أصيب الكثير من الألمان بحالة من الذهول عندما تم اختيار مدينة "كمنيتس" الواقعة في شرق ألمانيا لتكون واحدة من بين عواصم الثقافة الأوروبية لعام 2025، حيث أن صورتها عادة ما تتسم بأنها نموذج لكفاح ورتابة الاشتراكية. وقد كانت كمنيتس تسمى في ألمانيا الشرقية الشيوعية سابقا، بـ "مدينة كارل ماركس".
ومع ذلك، فقد أقنع محبو المدينة والمروجون لها، لجنة التحكيم المسؤولة عن منح الجائزة التابعة للاتحاد الأوروبي، بأن كمنيتس - رغم وضعها الأقل حظا - تستحق الاكتشاف، وإن "مانشستر ولاية ساكسونيا" قد تغيرت.
وقد كان الشعار الجذاب الذي اختاره المروجون لكمنيتس، هو: "سي ذا أنسين" (أي /فلتكتشف ما لم يكتشف بعد/).
وبناء على ذلك، ستتم دعوة الزوار بحلول الثامن عشر من يناير، لاكتشاف الكثير من الكنوز المعمارية والثقافية والتاريخية، حيث ستنضم كمنيتس إلى مدينتي نوفا جوريتسا (في سلوفينيا) وجوريتسيا (في إيطاليا) لتكون عاصمة ثقافية لأوروبا.
ويعد المكان المناسب للبدء في استكشاف المدينة هو "فيلا إيشه"، وهي عبارة عن منزل فخم مبني في الجزء الجنوبي الغربي من المدينة على طراز الفن الحديث "آرت نوفو". وتقوم هناك المؤرخة الفنية، أنيكا راينيكه، بالترحيب بزائري الفيلا، التي تعد واحدة من أفضل العناوين المعمارية في أوروبا، كما أنها كانت محل سكن أحد كبار رجال الصناعة في القرن التاسع عشر، وهو هربرت إيشه. ويوجد في المنزل سلم كبير يؤدي إلى معرض في الطابق العلوي، حيث توجد الغرف الخاصة لعائلة رجل الصناعة السابق.
لقد كانت عائلة إيشه رائدة في تصنيع الجوارب بألمانيا، وكانت بضائعهم تُباع في أنحاء العالم. وقد قام إيشه وزوجته جوهانا في مطلع القرن العشرين، ببناء فيلا جديدة، ولم يختارا سوى المصمم البلجيكي، هنري فان دي فيلدي، لبنائها.
وترمز الفيلا إلى أمرين، وهما: كمنيتس كمدينة صناعية مهمة، ولكن إلى كنوزها المعمارية والفنية أيضا. وقد أدى الانتعاش الاقتصادي - الذي جاء مدفوعا بشكل أساسي بصناعة النسيج والهندسة الميكانيكية - إلى ظهور صورة ذاتية جديدة لأصحاب المصانع الأثرياء، مثل هربرت إيشه.
وتقول المؤرخة راينيكه: "لقد كانوا (أصحاب المصانع) يرغبون في جلب الحداثة إلى المدينة، وقد تمكنوا من تحمل تكاليفها". وفي عام 1905، اجتذبوا نجما فنيا آخر، وهو الرسام النرويجي إدفارت مونك، الذي خلّد في لوحاته عائلة إيشه ووادي نهر كمنيتس. ومن المقرر إقامة معارض كبيرة لكل من مونك وفان دي فيلدي، خلال عام عاصمة الثقافة الأوروبية.
وبينما يستغرق زمن الوصول إلى فيلا إيشه نحو 15 دقيقة باستخدام القطار، هناك الكثير من المعالم السياحية التي تقع على مسافة قريبة منها سيرا على الأقدام. فبمجرد أن يستدير الزائر عند زاوية من محطة السكة الحديد المركزية، سيتمكن من رؤية ساحة المسرح، حيث تشكل دار الأوبرا، ومتحف الملك ألبرت – الذي يضم مجموعات فنية رائعة - وكنيسة القديس بطرس، مجموعة فريدة من المعالم.
كما أن هناك أشهر معلم في المكان، وهو تمثال كارل ماركس النصفي الضخم، الذي يقع على بعد شارع واحد فقط باتجاه وسط المدينة. ويجسد التمثال الفيلسوف السياسي، كارل ماركس، وهو يحدق بصرامة لمسافة. ويشار إلى أن التمثال العملاق المصنوع من البرونز، والذي يبلغ وزنه 40 طنا للنحات الروسي ليف كيربيل، نجا من ألمانيا الشرقية الشيوعية، وهو اليوم معلما شعبيا ونقطة التقاء.
ومن هنا، يجدر بالزائر أن يأخذ جولة حول وسط المدينة، حيث سيلفت انتباهه "أيقونة الحداثة" الواقعة على بعد بضع مئات من الأمتار، وهي "متجر شوكن"، الذي صممه المهندس المعماري، إريك مندلسون، وتم افتتاحه في عام 1930.
أما اليوم، فمن الممكن لزوار المدينة أن يتعمقوا في الماضي، من خلال عرض رائع يقدمه متحف الآثار الحكومي، حيث يسلط العرض الضوء على تاريخ التعدين، ولا سيما في سلسلة "جبال الخام" القريبة.
ومن المعالم الثقافية الأخرى التي تميز المدينة، مكتبة الكاتب شتيفان هايم (1913-2001)، وهو من مواليد مدينة كمنيتس، وكان يعتبر أهم صوت للأدب المعارض في ألمانيا الشرقية. وهناك في الوقت الحالي معرض يعمل على استكشاف حياة الكاتب الراحل ورحلة عمله.
كما يتعين على عشاق الفن أن يسلكوا الطريق الدائري في وسط المدينة، المؤدي إلى "متحف جونتسينهاوزر". ويضم مبنى البنك السابق، مجموعة تضم أكثر من 3000 عمل فني لـ 270 فنانا، أهمهم أوتو ديكس، وأليكسي فون جولنسكي، وويلي باوميستر وجابرييل مونتر.
0 تعليق