًا لاستخدام القوة حتى يتمكن من فرض إرادته على أي شخص ولأي غرض من الأغراض. ويحقق الطغاة ذلك من خلال تفويض السلطة فقط للأشخاص الموالين لهم شخصيًا -حتى أن ترامب يختبر الولاء الشخصي للقضاة الفيدراليين. ‏
في الآونة الأخيرة، نشر ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي عبارة: ‏"من ينقذ بلاده لا ينتهك أي قانون"، (في إشارة مباشرة إلى نابليون والديكتاتوريين الآخرين)، مرفقةً ‏‏بعنوان‏‏ إخباري رئيسي مفاده بأن إدارته ترفض الانصياع لأمر محكمة محلية بإلغاء تجميد مليارات الدولارات من المنح الفيدرالية. ‏
‏كل هذا يحدث في الوقت الذي يسلم فيه ترامب فعليا مساحات شاسعة من العالم إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ -وهما زعيما العالم الوحيدان اللذان يحترمهما ويفهمهما، لأنهما، أيضًا، طاغيان. ‏
في الذكرى الثالثة للغزو الروسي لأوكرانيا، صوتت الولايات المتحدة مع روسيا، وكوريا الشمالية، وإيران و14 دولة استبدادية أخرى صديقة لموسكو ضد قرار الأمم المتحدة الذي يدين العدوان الروسي على أوكرانيا ويدعو إلى استعادة الأراضي الأوكرانية. ومع ذلك، تم تمرير القرار بأغلبية ساحقة. ‏
‏لماذا أخبركم بهذا بينما قد تشعرون مسبقًا بالغضب واليأس مما يحدث؟ لأن رؤية الكل على حقيقته -بدلاً من الانزعاج من هذا الجزء أو ذاك منه- هي أمر ضروري من أجل الرد.‏
نحن -الغالبية العظمى من الناس في الولايات المتحدة- لا نريد أن نعيش في ديكتاتورية. ومع ذلك، لدينا الآن رئيس ونظام عازمان على الاستيلاء الاستبدادي على أميركا والانضمام إلى الطغاة الرئيسيين الآخرين في العالم. ‏
‏بينما يحاول توطيد سلطته، يجب علينا حماية المؤسسات في مجتمعنا التي ما تزال قادرة على معارضة طغيان ترامب -مراكز السلطة المستقلة التي يمكن أن توقفه -أو تبطئه على الأقل. ليس هذا الكونغرس، للأسف، وإنما المحاكم والقضاة الفيدراليون. والعديد من حكام ولاياتنا والمدعين العامين والمجالس التشريعية للولايات ومحاكم الولايات. وربما حتى شرطة الولايات والشرطة المحلية. والأمل أن تفعل مجتمعاتنا ذلك أيضًا. ‏
في نهاية المطاف، سيعود تغلبنا على هذا إلى شجاعتنا وتصميمنا: الانخراط في عصيان مدني سلمي؛ في تنظيم وتعبئة الآخرين؛ في محاربة الكراهية والتعصب؛ وفي النضال من أجل العدالة والديمقراطية. 
‏تذكروا هذا: لا يمكن للطغيان أن يسود على الناس الذين يرفضون الاستسلام له.‏

*روبرت رايش Robert Reich: أستاذ السياسة العامة في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، وزميل أقدم في "مركز بلوم للاقتصادات النامية". شغل منصب وزير العمل في إدارة كلينتون، حيث صنفته مجلة تايم كواحد من أكثر 10 وزراء حكومة فعالية في القرن العشرين. ومن كتبه: "الصدمة الارتدادية" (2011)؛ و"عمل الأمم" (1992)؛ و"ما وراء الغضب" (2012)؛ و"إنقاذ الرأسمالية" (2016). وهو أيضًا محرر مؤسس لمجلة The American Prospect، والرئيس السابق لمنظمة Common Cause.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Essence of Tyranny: Trump Is Rapidly Gaining a Monopoly on the Use of Force

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق