حنان الخلفان
عطلة الربيع ليست مجرد استراحة ينتظرها المراهقون بفارغ الصبر بعد موسم دراسي طويل، بل هي مساحة مليئة بالإمكانيات. بالنسبة للمراهقين، تُعدّ العطلة متنفساً للتخلص من الالتزامات الدراسية والانطلاق في أنشطة قد تكون محببة أو غير منظمة. أما بالنسبة للأسر، فهي تحدٍّ حقيقي، حيث يواجه الآباء مسؤولية توجيه أبنائهم واستثمار وقتهم بطريقة تدمج بين الترفيه والفائدة. وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن استغلال عطلة الربيع لتصبح وقتاً لبناء المستقبل، لا مجرد فترة عابرة؟
في مملكة البحرين، تمتلك المراكز الشبابية إمكانيات هائلة لتكون منصة مثالية لاستثمار أوقات المراهقين والمراهقات بشكل فعّال. من خلال تقديم برامج مبتكرة تجمع بين التعليم والترفيه، يمكن لهذه المراكز أن تتحول إلى بيئة جذابة تواكب اهتماماتهم المتنوعة. على سبيل المثال، يمكن تنظيم ورش عمل تُعنى بفنون التجميل والمكياج التي تلقى اهتماماً كبيراً لدى المراهقات، إلى جانب دورات في تصميم الأزياء أو تصوير المحتوى الإبداعي الذي يناسب اهتمامات العصر الرقمي. أما بالنسبة للمراهقين، فقد تكون الدورات التقنية مثل البرمجة وتصميم الألعاب الرقمية أو تعلّم الرياضات الحديثة مثل لعبة الباركور فرصة مثالية لتطوير مهاراتهم، من خلال نشاط رياضي يجمع بين اللياقة البدنية والإبداع الحركي فستوفر لهم فرصة للتعبير عن الذات وتعتبر مغامرة مليئة بالتحديات، كما أنها تُمارس غالباً مع الأصدقاء أو ضمن مجموعات، مما يعزّز روح الفريق والانتماء.
وإلى جانب ذلك، يمكن تقديم أنشطة تعزّز الهوية الوطنية لكلا الجنسين، مثل تعليم الحرف اليدوية التقليدية بأساليب حديثة أو تنظيم زيارات تفاعلية للمعالم الثقافية والتراثية في البحرين. هذه الأنشطة لا تُثري معارف المراهقين والمراهقات فحسب، بل تُنمّي لديهم شعوراً عميقاً بالمسؤولية والانتماء لوطنهم، مما يجعل وقتهم أكثر قيمة وأثراً.
لكن، إذا تُركت عطلة الربيع دون تخطيط، فإن أوقات الفراغ غير المستغلة قد تتحول إلى مشكلة حقيقية، فإن المراهقون في هذه المرحلة يبحثون عن الاستقلالية، وإذا غاب التوجيه، قد ينجرّون وراء أنشطة غير مفيدة أو حتى ضارة. هنا يظهر دور المؤسسات المجتمعية في تبنّي مبادرات شاملة تلبّي احتياجاتهم واهتماماتهم. يمكن أن تشمل هذه المبادرات دورات فنية مثل الرسم والتصوير وتصميم الفيديوهات، إلى جانب برامج تقنية متقدّمة في البرمجة وصناعة المحتوى الرقمي، مما يفتح أمامهم آفاقاً جديدة تجمع بين الإبداع والتطوير الذاتي.
الأنشطة الرياضية أيضاً يمكن أن تكون جزءاً من الحل، حيث تُسهم في توجيه طاقة المراهقين نحو ما هو إيجابي. برامج مثل تعليم الدفاع عن النفس، أو الأنشطة التي تركز على تعزيز الصحة الجسدية والنفسية، تمنح المراهقين فرصة لبناء وعي جديد حول أهمية العناية بالجسد والعقل. كما أن إشراكهم في أنشطة تطوعية، مثل حملات تنظيف السواحل أو زراعة الأشجار، يعزّز لديهم قيم المسؤولية المجتمعية والانتماء.
عطلة الربيع ليست فرصة للمراهقين فقط، بل هي مساحة يمكن أن يستفيد منها الآباء أيضاً. هذه الفترة تُعدّ فرصة للأسر لاستعادة التوازن في حياتها. يمكن للآباء استغلال العطلة للراحة وتجديد طاقتهم عبر أنشطة مثل القراءة، السفر، أو المشاركة في فعاليات عائلية. مشاركة الأسرة في أنشطة جماعية، مثل الطبخ أو حتى التمارين الرياضية المنزلية، يعزّز من الروابط العائلية ويخلق ذكريات تبقى في الأذهان.
التخطيط السليم هو أساس النجاح في استثمار عطلة الربيع. وضع جدول يومي يتضمّن أنشطة تجمع بين التعلّم والترفيه يضمن تحقيق التوازن المطلوب. هذا الجدول يمكن أن يشمل فترات للأنشطة التعليمية والإبداعية، إلى جانب وقت للراحة والترفيه. إشراك المراهقين في وضع هذا الجدول يمنحهم شعوراً بالمسؤولية ويجعلهم أكثر التزاماً بما يحتويه.
وبصراحة، عطلة الربيع ليست مجرد فترة مؤقتة، بل هي فرصة ذهبية لتحويل أوقات الفراغ إلى تجربة بناّءة ومثمرة. بالنسبة للمراهقين، يُمكن أن تكون هذه الفترة مرحلة لصقل المهارات واكتشاف الذات، وبالنسبة للأسر، هي وقت لإعادة بناء الروابط وتعزيز القيم. إذا أُحسن استغلالها، فإنها لن تكون مجرد أيام تمضي، بل لحظات تُحدث فرقاً، وتساهم في بناء جيل أكثر وعياً ومجتمع أكثر استقراراً.
0 تعليق