"متلازمة المرأة المعنفة": لماذا تصمت نساء أمام إهانات متكررة؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان- ليست كل الروايات تحكى، فهناك قصص تعاش بصمت، حيث تختبر بعض النساء معاناة قاسية تحكمها متلازمة تعرف بـ"متلازمة المرأة المعنفة". وبحسب خبراء، ليست هذه مجرد حالة نفسية عابرة، بل هي واقع مرير تجد فيه النساء أنفسهن مجبرات على تقبل الإساءة وتبريرها، حتى يترسخ في أذهانهن اعتقاد بأنهن يستحققن العنف الذي يوجه لهن.اضافة اعلان
تبقي هذه المتلازمة نساء داخل دائرة التعنيف لسنوات طويلة، وقد تورث هذه المعاناة إلى بناتهن وأبنائهن، فتتحول إلى نهج حياة يبرر من دون إدراك لحجم الألم والمعاناة. وفي كثير من الأحيان، تظل هذه الحقيقة طي الكتمان، لا تفصح عنها المرأة.
الخبير الأسري وعالم الاجتماع مفيد سرحان، يشير إلى أن العلاقات المسيئة غالبا ما تتبع نمطا متكررا يبدأ بأساليب رومانسية تمنح الضحية شعورا بالأمان، ما يدفعها للاندفاع في العلاقة دون تردد.
ولكن مع مرور الوقت، يبدأ المعتدي تدريجيا بإظهار سلوك عدائي، كصفعة خفيفة أو تهديد مبطن. ولأن رد الفعل من الضحية قد يكون متسامحا أو غير حازم، فإن هذا السلوك يتصاعد ليصبح عنفا جسديا أو نفسيا شديدا.
يشير سرحان إلى أن المعتدين غالبا ما يلجأون في المراحل الأولى، إلى التظاهر بالندم والاعتذار، الذي يثير عاطفة الضحية، لكنها ليست سوى دورة متكررة. سرعان ما يعود العنف بدرجة أشد، حتى يصبح المشهد وكأنه مألوف، وتعتاد الضحية التعنيف وكأنه جزء من حياتها.
توضح التربوية والمرشدة النفسية رائدة الكيلاني، أن المرأة المعنفة تصل إلى مرحلة "الصمت والتقبل" تدريجيا، وغالبا ما تمر بمراحل نفسية متعددة. تبدأ هذه المراحل بالنكران، حيث ترفض المرأة تصديق أنها تتعرض للإساءة. ثم تنتقل إلى مرحلة "الشعور بالذنب"، إذ تعتقد أن إساءة شريكها ناتجة عن أخطائها الشخصية.
أما من تلازمها متلازمة المرأة المعنفة، فهي من تتجاوز مرحلة الإدراك، حيث تفهم أن ما تتعرض له ليس بسببها، لكنها تظل عاجزة عن المغادرة لأسباب عدة، مثل وجود الأطفال، أو التمسك بأمل تغيير الشريك وعودته إلى سلوكه السابق. وأخيرا، تأتي مرحلة "تحمل المسؤولية"، وفيها تدرك بعض النساء أن المشكلة تكمن في المعتدي نفسه. في هذه المرحلة، قد تفكر المرأة في الهروب من العلاقة، بينما قد تختار أخريات الاستمرار بصمت وقبول الواقع.
تروي الثلاثينية سمر تجربتها مع زوجها، قائلة: "تعرفت على زوجي خلال دراستنا الجامعية، حيث كنا ندرس التخصص نفسه، وكان يكبرني بعامين. وعندما تخرجت، تقدم لخطبتي. كانت قصة حبنا قوية، لكنها انتهت بكوابيس لا تنتهي".
تتابع سمر أنه بعد أسبوعين من زواجها، حصل شجار كبير بسبب صينية طعام نسيتها في الفرن واحترقت. كان صراخه مهينا، وصفها بعديمة المسؤولية، مع أنه يعلم أنها لم تطبخ قبل الزواج. بعد ثلاثة أشهر، كانت أول مرة يضربها على كتفها لأنها أخبرته أنها متعبة ولا تريد حضور مناسبة عائلية.
تضيف: "كنت أعيش في صدمة، أتساءل كيف تحول إلى هذا الشخص؟ هل هذه حقيقته أم أنني فعلا مخطئة وصعبة المعشر كما يصفني؟".
توضح سمر أنها اعتقدت أن الضرب والإهانة جزء من النصيحة المتكررة بأن ما يحدث بين الزوجين يجب أن يبقى بينهما. كانت تظن أنه سيتغير، خاصة عندما يعود معتذرا حاملا الورد والهدايا، مبررا سلوكه بالضغوط والمسؤوليات الجديدة، وألا يعاود ما فعله.
لكن مع كل مشكلة، كان يعود أكثر عنفا وتزداد سيطرته وغضبه. فالكدمات على جسدها كانت تختفي، لكن آثارها النفسية ظلت عميقة.
تقول سمر: "أخفيت معاناتي عن أهلي وأصدقائي خوفا من اللوم بأن هذا كان خياري، وكنت مقتنعة بأن الأمور ستتحسن. لكن الخوف المستمر من ردود أفعاله كان يدفعني للصمت".
انتهت معاناة سمر حين زارها شقيقها فجأة ووجد كدمات على وجهها. بعد إلحاحه، اعترفت بكل شيء، لتنتهي حياتها الزوجية وتحصل على الطلاق.
التربوية والمرشدة النفسية الكيلاني، توضح أنه أحيانا هناك أسباب نفسية واجتماعية تجعل النساء يبقين داخل علاقات مسيئة، من بينها الاعتماد المالي على الشريك، أو الخوف على الأطفال، أو حتى الاعتقاد بأن المعتدي قد يتغير.
وتقول "النساء اللواتي يعانين من الاكتئاب الحاد أو انعدام الثقة بالنفس يعتقدن أنهن السبب في الإساءة، كما أن التهديدات المباشرة من المعتدي قد تجعل الضحية تعتقد أن المغادرة قد تعرض حياتها للخطر".
وتؤكد أن دعم العائلة والمجتمع ضروري، فالمرأة المعنفة تحتاج لشبكة أمان تساعدها على اتخاذ قرار الابتعاد، من دون أن تشعر بالخجل أو الإحراج من حالتها.
وتبين أن هنالك أهالي ينصحون بالحفاظ على سرية وخصوصية العلاقة الزوجية وما يحدث فيها، لكن بحالات معينة، ومنها الإهانة والضرب، ينبغي التدخل.
وتؤكد أن متلازمة المرأة المعنفة تترك آثارا قصيرة وطويلة الأمد، فعلى المدى القصير، تعاني النساء من الاكتئاب، القلق، وفقدان الثقة بالنفس، فيما قد تستمر الآثار طويلة الأمد لأعوام طويلة، مثل اضطراب ما بعد الصدمة والمشاكل الصحية الناتجة عن التوتر المستمر، وأحيانا الأمراض الجسدية المزمنة كالتهاب المفاصل وآلام الظهر.
ويؤكد الخبير الأسري والاجتماعي سرحان ضرورة مساعدة المرأة المعنفة بتوفير مكان آمن لها، ويجب أن تقدم للنساء مصادر دعم قانونية ونفسية واضحة. وينصح بأهمية عدم إجبار الضحية على اتخاذ خطوات قبل أن تكون مستعدة، لأن ذلك قد يجعلها تشعر أنها تحت سيطرة جديدة.
وأخيرا، ينوه خبراء إلى ضرورة أن تبنى الثقة في النفس منذ الطفولة وأن يتم تعريف الخطوط الحمراء في حياة المتزوجين واحترامها، وحتى مع العلاقات بشكل عام، هناك ما هو مقبول وهناك ما هو مرفوض، وينبغي وضع حد حازم منذ البداية وعدم قبول الإساءة بأي شكل من الأشكال.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق