انهيار جيش الأسد كما رواه الذين ألقوا أسلحتهم وهربوا

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
‏‏أدريان بلومفيلد*‏‏ ‏- (التلغراف) 17/12/2024

على الرغم من أنهم كانوا أعداء قبل 12 يومًا فقط، يلقي الجنود السوريين بأنفسهم في أيدي الثوار خوفًا من المتطرفين الإسلامويين.‏اضافة اعلان
*  * *   *
طرطوس - الصمت يسود أجهزة الراديو من جنرالاتهم؛ أصوات غامضة تعطي تعليمات تُسمع على أجهزتهم اللاسلكية؛ إشاعات مرعبة تنتشر عبر الرتب والصفوف -ثم فرار متعجِّل.‏
‏قدم جنود وضباط خدموا في نظام بشار الأسد أول لمحة مفصلة عن كيفية انهيار ‏‏القوات المسلحة السورية‏‏، على الرغم من سنوات من التدريب وإعادة التنظيم الذي أشرفت عليه روسيا، في 12 يومًا فقط.‏
بينما يغمرهم الغضب والخوف على مستقبلهم، ويتهمون رؤساءهم بخيانتهم، تحدثوا عن انهيار كامل في سلسلة القيادة، وعن انهيار الروح المعنوية، ثم ‏‏الفوضى مع تقدم قوات الثوار‏‏ بوتيرة البرق نحو دمشق.‏
على الرغم من تفوقهم من حيث القوى البشرية والأسلحة، إلا أنها كانت معركة لم يكن بإمكان الجيش كسبها في المقام الأول، وفقًا لبشار الإبراهيم؛ واحد من أكثر من عشرة جنود وصفوا انهيار الجيش لصحيفة "التلغراف".‏
قال الإبراهيم: "هناك سببان كانا وراء هزيمتنا. أولاً، كانت الرواتب ضعيفة للغاية. لا أحد يريد القتال من أجل 30 دولارًا (24 جنيها إسترلينيًا) في الشهر. ثانيًا، لم تأتنا أي أوامر. ماذا كان يفترض بنا أن نفعل؟‏".
وأضاف: ‏"أردنا فقط العودة لنكون مع عائلاتنا والخروج من هذا الجنون، حتى أكون صادقًا. ‏‏كنا جاهزين للسقوط وسقطنا‏‏".‏
كملازم في الفرقة المدرعة الرابعة، كان الإبراهيم متمركزًا في الأصل بالقرب من حينة؛ القرية الجبلية القريبة من الحدود اللبنانية.‏
‏ثم عندما هاجم ثوار "هيئة تحرير الشام" -الحركة التي تدير البلاد الآن- مدينة حلب، تلقى أمرًا بالانسحاب والتراجع إلى مقر الفرقة في قدسيا بالقرب من دمشق، للتحضير للدفاع عن العاصمة السورية.‏
‏كانت الفرقة الرابعة، ظاهريًا، هي الوحدة الأكثر نخبوية وصلابة في الجيش السوري، بقيادة شقيق الأسد الأصغر، ماهر. ولكن، سرعان ما ثبت أنها كانت أي شيء سوى ذلك.
وصف الملازم الإبراهيم جوّاً ساده الذعر بين الضباط والجنود على حد سواء عندما رأوا مدى سرعة استسلام زملائهم في حلب؛ ثاني أكبر المدن السورية، والتي سقطت في أيدي "هيئة تحرير الشام" وحلفائها في غضون أربعة أيام.‏
‏وعلى الرغم من أن حلب كانت على بعد أكثر من 200 ميل، إلا أنه كان هناك رعب واسع النطاق من "هيئة تحرير الشام"، كما قال، لأنه قيل للجنود إن مقاتلي "الهيئة" هم ‏‏إرهابيون من "داعش" تحت مسمى جديد.‏
‏ويبدو أن القصد من تقديم "هيئة تحرير الشام" -التي كانت قد قطعت علاقاتها بتنظيم القاعدة في العام 2017- بهذه الطريقة كان تقوية عزيمة الجيش. ومع ذلك، بالنظر إلى أن "داعش" كثيرًا ما قطع رؤوس الجنود الأسرى ونشر اللقطات على الإنترنت، كان لهذه الأوصاف تأثير معاكس.‏
وقال وائل سليمان، وهو رقيب كان متمركزًا في ضواحي حلب، وانسحبت وحدته بسرعة قبل وصول الثوار: ‏"كنا خائفين حقًا. اعتقدنا أنهم سيقتلوننا واحدًا تلو الآخر".‏
‏ما يزال "داعش" يحتفظ بموطئ قدم في سورية‏‏ على الرغم من تعرضه للهزيمة على يد تحالف مدعوم من الولايات المتحدة بقيادة الأكراد في العام 2019. وفي الأسابيع الأخيرة، نفذت القوات الأميركية في البلد غارات جوية على مخابئه لمنع التنظيم من استغلال الوضع الحالي وإعادة الانبعاث.‏
مع سقوط مناطق محافظة حلب واحدة تلو الأخرى وتزايد الشعور بالذعر، سمع الرقيب سليمان رسالة على جهازه اللاسلكي. ‏‏وقال: "قيل لنا أن نتخلى عن كل شيء؛ أن نتخلص من أسلحتنا وأزيائنا الرسمية، ونخرج من هناك. ولم تكن هناك ضرورة لإخبارنا بذلك مرتين".‏
وسيتم بث العديد من مثل هذه الرسائل عبر أجهزة الاتصال اللاسلكي إلى الجنود في جميع أنحاء البلاد. ولم يكن الطرف الذي أرسل هذه الرسائل واضحًا تمامًا.‏
‏سمع محمد علي، وهو ملازم كان متمركزًا في اللاذقية، معقل ‏‏الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد‏‏، رسائل مماثلة بعد بضعة أيام. ولم يتعرف على الصوت في الطرف الآخر من الجهاز، وافترض أنهم الثوار الذين كانوا يقتربون.‏
‏ومثل الرقيب سليمان، لم ينتظر هو ورجاله لمعرفة الأمر، فوضعوا أسلحتهم في مستودع للأسلحة، وبدلوا ملابسهم العسكرية بأخرى مدنية وانطلقوا إلى بيوتهم.‏
إلى الجنوب من الثوار المتقدمين، كان العقيد وسيم أحمد من الفرقة 25 من "قوات المهام الخاصة" متمركزًا في منطقة قمحانة في محافظة حماة. وكان يدرك أن المدينة ستكون التالية التي سيضع الثوار أنظارهم عليها بمجرد سقوط حلب.‏
عندما أفزعتهما السرعة التي كانت تسقط بها قوات الأسد، أبلغت إيران وروسيا؛ حليفتا النظام في ساحة المعركة، الرئيس السوري بأن عليه أن يحافظ على حماة إذا أراد أن تكون هناك أي فرصة للبقاء في وجه الهجوم الكاسح.
وفي وقت لاحق، قال عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، في حديث إلى التلفزيون الإيراني: ‏"لم يصدق أحد أن هذا يمكن أن يحدث. ما كان مفاجئًا هو أولاً عدم قدرة الجيش السوري على مواجهة الوضع، وثانيًا الوتيرة السريعة للتطورات".‏
‏ربما تفاجأ السيد عراقجي. لكن العقيد أحمد لم يكن كذلك. على الرغم من وجود بعض المقاومة في البداية، إلا أنها سرعان ما تلاشت عندما توقفت أوامر القيادة المركزية عن الوصول إلى وحات الجيش.‏ وقال: "لم يكن هناك شيء على الإطلاق على أجهزة اللاسلكي. لم تكن هناك أوامر من كبار الضباط. مجرد صمت فقط. سرعان ما أصبح من الواضح أن كل شخص بات متروكًا لنفسه".‏
‏بعد أن ودع زملاءه، بدل العقيد أحمد ملابسه إلى بنطال من الجينز، وركب سيارته الـ"تويوتا تُندرا" المخصصة للجيش، ووضع بندقيته عند قدميه وقاد مبتعدًا عن ساحة المعركة.‏
مع ذلك، لم تُخسر الحرب في هجوم الأحد عشر يومًا، كما قال، وإنما في السنوات التي سبقت بدايته. على الرغم من أن عديد الجيش كان يبلغ ذات مرة أكثر من 200.000 مقاتل، وأنه كان يتفاخر بامتلاك سادس أكبر أسطول مدرع في العالم، إلا أنه ‏‏تم إضعافه منذ فترة طويلة بسبب الفساد‏‏.‏
‏حتى في الأيام الأولى للانتفاضة السورية، تم إسناد الكثير من القتال إلى "الشبيحة"، وهم عصابات إجرامية من اللاذقية مرتبطة بالعائلات العلوية المرتبطة بعائلة الأسد.‏ ثم، في وقت لاحق، سوف يتولى "حزب الله"؛ الميليشيا الشيعية اللبنانية التي كانت نشطة منذ فترة طويلة في سورية وتمتعت بحماية الأسد، خوض أعنف القتال.
‏ولكن، مع إصابة "حزب الله" بالشلل فعليًا بسبب هجوم إسرائيلي بالغ الفعالية ‏في لبنان المجاور، سوف يتعين على الجيش السوري الآن أن يقف بمفرده.‏ وكما قال العقيد أحمد، لم يكن الجيش في وضع يمكنه من القيام بذلك، في ما يرجع إلى حد كبير إلى أن كميات كبيرة من أسلحة الجيش السوري كان قد باعها جنرالاته.‏
‏وأضاف العقيد أن الجرد الرسمي لوحدته أدرج 25.000 بندقية و50 عربة مدرعة في السجلات. ومع ذلك، كانت الحقيقة أن لديه أقل من 200 بندقية، معظمها ليست في حالة صالحة للعمل، ولم تكن لديه أي مركبات عاملة على الإطلاق.‏
‏وقال: "عندما تعطلت المركبات، كان من المفترض أن يتم استبدالها. ولكن تم استبدالها على الورق فقط وليس في الواقع. الجيش السوري بأكمله كان موجودًا على الورق فقط".‏
ولم يكن الفساد هو السبب الوحيد لتفريغ الجيش السوري. كانت الظروف وعدم وجود شيء للقتال من أجله سببين آخرين.‏
وقال سامر حامد، وهو جندي برتبة رقيب كان يتمركز في مدينة صافيتا إلى الجنوب الغربي من طرطوس؛ المدينة الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط:‏ ‏"لم تكن هناك نقود ولا طعام". وأضاف: "ربما نكون قد خدمنا في جيشه، ولكن لا أحد منا كان يحب الأسد. كنا نلومه على الظروف الرهيبة التي قاتلنا وخدمنا فيها".‏
‏وقال أيضًا: "أردنا الفرار (مسبقًا) لكننا كنا نعلم أننا إذا فعلنا ذلك فسوف ‏‏ينتهي بنا المطاف في صيدنايا‏‏"، في إشارة إلى السجن العسكري الأكثر شهرة بسوء السمعة في سورية.‏
لم تكن الحياة سهلة بالنسبة للعسكريين منذ ‏‏انهيار الجيش‏‏. وقد تحدث الجنود عن الرعب الذي أصابهم أثناء فرارهم إلى ديارهم بسبب ما يعنيه حمل بطاقة هوية عسكرية فقط بينما يمرون عبر نقاط تفتيش يديرها ثوار من جماعات مجهولة.‏
‏وقال الملازم إبراهيم إنه بعد فراره من قدسية في اليوم السابق لسقوط الأسد شاهد قائدًا كبيرًا يُسحب من سيارة عند نقطة تفتيش ويُقتل. وقال إنه لا يعرف ما إذا كان المقاتلون الذين قتلوه جزءًا من "هيئة تحرير الشام" أم لا.‏
على الرغم من أنه قال، هو وآخرون، إن "هيئة تحرير الشام" تركت الجنود والضباط العاديين دون رتبة عميد لشأنهم، إلا أنهم ما يزالون خائفين من حملهم بطاقات هوية عسكرية في حال اكتشفتهم خلايا "داعش".‏
‏وقد انتشرت مقاطع فيديو وتقارير عن قيام "داعش" بمطاردة وإعدام الجنود السوريين على نطاق واسع على مجموعات "واتسآب" العسكرية، مما أدى إلى نشر مزيد من الخوف -على الرغم من عدم تأكيد هذه المزاعم بشكل مستقل.‏
كما أرسلت "هيئة تحرير الشام" رسائل نصية إلى جنود الجيش السابقين تطلب منهم ‏‏تسليم بطاقات هوياتهم العسكرية‏‏ واستلام بطاقات هوية جديدة ستصدرها لهم.‏ ‏وهناك طابور طويل من الجنود السابقين يدور حول المقطع السكني بجوار مركز الشرطة العسكرية في طرطوس بعد أن قبل الجنود السابقون الخائفون العرض. وكان من بينهم العقيد أحمد الذي سلم بندقيته وسيارته الـ"تويوتا تندرا" إلى مقاتل من "هيئة تحرير الشام" سجل التفاصيل في دفتر كبير.
‏ما يزال ما يخبئه المستقبل‏‏ للجنود السوريين السابقين غير واضح. بسبب خوفهم من "داعش"، ألقوا بأنفسهم تحت رحمة "هيئة تحرير الشام"، حيث يقول الكثيرون إنهم يَعتبرون أعداءهم السابقين الآن حماتهم الوحيدين ضد الإسلامويين.‏
‏ربما يكون هذا هو الأساس لنوع من المصالحة بين الخصمين السابقين.‏ وقال الملازم علي إبراهيم وهو ينتظر في الطابور: ‏"حتى الآن، لا نثق بهم تمامًا ولا يثقون بنا بالكامل. ‏لكننا نتطلع إليهم من أجل الحماية ونأمل أن نكون إخوة وليس أعداء".‏
‏وأضاف: "نحن في حاجة إلى جيش لجميع السوريين. يبدو أنهم يفهمون أننا لم نكن مسؤولين عن الحرب. لقد عانينا مع جميع الآخرين، ودفعنا ثمن أخطاء قادتنا".‏

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: The implosion of Assad’s army, told by those who dropped their weapons and ran

*أدريان بلومفيلد Adrian Blomfield: صحفي بريطاني بارز عمل كمراسل دولي لمؤسسات إعلامية مرموقة عدة. بدأ مسيرته المهنية في "الديلي تلغراف"؛ حيث عمل مراسلًا صحفيًا في موسكو لمدة أربع سنوات، ثم انتقل ليصبح مراسلًا في القدس من العام 2009 حتى العام 2012، حيث غطى أحداث الشرق الأوسط. لاحقًا، عمل كمراسل لشؤون شرق أفريقيا لصالح مجلة "الإيكونوميست"، حيث استقر في نيروبي، كينيا. خلال مسيرته، غطى بلومفيلد مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك النزاعات السياسية، الأزمات الإنسانية، والتطورات الاجتماعية في مناطق عمله.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق