«نبض رمضان!»

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الحمد لله على بلوغ شهر الطاعات، الذي نستقبله استقبال المتفائلين ببشائره، راجين أن نكون فيه من المتنافسين على الأجر، ومن الفائزين بالثواب.فأيامه المعدودات تذكِّر المسلمين بالمغزى الحقيقي من عبادة الصيام، وما تحمله من معانٍ وقيم روحية عظيمة، تشحن النفس بما يطهِّرها من عيوبها، ويُكسبها سلوكيات التدين الصحيح المستند إلى التكليف «الذهبي»، الذي لا يطبقه إلا من رحمه ربي، وهو: «أن تحب لغيرك ما تحب لنفسك»!وفي هذا التكليف الإلهي مجاهدة شاقة، تتطلب البحث في أعماق النفوس لـ«التخلق» بأفضل الأخلاق وأكرمها، فيخلو «تدينها» من الرياء ليصبح خالصاً لوجه الله، تحقيقاً لهدف ضبط التوازن بين العبادات التي تربط العبد بربه، وبين التعاملات الأخلاقية الفضلى، التي تُعدّ شرطاً أساسياً لصحة الإيمان، ومربط فرس صلاح الإنسان.فمن خلال «التخلق» تتسع الدروب لنيل درجة الكمال الإيماني، التي إن بلغها الفرد عظُمت رحمته وإنسانيته، وتهذّب تعامله، وابتعدت نفسه عن دسائسها وصراعاتها وعنفها وتطرفها وعنصريتها. عندها، ترجَّح كفة ما يحفظ حقوق الآخرين، ويقوى التمسك بمسلك الصفح الجميل مهما بلغت شدة المظالم وقبح الإساءات.وإذا تأملنا في سيرة سيد الخلق، صلى الله عليه وسلم، لوجدنا في مواقفه أعظم الدروس لمن تبعه بإحسان.ومن أبرز تلك القصص، وقت هجرة رسول الله إلى الطائف، حيث أتاه جبريل -عليه السلام- ليخبره بأن الملائكة قد ضجَّت مما لقيه في ثقيف، وأن الله تعالى قد أذِن لملك الجبال أن يُطبق على أهلها الأخشبين (وهما جبلان يحيطان بمكة). لكن رسولنا الكريم أبى إلا أن يقدم لأمته درساً بليغاً في «العفو عند المقدرة»، والثقة بحكمة الله وقدرته على صلاح من أساؤوا إليه، لعل يؤمن أحدهم يوماً بوحدانية الرب.أما الموقف الآخر، عندما تعجب أصحاب رسول الله من وقوفه لدى مرور جنازة يهودي، ولم يجلس حتى توارت عن الأنظار، وذلك من منطلق تعظيمه لخالق الروح الإنسانية، قبل أن يكون احتراماً للنفس المتوفاة.وفي عصرنا هذا، تبقى تلك الدروس المحمدية مصدراً للنجاة من ظلمات الكراهية والفرقة والعصبية. وإن سرنا على هديها، فنحن على عهد طاعة ومحبة الله ورسوله، ونرتقي لمنزلة «الأخوة الإنسانية التي لا تفرّق بين أسود وأبيض، أو أصفر وأسمر إلا بالإيمان بالله والإنسان»، وصولاً إلى جوهر «التسامح الديني الذي جعل من بلاد الإسلام في العصور المظلمة الموطن الوحيد الذي لا يلقى فيه الإنسان اضطهاداً»، كما ورد على لسان الأديب نجيب محفوظ في حديثه عن حكمة الصيام.ولكن يبقى التحدي الأكبر أمام الإنسان هو كيفية مواجهة النفس الأمارة بالسوء؛ ليحاسبها، ويسائلها، ويمنعها من زيغها؛ فـ«الكيّس من دان نفسه» أولاً، وتسامح مع غيره ثانياً!ما تَقَدّم ليس وعظاً أو موعظة من الفقيرة إلى الله، بل خاطرة متواضعة من نفس لوّامَة، وعقل يرفض تزكيتها في بحثه عن المنطق وراء اختلال موازين العدالة وكثرة التناقضات في عالمنا، ومن أشنع تلك الصور اجترار البشرية لمآسيها وخيباتها ومعاناة مجتمعاتها، واجترارنا -على مستوى أدنى- لخرافاتنا وتقاليدنا البالية، واستسلامنا للفتن، وتقديس ما يُحرّم تقديسه، وتحريم ما لا يصح تحريمه، والسبب، انسلاخنا عن فطرتنا القويمة، وكأننا نتمرد على سنن الله التي أرادها لسلامة وسعادة خلقه في الدنيا والآخرة.وآخر القول: من المؤسف أن تُستغل عبارة «نبض رمضان» بمعانيها الروحية العميقة، في خطوة سياسية مبتذلة للحكومة الإسرائيلية، ومحاولة مكشوفة للمماطلة والتسويف لبقاء الحال على حاله، بحجة هدوء المسلمين في شهر الصيام، لكي يستمر نمرود في المكابرة والعناد والبطش في الأرض، حتى يُحدث الله أمره ويعيد الحق لأصحابه.ورمضان كريم.* عضو مؤسس دارة محمد جابر الأنصاري للفكر والثقافة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق