أثار نظام البكالوريا الجديد الكثير من الجدل والاهتمام بين الخبراء التربويين وأولياء الأمور، ويهدف النظام إلى إعادة هيكلة التعليم الثانوي بما يتناسب مع رؤية الدولة لتطوير التعليم، إلا أن هناك العديد من التساؤلات حول مدى فاعليته في تقليل الدروس الخصوصية وتحقيق العدالة التعليمية لجميع الطلاب.
نظام البكالوريا الجديد
بينما يرى البعض أن النظام قد يحمل فوائد في تحسين جودة التعليم، إلا أن هناك تحذيرات من تأثيراته المحتملة على الأسر المصرية، خصوصًا في ما يتعلق بالأعباء المالية والنفسية التي قد يواجهها الطلاب وأسرهم.
خبراء تربوي لـ "كشكول".. نظام البكالوريا الجديد لن يقلل الدروس الخصوصية ويزيد العبء على الأسر
قال الدكتور محمد عبد العزيز، أستاذ العلوم والتربية بجامعة عين شمس، إن التوجه نحو نظام البكالوريا الجديد في التعليم الثانوي قد يعكس تسرعًا في التنفيذ دون وجود تحليل كافٍ، مؤكدًا أن وزارة التربية والتعليم غالبًا ما تركز على مرحلة الثانوية العامة فقط، في حين أن الطالب ككل يجب أن يكون محور العملية التعليمية، وهذا النظام الجديد، الذي أطلق عليه "البكالوريا"، يفتقر إلى إطار واضح ومنظم يضمن استمرارية وتطوير المناهج الدراسية في كافة مراحل التعليم، ولا يتوافق مع المعايير العالمية التي تتبعها نظم التعليم الدولية.
وتسائل الدكتور عبد العزيز، في تصريحاته لـ“كشكول”، عن مدى قدرة النظام الجديد على الحد من ظاهرة الدروس الخصوصية، التي تشكل عبئًا كبيرًا على الأسر المصرية، معتبرًا أن التنافسية بين الطلاب ستزداد بسبب نظام التقييم على مدار عامين، مما يعني أن المنافسة ستكون أشد، وبالتالي فإن العائلة ستضطر لدفع المزيد للحصول على دروس خصوصية لمساعدة الطلاب على التفوق في الامتحانات.
وأوضح الدكتور عبد العزيز، أن النظام المقترح لا يتضمن معايير واضحة ولا يتسم بالإطار النوعي الذي يحدد معايير المنظومة التعليمية، مشيرًا إلى أن مجرد استخدام مصطلح "بكالوريا" لا يعني بالضرورة تحسين التعليم، بل هو في الأساس مصطلح دعائي لجذب الانتباه، وأضاف أنه لا يمكن تطبيق نظام تعليمي جديد دون أن يكون له إطار عام ونوعي واضح يتناسب مع احتياجات الطالب وأهداف التعليم في مصر.
وفيما يتعلق بالمرحلة التمهيدية في الصف الأول الثانوي، انتقد الدكتور عبد العزيز إدراج مقرر "العلوم المتكاملة"، الذي لم يلتزم بالمعايير العالمية المعترف بها لهذه العلوم، مما أدى إلى فقدان الطالب للأساسيات في مواد مثل الفيزياء والكيمياء والأحياء، واقترح استبدال هذا المقرر بمواد علوم مدمجة وفق معايير عالمية، لتعزيز قدرة الطلاب على اختيار المسار الدراسي الذي يتناسب مع اهتماماتهم وقدراتهم.
أما بالنسبة للمرحلة الثانية (الصف الثاني الثانوي)، فقد أشار إلى مشكلة كبيرة في المواد التي يتم تدريسها في المسارات المختلفة، مثل مسار الطب وعلوم الحياة، حيث يفتقر النظام إلى التوازن بين المواد الدراسية الأساسية التي يجب على الطلاب تعلمها، كما تساءل عن كيفية تأثير هذا النظام على الطلاب في السنوات القادمة، خاصة في ظل غياب التأسيس العلمي الكافي في المراحل الأولى.
أشار الدكتور عبد العزيز إلى نقطة حساسة تتعلق بتضمين التربية الدينية في التقييم النهائي للطلاب، معتبرًا أن هذا القرار قد يثير جدلًا في المجتمع بسبب الاختلافات الدينية، خاصة في ظل تقييم مادة التربية الدينية بدرجة عالية (100 درجة)، وطرح تساؤلات حول كيفية التعامل مع هذه المادة في سياق التنوع الديني في مصر.
في الختام، أكد الدكتور عبد العزيز، أن تطبيق هذا النظام يحتاج إلى مزيد من الدراسة والتحليل المتعمق. كما دعا إلى إشراك جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الجامعات والكليات، في وضع تصورات واضحة لنظام التعليم الذي يتماشى مع احتياجات المستقبل، ويأخذ في الاعتبار ضمان الجودة التعليمية على جميع المستويات.
البكالوريا: مجرد تسمية أم تغيير حقيقي؟
بينما علقت بثينة رمضان، خبيرة تربوية، في تصريحاتها لموقع “كشكول”، أن استخدام مصطلح "البكالوريا" لا يعني بالضرورة إحداث تغيير حقيقي في نظام التعليم، فقد أُطلق هذا المصطلح على بعض الشهادات الدولية مثل "البكالوريا الدولية" و"البكالوريا الفرنسية"، كما كان يُستخدم في مصر قبل الثورة للإشارة إلى الطلاب الذين ينهون الثانوية العامة ويدخلون الجامعة، ورغم أن الاسم قد يوحي بالتطوير، إلا أن رمضان شددت على أن الاسم وحده لا يعكس جودة التعليم، بل الجودة تعتمد على معايير معينة يتم تحديدها وفقًا للمعايير الدولية لاعتماد الشهادات. وأضافت أنه بغض النظر عن الاسم، فإن التعليم المصري لم يصل بعد إلى المعايير التي تضمن اعتماده عالميًا.
أما بخصوص التأثير المتوقع للنظام الجديد على الدروس الخصوصية، أوضحت بثينة رمضان، أن النظام المقترح لن يؤدي إلى تقليصها كما يُروج له، بالعكس، فإن فكرة "التحسين" التي تتيح للطلاب إعادة الامتحانات لتحسين درجاتهم ستكون سببًا في زيادة الطلب على الدروس الخصوصية، فقد أشار إلى أن هذا النظام كان موجودًا بالفعل في التسعينيات، وكان يتسبب في مزيد من الأعباء المالية على الأسر، وبحسب رمضان، حتى الطلاب الذين يحصلون على درجات مرتفعة كانوا يسعون لتحسين نتائجهم، مما يعكس مشكلة ثقافة التحسين التي تُلزم الطلاب وأسرهم بإنفاق المزيد على الدروس الخصوصية.
وفيما يتعلق بالجانب الأكاديمي، انتقدت رمضان، النظام الجديد باعتباره يفرغ المرحلة الثانوية من محتواها المعرفي، فبموجب النظام، سيكون لدى الطلاب في الصف الثالث الثانوي مادة واحدة فقط بالإضافة إلى التربية الدينية، وهو ما لا يكفي لتأهيل الطلاب بشكل كافٍ لدخول الجامعة وفي هذا السياق، أشارت إلى أن النظم التعليمية الدولية، مثل النظام الأمريكي أو البكالوريا، تعتمد على مواد ثقيلة ومقررات شاملة، إلى جانب مرونة أكبر في مواعيد الامتحانات، وهو ما لا يتوفر في النظام المصري.
وتطرقت رمضان، أيضًا إلى الآثار الاجتماعية والاقتصادية للنظام الجديد، مشيرة إلى أن التحسين سيزيد العبء على الأسر، خاصةً على الطبقات المتوسطة والفقيرة، فقد أوضحت أن الطلاب القادرين ماليًا سيكون لديهم القدرة على دفع تكاليف إعادة الامتحانات والدروس الخصوصية، بينما سيظل الطلاب من الطبقات الأقل قدرة يعانون من نقص الفرص لتحسين درجاتهم، مما يفاقم التفاوت الاجتماعي والنفسي بين الطلاب، وأضافت أنه في ظل هذا الوضع، سيظل الطلاب من الطبقات الفقيرة محرومين من الفرص التي يتيحها النظام الجديد.
في ختام حديثها، أكدت رمضان أن هذا النظام لا يمثل تطورًا حقيقيًا في التعليم، بل إنه يزيد من تعقيدات النظام التربوي ويعزز من الأعباء الاقتصادية والنفسية على الأسر المصرية. وأكدت على ضرورة مراعاة الثقافة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع عند اتخاذ أي قرارات تتعلق بالتعليم، معتبرة أن تطبيق النظام الجديد في ظل الظروف الحالية قد يكون غير مناسب.
يذكر أن تصدر نظام البكالوريا المصرية اهتمام عدد كبير من الطلاب وأولياء الأمور بعد إعلان محمد عبداللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، تفاصيل نظام البكالوريا المصرية الجديد بديل الثانوية العامة، وموعد تطبيقه، والذي يعود بالثانوية إلى نظام «العامين وتحسين المجموع».
نظام البكالوريا المصرية
ويعتمد نظام البكالوريا المصرية على تنمية المهارات الفكرية والنقدية بديلًا عن الحفظ والتلقين، والتعلم متعدد التخصصات بدمج المواد العلمية والأدبية والفنية، والتقييم المستمر وتقسيم المواد على عامين على الأقل، بالإضافة إلى الاعتراف الدولي والفرص المتعددة من خلال جلستي امتحان سنويًا.
0 تعليق