سلام الشكيلي: مبالغ زهيدة نحصل عليها من السعفيات لكنها كانت كافية للعيش
خميس أمبوسعيدي:نصف ريال قيمة خياطة الدشداشة أوائل السبعينيات والقناعة سر الثبات والبقاء
مسعود الكندي: صناعة الدّعون شاقّة ومرهقة لكن تمسّكنا بها لظروف الحياة
مرّت على بلادنا عمان عبر الأزمنة المتتالية الكثير من التغيرات والعقبات والصعوبات أسوة بباقي الدول، حيث لم تخلُ دولة من هذه التغيرات ولعل ما يتذكّره العمانيون من كبار السن هو ضنك العيش وصعوبة الحياة وندرة الأعمال خلال فترة نهاية الستينيات من القرن الماضي وتحديدًا قبل 23 يوليو 1970 الذي يعد يومًا فاصلًا بين زمنين، حيث تغيّرت الحياة كثيرا، وبدأ العمانيون في شق طريقهم مع تغيرات جذرية في مختلف مناحي الحياة.
وبرغم توفر عدة فرص للأعمال الحكومية والحرّة بعد نهضة 1970، إلا أن الكثير من العمانيين حافظوا وما زالوا على المهن التقليدية أو البسيطة التي مارسوها خلال حقبة فائتة من السنين، حيث نستعرض خلال هذه السطور تجارب عديدة لكبار السن لا يزالون حريصين على امتهان حرف تقليدية قد تندثر في قادم الأيام؛ نستمع منهم لتجاربهم وحكاياتهم وكيف استطاعوا شقّ طريقهم والتغلّب على ظروف الحياة ومرارة الأيام.
البداية مع الوالد خميس بن سعيد أمبوسعيدي الذي يمتهن خياطة الملابس الرجالية منذ ما يزيد على 55 عامًا، حيث روى قصة افتتاحه للمحل بسوق نزوى بعد أن عمل خيّاطًا في الجيش زمن السلطان سعيد بن تيمور، ونظرًا لظروف الحياة والتنقلات بين الكتائب يقول خميس أمبوسعيدي: توظّفت كخيّاط في الجيش بداية عام 1970 براتب 25 ريالًا في ذلك الوقت وكان من المفترض أن يكون مقر العمل في نزوى ولكن تم نقلي بعد مرور 20 يومًا إلى عبري ثم مرة أخرى إلى الجبل الأخضر ومنها إلى صلالة وكل ذلك خلال عام واحد من بداية 1970 إلى بداية عام 1971 لذلك آثرت الاستقالة، حيث أتقنت مهنة الخياطة وقررت بدء العمل الخاص بي مع رفيق دربي في المهنة محمد بن خميس النعماني -رحمه الله- من خلال افتتاح محل صغير كون الناس بدأت تُقبل على ارتداء الدشاديش العمانية؛ وتابع القول: قمت بشراء ماكينة خياطة يابانية بقيمة 45 ريالًا وكانت من النوع الأصلي الراقي في ذلك الوقت -وما زلت أعمل عليها حتى الآن- إذ أقوم بصيانتها وتنظيفها بنفسي، وقال: كانت قيمة خياطة الدشداشة الواحدة نصف ريال، حيث يقوم الزبون بإحضار القماش بنفسه، فالقناعة في ذلك الوقت كانت موجودة ولله الحمد ونستطيع خياطة ما لا يقل عن أربع دشاديش في اليوم تكفي لمستلزمات الحياة، حيث إن الحياة كانت بسيطة والمستلزمات قليلة ولله الحمد وبمرور الوقت ارتفعت الأجرة قليلاً ولكن لا نزال محافظين على المهنة رغم منافسة الوافدين الذين حاولوا مرارا إبعادنا عن المهنة.
صناعة الدعون
وننتقل مع مسعود بن ساعد الكندي الذي يمتهن صناعة الدعون منذ ما يقرب من 35 عاما، حيث يقول: تكمن فكرتها في جمع زور النخيل بعد تنظيفها من الخوص وربطها بالحبال لتشكيل قطعة متماسكة مختلفة الطول تصل إلى متر ونصف المتر أو أكثر تبعا للغرض الذي يتم استخدام الدعن والذي عادة يكون لتجفيف تمور النخيل، كما لها استخدامات أخرى كسقوف للمساجد والبيوت سابقا وحاليا تستخدم كمساكن كالعريش والخيمة ومظلات واقية من الحرارة؛ وبرغم أن معظم ممن عملوا في هذه الحرفة من الأجداد والآباء رحلوا عنها، إلا أنها بقيت قائمة تواجه تحديات الاندثار والنسيان؛ وقال: في السابق كان يمتهنها الكثير وكانت تقوم بالتعاون بين الجميع لذلك فهي مصدر رزق ولله الحمد، حيث يكثر الطلب عليها خاصة خلال فصل الصيف والحمد لله استطعنا من خلال هذه المهنة تسيير معيشتنا وأرزاقنا رغم التحديات الكثيرة؛ وعن سر اهتمامه وعشقه لهذه الحرفة قال: هي في المقام الأول إرث قديم يجب المحافظة عليه، فهي مهنة تقاوم الاندثار كما أن عائدها الاقتصادي مُجز وأن الإقبال على الدعون مستمر وقد يكون الطلب عليه حاليا أكثر سواء لأغراض البناء مثل الخيام والعرشان والاستراحات السياحية والفندقية والتخييم وغيرها، مُضيفًا أن أي عمل لا بد أن يكون فيه بعض الصعوبات، ولكن ما دام هناك رغبة وهمّة واجتهاد لإنجاز العمل، فإن الصعوبات تتلاشى وتبقى متعة العمل عالقة».
صناعة السعفيات
ننتقل مع سلام بن عديم الشكيلي الذي يمتهن صناعة السعفيات منذ قرابة 30 عامًا، حيث يقول بدأتها كهواية للتسلية وقضاء الوقت بسبب فقدان بصري، حيث استهوتني فكرة صناعة الحبال من خوص النخيل وكذلك صناعة السعفيات كالخصاصيف التي تستخدم للشواء وكذلك جراب التمر وبدأت في بيع بعض المنتجات وما لبثت أن تعلقت بها، حيث كانت ترد عليّ مبلغا من المال يساعدني في قضاء بعض احتياجاتي؛ وقال لم تكن قيمة الخصفة في ذلك الوقت كثيرة، إذ لم تتجاوز ريالا واحدا فقط وكنت أقوم بصنعة أعداد كبيرة قبيل الأعياد لبيعها لمن يطلبها. مضيفًا: إنه لا يعرض منتجاته وإنما له زبائنه المعروفون الذين يتعاملون معه بصورة دائمة وقال: إن هذه الحرفة ساعدته كثيرًا على تحسين وضعه رغم ظروفه وبرغم صعوبتها كانت عاملًا مساعدًا في الجانب المادي، وقد ارتفع سعرها خلال هذه الفترات، حيث تصل الكبيرة منها إلى خمسة ريالات للواحدة.
ختامًا، يقول سلام الشكيلي: «أنصح الشباب بتعلم هذه الحرفة للحفاظ عليها من الاندثار، كونها حرفة قديمة وتناقص عدد ممارسيها في الوقت الحاضر، كما يمكن خياطة بعض الأعمال السعفية للزينة وحفظ الأطعمة، ويمكن استخدامها في عدة أشياء كما كانت تُستعمل سابقًا. على سبيل المثال، تقوم بعض مصانع الحلوى بوضع الحلوى في أوان سعفية صغيرة تُسمى «قزقوزة»، وهي طريقة كانت منتشرة قديمًا لبيع الحلوى. كما أن صناعة هذه الأواني قد تتيح للشباب مورد رزق، ولو بسيطًا، يساعدهم ماديًا».
0 تعليق