لماذا تعتبر إنفيديا ملكة "الرقائق"؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

توقف الارتفاع الكبير لأسهم شركة "إنفيديا"، الذي جعلها في فترة من الفترات الشركة الأعلى قيمة في العالم. وأصبح المستثمرون أكثر حذراً بشأن ضخ مزيد من الأموال في شركة تصنيع الرقائق، لا سيما بعد أن بات واضحاً أن تبني الحوسبة القائمة على الذكاء الاصطناعي لن يكون أمراً سهلاً، ولن يعتمد على تكنولوجيا "إنفيديا" بشكل حصري.اضافة اعلان


حتى الآن، ما زالت "إنفيديا" البائع الأبرز للأدوات الأساسية وسط حمى السباق نحو الذكاء الاصطناعي. تحقق الشركة نمواً هائلاً في الإيرادات، ويشهد دفتر الطلبات الخاص بسلسلة رقائق "هوبر" (Hopper)، إلى جانب خليفتها بلاكويل (Blackwell)، طلباً قوياً.

استمرار نجاح "إنفيديا"


يعتمد استمرار نجاح "إنفيديا" على ما إذا كانت شركات التكنولوجيا العملاقة مثل "مايكروسوفت" و"جوجل" ستتمكن من العثور على تطبيقات تجارية كافية للذكاء الاصطناعي تتيح لها تحقيق عوائد على استثماراتها الضخمة في رقائق "إنفيديا". حتى إن نجحت هذه الشركات في ذلك، فليس من الواضح عدد الرقائق الأكثر قوة وربحية التي ستحتاجها الشركة فعلياً.

 

في يناير الماضي، أطلقت الشركة الصينية الناشئة ديب سيك (DeepSeek) نموذج ذكاء اصطناعي قالت إنه يحقق أداء مشابهاً للنماذج التي تطورها كبرى الشركات الأميركية، لكنه يتطلب موارد أقل بكثير لتطويره.


بعد أن نشرت "ديب سيك" ورقة بحثية توضح إمكانيات النموذج الجديد وآلية تطويره، تراجعت القيمة السوقية لشركة "إنفيديا" بمقدار 589 مليار دولار في يوم واحد، وهو أكبر انخفاض في تاريخ سوق الأسهم. رغم تعافي السهم خلال الأسابيع التالية، فإنه بحلول أواخر فبراير الجاري كان لا يزال أقل من مستواه في بداية العام.


نلقي فيما يلي نظرة على أبرز العوامل التي دفعت النمو المذهل لشركة "إنفيديا" والتحديات التي تواجهها في المستقبل.

ما هي رقائق الذكاء الاصطناعي الأكثر شهرة لدى "إنفيديا"؟


الرابح الأكبر حالياً هو "هوبر إتش100" (Hopper H100)، الذي يحمل اسمه تكريماً لرائدة علوم الحوسبة "غريس هوبر". هذا النوع من الرقائق هو نسخة أكثر قوة من وحدات معالجة الرسومات التي نشأت في الحواسيب الشخصية المخصصة لألعاب الفيديو. تحل محل "هوبر" الآن سلسلة "بلاكويل"، التي سميت على اسم عالم الرياضيات ديفيد بلاكويل.


تضم كل من "هوبر" و"بلاكويل" تقنيات تحول مجموعات الحواسيب التي تستخدم رقائق إنفيديا إلى وحدات مدمجة قادرة على معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة فائقة. يجعلها هذا مثالية لمهام الحوسبة الكثيفة التي يتطلبها تدريب الشبكات العصبية، وهي الأساس الذي تقوم عليه أحدث منتجات الذكاء الاصطناعي.


تأسست "إنفيديا" عام 1993، كانت رائدة في هذا المجال عبر استثمارات تعود إلى أكثر من عقد، حين راهنت على أن القدرة على تنفيذ العمليات بالتوازي ستجعل رقائقها ذات قيمة في تطبيقات تتجاوز ألعاب الفيديو مستقبلاً.


تعتزم الشركة، ويقع مقرها في سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا، طرح "بلاكويل" بعدة خيارات، من بينها إدماجه في الرقائق فائقة التطور "جي بي 200" (GB200)، التي تجمع بين وحدتي معالجة رسومات "بلاكويل" ووحدة "معالجة مركزية غريس" عامة الاستخدامات، والتي تحمل اسمها تكريماً لـذكرى غريس هوبر أيضاً.

لماذا تتميز رقائق الذكاء الاصطناعي من "إنفيديا"؟


تعتمد منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي على التعلم من خلال استيعاب كميات هائلة من المواد الموجودة مسبقاً، حيث يتحسن أداؤها كلما تعرضت لمزيد من البيانات. يجري تطوير هذه النماذج عبر محاولات متكررة، تصل إلى مليارات التجارب، للوصول إلى مستوى إتقان عال، ما يتطلب قدرة حوسبة هائلة.


وفقاً لما أعلنته "إنفيديا"، توفر رقائق "بلاكويل" أداء يفوق "هوبر" بمقدار 2.5 مرة في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. تحتوي الرقائق الجديدة على عدد هائل من الترانزستورات -المفاتيح الدقيقة التي تمنح أشباه الموصلات قدرتها على معالجة المعلومات- لدرجة أنه لا يمكن تصنيعها كوحدة واحدة باستخدام الطرق التقليدية. بدلاً من ذلك، تتكون من اثنتين من الرقائق المتصلتان بتقنية تضمن عملهما كوحدة واحدة متكاملة.


بالنسبة للشركات التي تسابق الزمن لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على تنفيذ مهام جديدة، فإن التفوق الذي توفره رقائق "هوبر" و"بلاكويل" يعد عاملاً حاسماً. تعتبر هذه المكونات أساسية جداً في تطوير الذكاء الاصطناعي لدرجة أن الحكومة الأميركية فرضت قيوداً على بيعها إلى الصين.

كيف أصبحت "إنفيديا" رائدة في الذكاء الاصطناعي؟


كانت "إنفيديا" بالفعل الملكة المتوجة لأعمال تصنيع رقائق الرسومات، وهي المكونات التي تنتج الصور المعروضة على شاشات الحواسيب. تحتوى أقوى هذه الرقائق على آلاف النويات الحوسبية، القادرة على تنفيذ مهام متعددة في وقت واحد، ما يتيح لها إنتاج تأثيرات بصرية معقدة مثل الظلال والانعكاسات التي تميز ألعاب الفيديو الحديثة.


في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أدرك مهندسو "إنفيديا" أن بإمكانهم إعادة توظيف معالجات الرسومات هذه لتطبيقات أخرى. في الوقت نفسه، اكتشف باحثو الذكاء الاصطناعي أن تقنياتهم أصبحت قابلة للتطبيق بفضل هذا النوع من الرقائق.

ماذا يفعل منافسو "إنفيديا"؟


تسيطر "إنفيديا" حالياً على نحو 90% من سوق وحدات معالجة الرسومات المخصصة لمراكز البيانات، وفق شركة الأبحاث "آي دي سي" (IDC). وتسعى كبرى شركات الحوسبة السحابية، مثل "أمازون ويب سيرفيسز" (Amazon Web Services) التابعة لشركة "أمازون"، و"جوجل كلاود" (Google Cloud) التابعة لشركة "ألفابت"، و"أزور" (Azure) التابعة لشركة "مايكروسوفت"، إلى تطوير رقائقها الخاصة بها، إلى جانب منافسي "إنفيديا" مثل "أدفانسد مايكرو ديفايسز" و"إنتل".


حتى الآن، لم تنجح هذه الجهود في تقليص هيمنة "إنفيديا" بشكل ملحوظ. تعد "أدفانسد مايكرو ديفايسز" المنافس الأكثر قدرة على التأثير في تفوق "إنفيديا"، لكنها أعلنت في يناير الماضي أن مبيعاتها خلال النصف الأول من العام ستظل مستقرة مقارنة بالنصف السابق، مع تحسن متوقع في النصف الثاني من 2025 عند طرح رقائق جديدة.

 

غير أن امتناع الشركة عن تقديم توقعات للإيرادات السنوية أثار تكهنات بشأن مواجهتها صعوبات في تحقيق تقدم مستمر في السوق.

كيف تحافظ "إنفيديا" على تفوقها على المنافسين؟


تمكنت "إنفيديا" من تحديث منتجاتها بوتيرة لم يستطع أي منافس آخر مجاراتها، بما في ذلك تطوير برمجيات تدعم أجهزتها. كما ابتكرت الشركة أنظمة عنقودية تجمع شبكة من أجهزة الحاسوب تتيح لعملائها شراء وحدات "إتش 100" بكميات كبيرة ونشرها بسرعة.

 

في المقابل، تملك رقائق "إنتل" المسماة "زيون" (Xeon) قدرة على معالجة البيانات المعقدة، لكنها تحتوي على عدد أقل من النوى وتعمل بوتيرة أبطأ في التعامل مع كميات البيانات الهائلة المستخدمة عادة في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.

 

رغم كون "إنتل" الشركة المزودة المهيمنة سابقاً على مكونات مراكز البيانات، فإنها لم تنجح حتى الآن في تقديم وحدات تسريع الأداء تقنع العملاء بالتخلي عن أجهزة "إنفيديا".

كيف يصمد الطلب على رقائق الذكاء الاصطناعي؟


أكد جين سون هوانغ، الرئيس التنفيذي لـ "إنفيديا"، وفريقه مراراً أن الشركة لديها طلبات تفوق قدرتها الإنتاجية، حتى على الطرز الأقدم. عند إعلان نتائجها المالية الأربعاء المقبل، سيترقب المستثمرون تأكيداً جديداً على هذه النقطة.


أعلنت شركات مثل "مايكروسوفت" و"أمازون" و"ميتا" و"جوجل" عن خطط لإنفاق مئات مليارات الدولارات على الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات الداعمة له. لكن في الآونة الأخيرة، ظهرت تكهنات بأن طفرة مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي قد تكون بدأت بفقدان زخمها. فقد ألغت "مايكروسوفت" بعض عقود إيجار مراكز بيانات في الولايات المتحدة الأميركية، وفقاً لشركة "تي دي كوين" (TD Cowen) للخدمات المصرفية الاستثمارية، ما أثار مخاوف أوسع بشأن ما إذا كانت الشركة بصدد الحصول على قدرة حوسبة أكبر مما تحتاج إليه على المدى الطويل.

لماذا تسببت "ديب سيك" في الكثير من القلق؟


إثارة شركة "ديب سيك" الصينية للقلق جاءت نتيجة إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد "أر1" (R1) مفتوح المصدر، ما دفع المنافسين إلى البحث عن كيفية تحقيقها نتائج تضاهي نماذج الشركات الأميركية الرائدة مع استخدام جزء بسيط فقط من مواردها.


اعتمدت "ديب سيك" على نهج يركز على تحسين النموذج من خلال المدخلات الواقعية، وهي تقنية تُعرف باسم الاستدلال، والتي تتطلب وقتاً وبيانات أقل مقارنة بأساليب التدريب الاصطناعي التي تتبعها الشركات الأخرى. وصفت "إنفيديا" -الشركة الأكثر تأثراً بهذا التطور- نموذج "ديب سيك" بأنه "تقدم رائع في مجال الذكاء الاصطناعي"، وأكدت أن تحقيقه لم يكن نتيجة التحايل على قيود تصدير التكنولوجيا الأميركية.


تمنع هذه القيود تصدير وحدات معالجة الرسومات الأكثر تقدماً من "إنفيديا" إلى الصين، ما دفع بعض المحللين في القطاع إلى التشكيك في إمكانية تحقيق "ديب سيك" لهذا الإنجاز التكنولوجي بصورة مستقلة. غير أن رد "إنفيديا" بدا وكأنه يفند هذه الشكوك.

 

رغم ذلك، شددت "إنفيديا" على أن رقائقها ستظل عنصراً رئيسياً حتى في حال تغير طرق تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، قائلة إن "الاستدلال يتطلب أعداداً كبيرة من وحدات المعالجة "جي بي يو"الخاصة بـ"إنفيديا" وشبكات عالية الأداء".

وطرحت "أدفانسد مايكرو ديفايسز"، ثاني أكبر شركة مصنعة لوحدات معالجة الرسومات، نسخة من سلسلة "إنستينكت" (Instinct) في 2023 تستهدف السوق الذي تهيمن عليه "إنفيديا". من المقرر شحن إصدار مُحسن منها، "إم آي350" (MI350)، إلى العملاء في منتصف العام الجاري. أعلنت ليزا سو، الرئيسة التنفيذية لـ "أدفانسد مايكرو ديفايسز"، أن الرقائق الجديدة ستوفر أداء أفضل بـ 35 مرة من الجيل السابق.


تتوقع "أدفانسد مايكرو ديفايسز" أن تكون إيرادات النصف الأول من 2025 قريبة لنصف العام السابق، رغم أن مبيعاتها السنوية من وحدات التسريع المستخدمة في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي تجاوزت 5 مليارات دولار.  رغم ذلك، فإن مبيعات "إنفيديا" في هذا المجال تتخطى 100 مليار دولار سنوياً.

"إنتل" تلاحق "إنفيديا"


أما "إنتل"، فأبلغت محللين ومستثمرين الشهر الماضي بأنها لا تشارك "بشكل مؤثر" في سوق مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي السحابية. بعدما فشلت في الحصول على استجابة إيجابية من العملاء المحتملين بشأن رقائق "فالكون شورز" (Falcon Shores)، قررت عدم طرحها تجارياً والاكتفاء باستخدامها للاختبارات الداخلية فقط. تصريحات ميشيل جونستون هولتهاوس، الرئيسة التنفيذية المؤقتة، عكست تأخراً أكبر مما كان متوقعاً في جهود "إنتل" للحاق بـ إنفيديا، ما يتناقض مع تصريحات بات غيلسنغر، الرئيس التنفيذي السابق، الذي كان أكثر تفاؤلاً بشأن مستقبل الشركة في هذا المجال.


لكن لم يتمكن أي من منافسي "إنفيديا" حتى الآن من تحقيق القفزة النوعية التي تقول الشركة إن رقائق "بلاكويل" ستوفرها. لا يقتصر تفوق "إنفيديا" فقط على قوة أجهزتها، بل يمتد أيضاً إلى البرمجيات؛ فقد طورت الشركة لغة "سي يو دي إيه" (CUDA)، التي تتيح برمجة وحداتها لمعالجة الرسومات لتشغيل التطبيقات الأساسية للذكاء الاصطناعي. عزز الانتشار الواسع لاستخدام هذه الأداة ارتباط القطاع بأجهزة "إنفيديا"، بحسب موقع بلومبرغ.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق