حسنا فعل القائمون على البرنامج الوطني لتنمية القطاع الخاص والتجارة الخارجية (نزدهر) عندما أشركوا المجتمع في اختيار الهوية الوطنية الترويجية لسلطنة عمان عبر التصويت الإلكتروني ما جعل الأمر يتحول إلى ما يشبه الرأي العام الجمعي، خاصة مع تأكيد البرنامج أن هذه الهوية بعد اختيارها ستتحول إلى قصة وطنية تمس الجميع ويعنى بها الجميع. وتتنافس دول العالم اليوم للترويج لنفسها وإمكانياتها الاقتصادية والسياحية بحثا عن القيمة المضافة من وراء كل ذلك.. وتتحول الهوية الوطنية الترويجية إلى نافذة تعكس روح الدولة وهويتها وقيمها أمام العالم.
وتمتلك سلطنة عمان كنوزا من التاريخ والجغرافيا والثقافة والقيم الإنسانية التي تستطيع أن تبرز جوهرها للعالم ليس بوصفها، فقط، دولة/ حضارة ذات تاريخ عظيم ولكنها دولة تسير بثبات واتزان نحو المستقبل.
لكن الهوية الترويجية ليست مجرد شعار أو حملة إعلامية عابرة؛ لكنها، أو هكذا يجب أن تكون، رؤية طويلة الأمد تتطلب استراتيجية عميقة وشاملة، تبدأ من تعريف العالم بعُمان، وتصل إلى التأثير في تصوراته عنها وبناء الصورة الذهنية الحقيقية عن بلد استثنائي بكل ما تعنيه كلمة الاستثنائية من معنى. عُمان ليست، فقط، دولة تتمتع بجمال طبيعي ساحر وبتاريخ ضارب في القدم، لكن عُمان نموذج أساسي في العالم لمعنى التعايش والتوازن والأصالة والمعاصرة، وهو أيضا نموذج في قدرة الإنسان إلى الاستدامة، بما في ذلك استدامة الكيان السياسي نفسه الذي يعد أحد أقدم الكيانات السياسية في العالم إن لم يكن الأقدم على الإطلاق.
ورغم أهمية وجود الهوية الوطنية الترويجية لكن الأهم منها إعادة الاشتغال بهوية وطنية متكاملة لكل مؤسسات الدولة تحضر فيها هوية عُمان ورواجها وقيمها ومنجزها الحضاري. ويمكن التذكير هنا بالهوية التي كانت وزارة التراث والثقافة قد أقرتها قبل عدة سنوات والمنبثقة من روح عمل الوزارة في ذلك الوقت. وهذا مشروع كبير ولكنه مهم ولا بد أن ينجز، ثم يخرج عنه كتابة «سردية وطنية» يستلهم منها العمانيون تاريخهم وقيمهم ومبادئهم وتتربى عليها الأجيال القادمة.. والتاريخ العماني غني بالأحداث الكبيرة التي تسهل كتابة السردية الوطنية العمانية. وإذا كنا نسعى إلى ترسيخ قيم المواطنة وقيم الهوية العمانية فإن نحتاج بشكل ملح إلى وجود «السردية الوطنية» التي نرى من خلالها أنفسنا وتاريخنا ونضالنا عبر الزمن في بناء عُمان وترسيخ أمجادها.
لا شك أن بناء الهوية الوطنية الترويجية أو الهوية الوطنية لمختلف المؤسسات أو بناء السردية الوطنية العمانية هو جهد كبير ومضنٍ ولكنها في مجملها استثمار في المستقبل، وترسيخ للقيم التي أنجزها السلف عبر رحلة طويلة.. إنها قصتنا جميعا، قصة وطننا التي لا يستقيم بناؤنا الداخلي وتوازننا النفسي في معزل عنه، ولذلك لا بد أن نعي أن هذا المشروع مشروعنا جميعا.. وفي كل ركن من عُمان هناك قصة تنتظر أن تُروى، وعلينا أن نكون صوتها الذي يصل إلى العالم.
0 تعليق