الطقوس الرمضانية: أصالة مجتمعية تتحدى التغيرات العصرية

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان - يشهد المجتمع الأردني، كغيره من المجتمعات، تغيرات عصرية متسارعة في العقود الأخيرة، إلا أن الطقوس الرمضانية التقليدية ما تزال تحتفظ بمكانة خاصة وثابتة في قلوب الأردنيين.اضافة اعلان
ورغم دخول التكنولوجيا الحديثة، وتسارع وتيرة الحياة، وتغير بعض العادات الاجتماعية، يبقى شهر الخير مساحة روحانية واجتماعية. وحافظت عائلات على عادات رمضانية رغم التحولات التي طرأت، ورغم بعض العادات التي تراجعت أو تغيرت، إذ يظل لهذا الشهر خصوصية تميزه عن باقي أشهر السنة. فهو لا يقتصر على الصيام والعبادات فحسب، بل يشكل نمط حياة اجتماعيا متكاملا يجمع العائلة والجيران، ويعزز قيم التكافل والعمل الخيري.
يتحدث الحاج محمود الزعبي (65 عاما)، أحد سكان مدينة إربد، عن أجواء رمضان، قائلا: "في رمضان تفتح البيوت أبوابها للعائلة والأصدقاء على موائد الإفطار، وبعد التراويح تبدأ السهرات الرمضانية التي تمتد حتى السحور. ورغم دخول التكنولوجيا وتطور العصر، حيث أصبحت التهاني بالشهر الكريم ترسل عبر "الواتساب" ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن التجمعات والاحتفال وصلة الرحم ما تزال من أساسيات رمضان".
ويؤكد الحاج محمود أن كثيرا من العادات ما تزال حاضرة، مثل تحضير الأطباق التقليدية والقطايف، وتوزيعها على الجيران، وهو ما يجعل الشهر الفضيل متجذرا في الذاكرة الجماعية للأردنيين بتفاصيله.
أما أبو علي، وهو والد لأربعة أبناء وجد لستة أحفاد، فيقول: "رغم التغيرات الحياتية، هناك عادات رمضانية نحرص على التمسك بها، كالتجمع العائلي عند الإفطار. فرغم ضغوط العمل والانشغال، تسعى معظم الأسر لتناول الإفطار معا، حتى المغتربون يحاولون قدر الإمكان العودة إلى الوطن لقضاء رمضان مع العائلة".
يوضح أن التكاتف المجتمعي والعمل الخيري يشهدان ازديادا ملحوظا خلال شهر رمضان في السنوات الأخيرة، حيث تنتشر موائد الرحمن في مختلف المدن لتقديم الطعام للصائمين المحتاجين، إلى جانب حملات توزيع الطرود الغذائية التي تعزز قيم التكافل والتضامن بين الناس.
ويضيف أبو علي، أن أكثر ما يبعث في قلبه الفرح هو الإقبال الكبير على صلاة التراويح، حيث تمتلئ المساجد بالمصلين، إذ يحرص الكثيرون على أدائها بشكل جماعي، واجتماع الجيران، والذهاب حتى من لم يكن ملتزما بالصلاة في المسجد خلال بقية العام. ويصف المشهد بروحانية خاصة، حيث يرى الشباب والأطفال وكبار السن يحملون سجادات الصلاة ويتهافتون لأداء صلاة الجماعة والتراويح.
من جهته، يؤكد أبو علي أن عائلته تجتمع يوميا في رمضان لتحضير الأطباق التقليدية، رغم انتشار الأكلات السريعة، إذ ما يزال إعداد المأكولات الموروثة جزءا لا يتجزأ من طقوس الشهر الفضيل. فالعائلات تحرص على طهي الأطعمة التي تناقلتها عبر الأجيال، محافظة بذلك على إرثها الغذائي.
ويشير أبو علي إلى أنه يلتقي بأولاده وزوجاتهم وأحفاده للتزاور بين الأقارب والجيران، ورغم أن الزيارات لم تعد بالوتيرة نفسها كما في الماضي، إلا أن الحرص على الحفاظ على هذا التقليد ما يزال قائما، حتى لو كان بوتيرة أقل كثافة.
على الجانب الآخر، بدأت بعض العادات بالتراجع مع تطور الحياة وتغير الأولويات، وفقا ليسرا إسماعيل، التي تقول: "يحرص الجميع على جعل شهر رمضان كما عهدناه وكما هو في الذاكرة، لكن في السابق كانت الجلسات العائلية تمتد حتى السحور، وكانت فرصة لتبادل الأحاديث والقصص. أما اليوم، فقد تراجع نوعا ما هذا الأمر بسبب الاعتماد المتزايد على الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى التزامات العمل في اليوم التالي".
وتشير إلى أن نمط الحياة العصرية فرض بعض التغيرات، فكان الأطفال والشباب سابقا يجتمعون في الشوارع والساحات للعب بعد صلاة التراويح، لكن مع انتشار التكنولوجيا، باتوا يفضلون الألعاب الإلكترونية على التجمعات الحية.
أما فيما يخص المشتريات الرمضانية، فتلفت يسرا إلى أن أماكن التسوق شهدت تحولا كبيرا، فمع انتشار المولات والتسوق الإلكتروني، لم تعد الأسواق الشعبية بالحيوية نفسها التي كانت عليها سابقا، حيث كان الناس يتدافعون لشراء حاجيات الشهر الفضيل.
ومن التغيرات الملحوظة ايضا، تراجع عادة تحضير الطعام بالكامل في المنزل، إذ كان كل شيء يعد داخل البيت في الماضي، بينما اليوم، ومع انتشار المطاعم وخدمات التوصيل، أصبح البعض يفضل شراء وجبات جاهزة أو شبه جاهزة لتوفير الوقت والجهد، خاصة في العزائم الرمضانية.
تقول هدى السالم (40 عاما)، وهي أم لثلاثة أطفال: "أحاول أن أعيد لأطفالي بعض الأجواء الرمضانية التي عشناها في طفولتنا، مثل تناول الإفطار مع العائلة، وتحضير الطعام معا وزيارة الأقارب. لكن في المقابل، لا يمكن تجاوز فكرة أن الحياة أصبحت أسرع وتيرة، ولم يعد لدينا الوقت نفسه لممارسة كل العادات التي اعتاد أجدادنا عليها، إلا أننا نحاول التمسك بها قدر المستطاع".
وتضيف: "بالنسبة لجيلنا، ما يزال رمضان يحمل الروح نفسها، لكنه بات مختلفا في بعض التفاصيل، لم نعد نجلس مع العائلة لساعات طويلة بعد الإفطار كما كان يفعل آباؤنا، لكننا نحافظ على الطقوس الأساسية مثل صلاة التراويح، وصلة الرحم، والعمل الخيري".
يوضح اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع، أنه رغم التحولات الكبيرة التي طرأت على المجتمع، يظل رمضان فرصة سنوية لإعادة الروابط الأسرية والاجتماعية وتعزيز قيم التكافل والتراحم. فالتقاليد الرمضانية ليست مجرد عادات محددة، بل هي جزء من الهوية الثقافية والدينية التي تعزز الشعور بالانتماء والتقارب.
ويرى أن التمسك بعادات رمضان يعود إلى أهمية هذا الشهر في تشكيل الذاكرة الجماعية للمجتمع، ويقول: "رغم الحداثة والتغيرات الاجتماعية، يظل رمضان رمزا للترابط الاجتماعي، حيث يجد الناس في طقوسه فرصة للهروب من زحام الحياة اليومية والعودة إلى القيم التقليدية".
ويؤكد في حديثه أن ما يظهر اليوم هو التمسك بالعادات إلى جانب التكيف مع العصر، إذ ما يزال رمضان يحتفظ بمكانته في قلوب الأردنيين رغم بعض التغيرات التي طرأت على طرق الاحتفال به. فالتقاليد الرمضانية ليست مجرد ممارسات موسمية، بل هي انعكاسات لهوية المجتمع وروحه الجماعية، وهو ما يجعلها مستمرة مع مرور الزمن.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق