ملفات أردنية عابرة للحكومات.. لماذا لا يخرج المواطن من عنق الزجاجة؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان - تتكرر الملفات الأردنية الداخلية منذ سنوات طويلة، حتى أصبحت موسمية تعيد نفسها وحضورها في توقيت محدد لها، وحسب الظروف الموضوعة بها.
معاودة ذات الأزمات صعودا وهبوطا، تطل على الطاولة الأردنية كـ"دوامة لا نهائية"، يتفاعل معها الشارع بحماسة أحيانا ورتابة في أغلبها، يعبر بعضها بنهاية مفتوحة دون نقطة النهاية بل نقطتين لتتمة القصة لاحقا.اضافة اعلان
مؤخرا، خرج الأردنيون من النقاش الذي دار عن قصص الفساد التي ظهرت في تقرير ديوان المحاسبة، حتى علت أصوات متضررين من أزمة التوقيت الشتوي، وجدواه ومدى فعاليته مع خروج طلبة وعمال من بيوتهم قبل الفجر وعودتهم بعد العشاء، ليعيد بعض النواب المطالبة بتعديله وتثبيته، وهي أزمة عبرت على آخر خمس حكومات وربما قبل.
قضية التوقيت لا تختلف كثيرا عن أزمة "رديات الضريبة"، التي لم ترد بعد لبعض المشتركين منذ أكثر من عام، وعادت للواجهة من جديد أمام الحكومة وتحديدا عند زيارتها محافظة الزرقاء، وهي ذاتها كانت موضوعة على طاولة الحكومات السابقة.
ومنذ بداية الأسبوع، بدأ الأردنيون بمواجهة ارتفاع أسعار الدجاج في الأسواق، حتى طالب "غير النباتيين" بمقاطعتها لمواجهة أسعارها، كذلك الأمر المتعلق بارتفاع فواتير الكهرباء التي باتت تعرف بأنها "فاتورة العام"، وليس انتهاء برفع أسعار الدخان.
اقتصاديا، لا يختلف الأمر بل تفاقمت معاناة الظروف المعيشية للمواطنين، نتيجة تآكل الدخول التي لم ترتفع منذ 12 عاما، وركود الأسواق نتيجة تردي الأوضاع المعيشية، فضلا عن معضلة ارتفاع معدلات البطالة منذ عقد ونيف، والتي ما زالت معدلاتها منذ سنوات تزيد على 20 %، علاوة على اتساع رقعة الفقر الآخذة بالتمدد منذ سنوات، وسط صمت حكومي منذ العام 2018، عن كشف معدلاته، فيما أقر مجلس النواب الـ20 الموازنة العامة للبلاد التي تتكرر بصورة "العجز" والقفزات الحادة المتتالية في مستويات الدين العام منذ سنوات عجاف. 
وحيال تراجع القدرة الاقتصادية، يرى الخبير الاقتصادي، سليم أبو الشعر، أن تعمق الفجوة بين معدلات دخل المواطنين واحتياجاتهم المعيشية في ظل تآكل الرواتب منذ سنوات وارتفاع الأسعار المتتالي، أثر سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين وأدى إلى انخفاض مستويات الاستهلاك الداخلي محليا.
ويؤكد أبو الشعر لـ"الغد" أن حالة الركود الاقتصادي لدى المواطنين وفي الأسواق المحلية ستستمر ما لم تتم إعادة النظر بالهيكل الضريبي الذي يعتمد على ضريبة المبيعات التي تعد مرتفعة جدا مقارنة مع دخل المواطنين.
ويشير إلى أن معدلات التضخم المعلنة محليا أقل من مستوياتها الحقيقية، إذ إنه رغم استقرارها إلا أن الأسعار تستمر بالارتفاع على المواطنين الذين يعانون بصورة واضحة من ارتفاع التكاليف المعيشية، داعيا في هذا الصدد الحكومة إلى إعادة النظر بمعادلة آلية احتساب التضخم، وتوسيع السلة السلعية والخدمية التي يتم على أساسها قياس مستوى التضخم.
ويرى أن هنالك ترددا من الحكومات المتعاقبة في استخدام أساليب اقتصادية جديدة وانتهاج سياسات غير تقليدية مختلفة عن السياسات المتبعة لدينا منذ فترة طويلة، رغم عدم نجاح تلك السياسات التي تصر عليها في إخراج الاقتصاد الوطني من كبوته.
ومن بين الملفات العابرة؛ أزمة المياه العالقة مذ "عطش طويل" والتي يتكرر التصريح عنها بالشكل نفسه "فالصيف القادم صعب وواقع المياه سيئ"، رغم الجديّة الرسمية في مشروع ناقل المياه الوطني، أو حتى ملف مستشفيات وزارة الصحة التي استدعت توقف أحد النواب أثناء مناقشة الموازنة ليطلب من رئيس الحكومة سريرا للمريض، وهو ما يتكرر بشكل شبه يومي، إذ يحتاج الأردني لواسطة لحصوله على العلاج رغم أنه متوفر وليس بحاجة لذلك.
لكن ليست الأزمات ما تتكرر فقط في الأردن، حتى رؤية الحكومات للأزمات وطريقة التعامل معها تتشابه ولا تختلف كثيرا، فقد نرى التبريرات الحكومية تستخدم بعبارات ثابتة مع تغير المصطلحات فمثلا: "عنق الزجاجة" و"كل مرّ سيمر" و"أجمل أيامنا لم تأتِ بعد"، أو ربما تحقق إنجازات هلامية كـأطول جلسة برلمانية لإقرار موازنة بنفس العجز أو أصغر تقرير لديوان الحاسبة منذ سنوات، وغيرها التي ربما تحضر في أي وكل وقت، حتى أصبحت لغة التبريرات المشابهة نكتة سياسية "ساخرة" تسود الشارع الأردني.
يرى مدير معهد ستراتيجيكس للدراسات والأبحاث، حازم سالم الضمور، أن غياب "الإستراتيجية الكبرى" التي تسمح بالسير لتحقيق الأهداف المطلوبة، لدى الحكومات عموما، سببت بتراكم الملفات على مدار سنوات.
ويقول الضمور لـ"الغد"، إن عوامل التراكمات وتكرار الأزمات مرتبطة بعاملين أحدهما تأثر الأردن من الخارج، ما يعني الانعكاس داخليا، وهو ما حدث منذ حرب العراق الأولى وصولا إلى غزوه، ثم التحديات التي شهدتها المنطقة لغاية كتابة هذه السطور، والعامل الثاني مرتبط بالرؤية الخاصة للحكومة التي تأتي لاحقا.
ويشير إلى أن المشاريع الكبرى التي يشرف عليها جلالة الملك عبد الله الثاني تكون نتائجها سريعة وحاسمة، على عكس الملفات التي تتحمل مسؤوليتها الحكومات.
ولفت إلى وجود ممانعة في بعض الأحيان تشكل عائقا في تنفيذ الخدمات التي ترتبط بالحياة اليومية للمواطن؛ وهناك أمثلة كثيرة، فقنوات النقاش دائما مغلقة؛ وعند حدوث تغيير حكومي مثلا أو تعيين شخص بمنصب جديد، فمن الندرة أن يرافق هذا التغيير نقاش بين الإدارة القدمية والجديدة والاستمرار في التطوير والبناء على ما سبق، وهو ما يفتقده الأردنيون عموما.
وما سبق جزء بسيط من الملفات الإدارية والاقتصادية التي تعيد حضورها باستمرار، فإذ أردنا نبش الملف السياسي التي تجري عليه عملية التحديث الثالثة فقد نجد "ألغاما مفخخة" تحته، ليس أبسطها توقف العمل الحزبي داخل الجامعات الرسمية، وذلك بعد مرور عام على صدور نظام تنظيم الأنشطة الحزبية في مؤسسات التعليم العالي، إذ لم تجر انتخابات لاتحادات الطلبة إلا في خمس جامعات رسمية من أصل عشر، وأقل من ذلك في الخاصة، وهو ملف عابر للحكومات التي لم تتعامل معه بجدية أكبر.
وكذلك يتكرر الأمر في قانون الجرائم الإلكترونية الذي كان وما زال يصطدم بالكثير من المطالبات بتعديله، وهو ذات الملف الذي حضر بقوة لدى عدة حكومات، لكن لم يتم التعديل عليه كما يجب، ولا يختلف كثيرا عن ملف الأحزاب التي بدأت تغيب عن الساحة الأردنية مع انتهاء الانتخابات النيابية، وكأن عملها محصور بالحصول على مقاعد العبدلي.
واليوم، قبيل مناقشة وتعديل قانون الانتخابات للبلديات والمجالس اللامركزية، تحاول قوى سياسية، العودة بنا لمرحلة ما قبل التحديث من خلال تعديلات "هامشية" وليست جوهرية مرتبطة بمسائل مثل الشهادات الجامعية لرؤساء البلديات والأعضاء، وألا تكون الانتخابات على أساس حزبي، وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
ويتفق العين الأسبق، خالد رمضان، حول ضرورة مراجعة القوانين المختلفة بما فيها الجرائم الإلكترونية وقانون الانتخاب والمجالس المحلية ونظام العمل الحزبي في الجامعات، بما يتوافق مع توصيات اللجنة الملكية، حتى لا تكون هناك ردة أو ارتداد للخلف، وهو ما يحتم على السلطات المختلفة، بما فيها الأحزاب والنقابات الاستمرار بمسارات التحديث الثلاثة في ظل إقليم مشتعل، وهو متطلب أساسي لمواجهة تلك الملفات العابرة.
ويضيف رمضان لـ"الغد" إن ثمة من يريد أن يعيد المجتمع للخلف وكأنه يملك وصفة لحل الأزمات كافة، وهو ما أثبت فشله على مدار السنوات الماضية.
والمطلوب وفقا لحديث العين السابق، إعلاء مفهوم الدولة ومغادرة مفاهيم الولاءات الضيقة وتحقيق المواطنة الحقيقية، حتى نستطيع التقدم مع اشتعال الحرائق حول المملكة.
والسؤال المطروح الآن: ما الذي يجب فعله إذن؟ في ظل ما سبق الحديث عنه حول المشهد الأردني المتكرر، وهنا يجيب الضمور، بأنه يجب التعامل بطريقة مختلفة تحمل خططا لا تشبه سابقاتها، إضافة إلى ضرورة التكييف مع التغيرات الخارجية، والتي ستنعكس على الملفات ذات العلاقة بالحياة اليومية للمواطن.
ويتابع الضمور أن المطلوب من صانع القرار أن يكون موضوعيا وشموليا عند التفكير في أي قرار، ومزيد من الشفافية مع الشارع لا تزيد تعقيد المشهد كما يعتقد البعض، والتشبيك بين الحكومات للبناء على السابق، ووضع خطة عمل انتقالية لكل ملف يمكن أن تُشعر المواطن بمزيد من التحسن العام، وهذا يجب أن يكون الهدف الأول للحكومة.
داخليا، يظهر المطلوب جليا بـ"ضرورة الاستمرار بمتابعة احتياجاتهم ميدانيا، وخضوع البرنامج التنفيذي للحكومة للتقييم، وتطوير الإدارة العامة" الذي هو الأساس لمسارات التحديث الثلاثة التي أطلقها جلالة الملك عبد الله الثاني، وأكد عليها خلال اجتماعه الأخير مع الحكومة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق