أكد أليستير بيرت، وزير الدولة البريطانى لشئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا السابق، والنائب الحالى لرئيس جامعة لانكستر، وزميل متميز فى المعهد الملكى للخدمات المتحدة، أهمية الدور المصرى التاريخى فى إحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مشددًا على أن المملكة المتحدة تنظر إلى مصر كشريك استراتيجى رئيسى فى المنطقة.
وأشار «بيرت» خلال حواره، مع «الدستور»، إلى أن مصر تؤدى، عبر عقود، دورًا مهمًا فى إحلال السلام عبر الدبلوماسية المؤثرة، بدءًا من اتفاقية كامب ديفيد التى أرسى الرئيس الراحل أنور السادات أسسها، وصولًا إلى المساهمة المصرية المستمرة فى جهود التهدئة والمفاوضات فى غزة.
وتناول «بيرت» الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط وموقف العالم منها، موضحًا أن الغرب يتجاهل حاليًا انتقاد الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطينى، محذرًا من خطورة الوضع الحالى فى سوريا، مؤكدًا ضرورة منع تحولها إلى أفغانستان جديدة على غرار سيطرة حركة طالبان، لأن ذلك سيُمثل كارثة حقيقية للشعب السورى ودول الجوار.
■ كيف ترى الوضع فى غزة الآن مع استمرار الصراع لما يزيد على عام؟
- الصراع فى غزة مأساة إنسانية بكل المقاييس، فالهجوم الذى شنته «حماس» فى ٧ أكتوبر، وما تبعه من رد إسرائيلى فى الثامن من الشهر نفسه، أسفر عن خسائر فادحة بين الأبرياء الذين سقطوا بين قتيل وجريح.
هذا الوضع انعكاس لعقود طويلة من الفشل فى معالجة القضية الفلسطينية، حيث تكررت خسارة فرص السلام التى ظهرت مع اتفاقيات مثل تلك التى أبرمت بين مصر وإسرائيل.
واليوم، تلوح فرصة لإنهاء الحرب فى الأفق، مع استنزاف الموارد فى غزة، وتراجع قوة «حماس» و«حزب الله»، ومع وصول الرئيس الأمريكى المنتخب، دونالد ترامب، الذى قد يضغط على إسرائيل لإنهاء النزاع إذا تم الإفراج عن الرهائن، لكن يجب التمييز بين إنهاء الصراع وبلوغ السلام الحقيقى، حيث يتطلب السلام معالجة الجذور العميقة للأزمة، وليس فقط وقف إطلاق النار.
■ هل حل الدولتين لا يزال ممكنًا؟
- لا أستطيع أن أرى حل الدولة الواحدة يوفر السلامة والأمن والعدالة للإسرائيليين أو الفلسطينيين، ولهذا السبب، على الرغم من كل الموانع، أعتقد أن حل الدولتين لا يزال ممكنًا، لكن هذا سيتطلب قيادة جديدة فى إسرائيل وقيادة جديدة للشعب الفلسطينى.
■ كيف ترى الدور المصرى فى هذا الملف ومحاولات مصر التوسط لإنهاء الحرب الحالية فى غزة؟
- تلعب مصر دورًا محوريًا فى تحقيق الاستقرار والسلام فى المنطقة، وهو دور متجذر فى تاريخها الدبلوماسى وتأثيرها الإقليمى، منذ توقيع الرئيس الراحل محمد أنور السادات اتفاقية السلام مع إسرائيل وزيارته التاريخية للقدس، وأظهرت مصر التزامًا واضحًا بالسعى نحو سلام شامل ومستدام، ما جعلها نموذجًا للجرأة السياسية.
فى الوقت الحالى، تمتلك مصر مصلحة مباشرة فى إنهاء الصراع فى غزة، حيث تسعى لمنع أى محاولات إسرائيلية لطرد الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، ما سيخلق أزمة إنسانية وأمنية خطيرة.
كما أن التصعيد الإقليمى، بما فى ذلك هجمات الحوثيين على حركة الشحن فى البحر الأحمر، يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد المصرى وحركة الملاحة فى قناة السويس، وهى شريان حيوى للتجارة العالمية، ولهذا، تبقى مصر شريكًا لا غنى عنه فى أى مفاوضات لتحقيق هدنة أو سلام دائم.
■ قلت إن الوقت مناسب الآن لحل شامل للصراع العربى المستمر منذ قرن من الزمان.. كيف ذلك؟
- قلت لسنوات عديدة، خاصة عندما كنت وزيرًا، إننى لا أعتقد أن القضايا بين إسرائيل وفلسطين يمكن إدارتها كما تعتقد إسرائيل، أو حلها من خلال الهجمات «الإرهابية» على إسرائيل من أى مصدر.
من مصلحة المنطقة السعى إلى حل شامل، لدى مصر والأردن معاهدات سلام مع إسرائيل، ووسعت اتفاقيات «إبراهام» علاقات إسرائيل بالبحرين والإمارات العربية المتحدة والمغرب والسودان، ولكن دون حل القضية الفلسطينية.
ومن المعروف أن المملكة العربية السعودية وإسرائيل تسعيان إلى علاقة جديدة، لكن السابع والثامن من أكتوبر خلقا وضعًا جديدًا، حيث يجب أن يشمل ثمن أى تطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل دولة فلسطينية. إن هذا الفهم يجب أن يبنى عليه، وإن إعلان وزير الخارجية الأردنى الصفدى فى الأمم المتحدة تشكيل تحالف من أجل حل الدولتين يجب أن يشكل الأساس لاتفاق شامل فى المنطقة.
وتشهد المنطقة طلبًا متزايدًا على الاقتصادات القوية، كما هو الحال فى دول الخليج وإسرائيل، فى ظل النمو السكانى المطرد والتحديات الاقتصادية التى يواجهها العديد من دول المنطقة.
ومن هذا المنطلق، يرى الكثيرون أن التوصل إلى اتفاق شامل يخدم مصالح جميع الأطراف، إلا أن التطورات التى شهدتها المنطقة منذ أكتوبر ٢٠٢٣، خاصة ما يتعلق بدور إيران، تُلقى بظلال من الشك وعدم اليقين على إمكانية تحقيق هذا الاتفاق فى المدى القريب.
■ هل من الممكن أن نشهد حضورًا بريطانيًا أكبر فى العمل على إرساء السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟
- آمل ذلك، لقد دعت المملكة المتحدة باستمرار إلى وقف إطلاق النار وإعادة الرهائن، وإنهاء الصراع والحل التفاوضى، وهو الشىء الوحيد الذى سيجلب السلام الحقيقى. ولا يزال لدى المملكة المتحدة الكثير لتقدمه فى المنطقة، وبصفتها منسقة للآخرين، ولكن هذه المرة يجب أن تكون جهود السلام بقيادة إقليمية.
■ كيف ترى سياسة الاستيطان التى ينتهجها الاحتلال وانتهاكه متطلبات القانون الدولى فى حربه ضد غزة؟
- سياسة الاستيطان الإسرائيلية تتعارض مع القانون الدولى، وتشكل عائقًا أمام السلام فى نهاية المطاف، إن النشاط الاستيطانى فى الضفة الغربية غير قانونى، والعنف المتزايد لا يؤدى إلا إلى تغذية الذين لا يريدون حلًا عادلًا، لقد تم انتهاك القانون الدولى من جميع الأطراف فى الحرب على غزة، ويستحق التحقيق والتدقيق كما هو الحال فى أى صراع.
■ ألا توجد معايير مزدوجة فى تعامل الغرب مع القضية الفلسطينية؟
- أرى معايير مزدوجة فى كل مكان، وليس أقلها فيما يتعلق بالسودان حيث مات آلاف المسلمين دون أى غضب أو إدانة جدية من الدول الإقليمية. وكانت فظائع بشار الأسد فى سوريا معروفة جيدًا.
إن غزة الآن فى حالة من التدهور الإقليمى، ولا نرى أى شابة مسلمة فى المملكة المتحدة تحتج فى الشوارع على الأفعال اللا إنسانية التى ترتكبها حركة طالبان ضد النساء فى أفغانستان، كما تحتج على إسرائيل.
وأتمنى لو كان الغرب أكثر صراحة فى انتقاده خسائر المدنيين فى غزة، كما فعل بشأن أوكرانيا، ولكن الغرب ليس الوحيد الذى يتبنى معايير مزدوجة فى الشئون الخارجية.
■ كيف ترى مستقبل غزة فى اليوم التالى؟ ومن سيحكمها؟
- لا ينبغى فصل المستقبل القريب لغزة عن الأمد البعيد، الأفق السياسى لدولة فلسطينية مستقلة من شأنه أن يسمح بإنشاء سلطة مؤقتة لإدارة غزة وضمان أمنها وأمن إسرائيل، وكلاهما أمر حيوى، والتخطيط للمستقبل. وإذا لم يكن هذا الأفق البعيد موجودًا، فمن الصعب أن نتصور كيف يمكن قبول قوة إسرائيلية على أنها أى شىء آخر غير محتل، وبالتالى ستبدأ دورة الرفض والعنف مرة أخرى. ومن المؤكد أنه لن يكون هناك التزام مالى لإصلاح غزة وأحوال سكانها إذا كان المزيد من الحرب أمرًا لا مفر منه. ومرة أخرى، ستكون هناك حاجة إلى زعامة جديدة لتحقيق مستقبل جديد.
■ هناك مخاوف أوروبية بشأن رئاسة دونالد ترامب.. لماذا؟
- أسباب عديدة، التعريفات الجمركية المحتملة، والتهديد لحلف شمال الأطلسى وإنهاء الحرب فى أوكرانيا بتنازلات لروسيا المعتدى فى الصراع، لكن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته قد يجلب السلام وكذلك الخلاف، لا أحد يعرف، لكن إدارته سيكون لها دور تلعبه فى المنطقة، ليس لدىّ شك فى ذلك.
■ كيف تقيّم العلاقات الاستراتيجية بين مصر وبريطانيا الآن؟
- تتمتع المملكة المتحدة ومصر بعلاقات قوية للغاية، وكنت فخورًا بالمشاركة فى تحقيق ذلك على مدار سنوات، وتتمتع المملكة المتحدة باستثمارات اقتصادية قوية، وهى تمول وتدعم الشراكات العلمية والبحثية، وبرنامج منحة «تشيفنينج» لدينا مفيد للغاية لكل منا، وترى المملكة المتحدة مصر شريكا أمنيًا استراتيجيًا رئيسيًا فى المنطقة. هناك دلائل كثيرة على أن هذه العلاقات سوف تنمو، وكل منا لديه سفراء ممتازون فى القاهرة ولندن.
■ أخيرًا.. ما رؤيتك لما يحدث فى سوريا الآن وسط توقعات بأنها ستشكل أفغانستان جديدة بسبب هوية وطبيعة الحكومة الجديدة؟
- ما زلنا فى مرحلة تحديد نوع الحكومة التى ستتولى الحكم فى سوريا، ولكنّ الشركاء الدوليين لا ينبغى لهم أن يجلسوا مكتوفى الأيدى وينتظروا، بل ينبغى لهم أن يدعموا كل فرصة لتعزيز سلطة تعترف بحقوق مختلف عناصر الشعب السورى وتدافع عنها، وحقوق هذا الشعب فى التمتع بالديمقراطية التشاركية الكاملة، وفى أن يكون آمنًا من التدخل الخارجى، إن التحول إلى أفغانستان على غرار طالبان سيكون بمثابة كارثة للشعب السورى وجيرانه.
0 تعليق