حكايات «التسول» طويلة لا تنتهي، وصورها كثيرة لا يمكن تخيلها، وأبطالها فـي العادة يفعلون كل ما يلزم لاستدرار تعاطف الناس، وكسب مالهم، وأحيانا يكون المتسول فردًا، يحكي قصة مرضه، ومعاناته، وأسرته مع العوز والحاجة، والإيجارات، وأحيانًا يحمل المتسول الدليل بين يديه، وهو عبارة عن طفل صغير لا ذنب له، ليقدمه شاهدا على صدق الحالة، وصعوبة الوضع؛ كي يكسب المال دون جهد، وينصب على الآخرين الذين يتعاطفون مع ذلك الطفل البريء الذي لا يعي ما يفعله المتسول غليظ القلب، والذي يحمله من مكان إلى مكان، دون ذرة من ضمير، أو إحساس بحجم الإرهاق الذي يصيب هذا الطفل، والاستغلال البشع الذي يمارسه الكبار ليقتاتوا على ألم الصغار.
هذه الظاهرة التي نشاهدها بشكل مستمر تكاد تكون محصورة على وافدين من دول دمرتها الحروب، وتنازعتها الأزمات الاقتصادية، وأضحت أوضاعها الداخلية غير مستقرة، فانتشروا فـي الأرض، وبدأوا فـي كسب المال بأسهل الطرق، وأقصرها، دون أن يبذلوا مجهودًا، أو يحاولوا أن يبحثوا عن عمل ولو بسيط، بل اكتفوا بمد يدهم للآخرين، واستدرار عواطفهم، واستغلال الجانب الديني، والعاطفـي منهم، لكي يعتاشوا على فتات غيرهم، دون أن تسقط من جبينهم قطرة عرق، ولا يهمهم الآثار الاجتماعية، والاقتصادية التي تصيب الدولة، وتهز صورتها.
يأتي هؤلاء المتسولون إلى البلاد إما عن طريق «تأشيرة زيارة» -كما أخبرني أحدهم- وإما عن طريق «التسلل»، وهم فـي كلتا الحالتين خطر على المجتمع العماني، فهم يمارسون «الاحتيال والنصب» لكسب المال بطريقة غير قانونية، وكثيرًا ما تقوم بعض النساء المتسولات بالانتشار فـي المجمعات السكنية، والتجرؤ على دخول المنازل أثناء غياب ربّ الأسرة، وقد يصل الأمر إلى تشكيل عصابات إجرامية تمارس السرقة، أو الدعارة، وهو أخطر أشكال التحولات التي يمكن أن تأتي نتيجة هذه الظاهرة المريبة.
ويكثر التسول فـي المساجد، والجوامع، وأيام الجمع، ويصل هؤلاء المتسولون بطريقة غريبة إلى مساجد بعيدة فـي القرى، ليؤدوا عملهم الاحتيالي، بينما ينتظر «معاونه» فـي مكان خفـيّ لأخذه بعد إنهاء مهمته، ويتخذ التسول أشكالا مختلفة منها ما يمكن أن نسميه «التسوّل المحترم»، وهو أن يأتي أحدهم -خاصة الأطفال- بعلبة مناديل ورقية، أو ملصق به دعاء، أو غير ذلك، ويعرضها على الآخرين للبيع فـي محطات الوقود، ولا يكتفـي بالعرض، بل يلح على الآخر كي يشتري منه بضاعته، ورغم أن هذه الحالات قد تبدو شكلًا من أشكال البيع، إلا أن طريقة ومكان العرض غير قانونيين، وقد يبدو بعض المتسولين مقنعًا أكثر، حين يطلب ثمن الدواء مثلا، ويطلب من أحدهم أن يشتريه من الصيدلية لمزيد من المصداقية، ثم ـ وبعد أن يبتعد «الضحية» عن المكان ـ يعود المتسول لإرجاع الدواء، واسترجاع المبلغ من الصيدليّ!!، وأحيانا يأتي متسوّل يشكو المرض، ويبكي بسبب المعاناة، ويحمل فـي يديه وصفة طبية، وإثباتات مكتوبة، وكل ذلك قد يكون مجرد أوراق مزيفة، أو هي وصفة لشخص آخر، يستخدمها المحتال ليتكسّب بها، وهناك الكثير من الصور التي يبتكرها المتسولون، ويستخدمونها للتمثيل على الآخرين.
ولا يقتنع المتسوّل -أو لا يريد أن يقتنع- حين تخبره بالتوجه إلى الجمعيات الخيرية لمساعدته؛ لأن ذلك قد يكشف أمره، وحينها لا يبقى إلا الحل الأخير والأمثل وهو الاتصال على أرقام هاتف فريق مكافحة التسول بوزارة التنمية الاجتماعية أو بشرطة عمان السلطانية، لاتخاذ ما يلزم، تجاه من لا لزوم لوجودهم فـي البلاد.
0 تعليق