كلما تتقدم في العمر، كلما دائرة علاقاتك «تصغر» بالضرورة.
ستتحول بشكل تلقائي إلى شخص «يفلتر» علاقته، والبعض يقوم بشكل دوري بإلغاء أرقام اتصالات في ذاكرة هاتفه أو مفكرته.
طبعاً هي مسألة نسبية وليست قاعدة، لكن «الثابت» في الموضوع، أن الناس تصل في مرحلة من الحياة إلى باحثة عن الهدوء، وإلى الابتعاد عن الصخب، وإلى «الانتقائية» في العلاقات، بما يجعلها محاطة بعلاقات إيجابية صحية.
والسؤال سيطل برأسه هنا: وهل هناك علاقات سلبية مرضية في المقابل؟!
والإجابة قطعاً بـ«نعم»، لكنني لست أتحدث عن علاقات سلبية اعتيادية هنا، أنا أتحدث عن علاقات متقدمة، «موغلة» في السلبية الخطرة، والتي تجعلك تصنف هذا الشخص، أو ذاك على أنه إنسان «سوداوي».
طيب، ما الفارق؟! إذ الاثنان يخلقان السلبية لدى الأشخاص الذين يتعاملون معهم.
وهنا لا بد من إدراك فاصل دقيق جداً بين الشخصيتين، وهو فاصل إن لم تنتبه له، ستجد نفسك تتعامل مع شخصيات لديها القدرة على تحويلك لما يشبه «الوردة الذابلة» لكن تلك التي تذبل في ثوانٍ، ستجد نفسك تتعامل مع شخصيات لديها القدرة أن تحول سعادتك إلى كآبة في لمح البصر.
الإنسان السلبي شخص تجده لا يبادر ولا يهتم لكثير من الأمور، تجده متردداً في اتخاذ قراراته، وإن احتجت المساعدة منه ولو كانت البسيطة، فإنك لن تحصل عليها، فهو من النوع الذي يفضل البقاء في «الظل» أي على الحياد، دون أن يكون مبادراً ومتسارعاً لتقديم المعونة أو الاستشارة.
وأخطر تأثيرات الإنسان السلبي تأتي على حساب معادلة التشجيع أو التثبيط، فهو دائماً ستجده سلبي المشاركة في أي فعالية أو مشروع، وبالتأكيد ستفتقد حضوره حتى ولو حضر، إذ لن يكون إضافة، لكن الحق يقال هنا لن يكون كارثة!
الكارثة الحقيقية تتمثل في الشخصية الأخرى، وأعني بها النوعية «السوداوية» من البشر.
إذ هؤلاء أمامهم «السلبيون» يصنفون فوراً على أنهم «إيجابيون» أو «ملائكة»؛ لأن الإنسان السوداوي لديه قدرة غريبة كما «الطاعون» الذي يمر على الحياة فيدمرها تدميراً، وهذا التدمير يكون «عن تقصد» وليس نتاج «سلبية مترددة».
الشخصيات السلبية تأثيرها الرئيس على أنفسها خاصة وأنها لا تتحرك بناء على خوف أو قلق متأصل فيها، لكن السوداويين، هم الذين لو رأوك سعيداً سيبتكرون ألف طريقة وطريقة ليقتلوا سعادتك.
ولو تحدثت معهم عن خططك المستقبلية الطموحة سواء على المستوى المهني أو الشخصي، ولمسوا لديك السعادة والحماس، ستجدهم على الفور يحاولون تقديم الملاحظات والمحاذير وإبراز المخاوف وتوقع السيناريوهات السوداء، فقط ليحولوا سعادتك التي أحسوا فيها من خلال حديثك إلى تعاسة.
هذه الشخصيات للأسف دائماً تفكيرها «أسود اللون»، أي شيء أمامها تضع له ألف تفسير وتفسير، والأهم أن يكون تفسيراً سلبياً مغلفاً بافتراض نوايا سيئة من الآخرين، أو مبنياً على نظريات مؤامرة ومخططات.
وغالباً لا شيء من هذا موجوداً، لكن مشكلة هذه النوعيات من البشر أنها تفرط في التفكير باتجاه توقع السيناريوهات السوداء.
وصفة مزعجة في السوداويين سيدركها كل من يتعامل معهم، وهي أنك لو حققت نجاحاً أو إنجازاً أو تميزاً في شيء ما، ووجدت جموعاً من الناس تفرح معك أو تهنئك أو تشيد بك، الشخصيات السوداوية قد تهنئك، لكنها ستكون تهنئة على مضض مغلفة بالسوداوية، إذ قد تقول لك: «مبروك، ولكن...»، وبعد هذه الـ«لكن» سيبدأ الإبداع في كيفية تحويل سعادتك إلى تعاسة، وكيف سيدخلك أطوار اكتئاب واستياء.
هذه الشخصيات «تمتص روحك»، تسرق سلامك الداخلي لأنها لا تملك واحداً أصلاً، بل تدعي ذلك. وهنا كلما ابتعدت عنها كلما ابتعدت عن الكآبة والتفكير المرهق لعقلك وروحك ونفسك.
يستوعب كلامي أعلاه من وصل لمرحلة من العمر فيها نضوج وخبرة وتتضمن احتكاكاً بجموع وأنماط وأنواع مختلفة من البشر. يستوعب كلامي من مر بتجارب مع شخصيات سوداوية أتعبته وأرهقته.
ندعو الله أن يبعد عنكم هذه النوعيات، وندعو لهم أن يصلح نفوسهم وما يعتمل في عقولهم، فالحياة ليست مقصورة على اللون الأسود فقط.
0 تعليق