«المسئولية الطبية».. وصوت العقل

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أنا واحد من الذين تعرضوا لخطأ طبى جسيم فى غرفة العمليات داخل مستشفى كبير. وبت من أصحاب الأمراض المزمنة بعد ذلك.. كأحد تداعيات هذا الخطأ. ولقد حرّضنى بعض الأصدقاء، ومسئولو شركة التأمين الصحى التى نتبعها فى مكان عملى، على رفع قضية ضد الجرّاح الذى كان قد أجرى لى العملية قبل ١٥ عامًا تقريبًا.. لكننى رفضت بشكل قاطع، بل صار هذا الطبيب، وهو أستاذ كبير فى أحد المعاهد الطبية المرموقة، صديقًا لى.

أعرف أنه قدم لى أفضل ما يستطيعه.. ولم يتعمد الخطأ.

أنا ضد المغالاة فى استهداف الأطباء المصريين فى الداخل، فهم يعانون كثيرًا. أزعم أن هناك أيادى خفية، أو سوء تقدير للموقف، وراء تعكير الأجواء معهم، وأن قانون المسئولية الطبية يأتى فى هذا السياق.

قلّبت فى أرقام وإحصاءات عديدة حول هجرة الأطباء المصريين للخارج.. وكذلك عزوفهم عن العمل بالقطاع الطبى الحكومى. نقابة الأطباء من أكثر النقابات كفاءة فى هذا المجال. ووفقًا لبيانات النقابة فى عام ٢٠٢٣ فإنّ نحو ١٢٠ ألف طبيب مصرى مسجّل لديها يعملون بالخارج.. بنسبة ٦٢٪ من الأطباء المسجلين. وتنوعت الأسباب لذلك، بين السفر إما للعمل أو لاستكمال الدراسات العليا، أو بسبب الحصول على إجازات بدون راتب، أو الاستقالة نهائيًا من العمل الحكومى.

أتوقع مزيدًا من الهجرة للخارج إذا جرى تطبيق قانون «المسئولية الطبية» بصيغته الحالية، وبدون تعديل.. أتمنى أن يتم الاستماع لوجهة نظر الأطباء المخضرمين.. لإخراج قانون متوازن.

وحتى الآن، وبعد مناقشات موسعة مع مجموعة من الأصدقاء، وهم من كبار ومشاهير الأطباء حول القانون، لم أصل لجدوى القانون ومن يقف وراءه بهذا الشكل، أو مبررات صدوره أو الإصرار عليه.

أستاذ شهير، وهو جراح له سمعة دولية قال لى إن التوقيت عجيب جدًا.. لدينا عجز فى الأطباء، والنقابة تحذر من تزايد طلبات الإجازات أو الاستقالات مع احتفاء العواصم الغربية بالأطباء المصريين، ويأتى هذا المشروع ليزيد من حالة الاحتقان والتفكير فى الهجرة. وقال لى إنه يتوقع موجة هجرات واسعة تشبه ما جرى فى أوقات الحروب التى مرت بها مصر.

عرفت مصر عدة موجات من الهجرة، أبرزها عقب ثورة يوليو. وكانت غالبية المهاجرين من الأجانب أو الأغنياء الذين أرادوا الفرار بأموالهم أو جزء منها. وفى أعقاب حرب يونيو ١٩٦٧ زادت موجات الهجرة للكفاءات العلمية، خاصة من بين الأطباء والمهندسين.. وتركزت الهجرات إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة وكندا. ووفقًا للجراح الكبير، فإنه يتوقع حركة هجرة أوسع إذا لم يتدخل العقلاء.. وبشكل عاجل.

وطالب بالمساواة مع الفئات الأخرى، وحرض الحكومة والبرلمان على إصدار قوانين مشابهة تضمن مسئوليات المهندسين والمحامين والمدرسين وغيرهم من الموظفين تجاه المتعاملين معهم. وأكد لى أن بعض المواد من شأنها أن تزيد الاحتقان، وتعطل من جودة الأداء، أو تخيف الطبيب المعالج من أى تدخل جرىء منه للعلاج، وخاصة فى الجراحات الخطيرة.

وقال إنه إذا كانت هناك ضرورة عاجلة لصدور القانون، فإنه ينبغى أن يتم تأجيل صدوره بعض الشىء لحين تهيئة البيئة المناسبة للطبيب والمريض على السواء.

وأنا بدورى أدعو لكى تستمع القيادة العليا لرؤية مجموعة من الحكماء، على أن تكون غالبيتهم من الأطباء الكبار الذين يتمتعون بالجرأة والقبول من كل الأطراف.. وما أكثر هؤلاء فى المجتمع، وبين الأطباء تحديدًا.

وأعرف أن الرئاسة كانت تحيل أفكارًا ومشروعات قوانين للمجلس الاستشارى، وكان المجلس الذى شكله الرئيس السيسى عام ٢٠١٤ يضم مجموعة من الخبراء فى الداخل والخارج. هؤلاء العلماء كانوا يعقدون اجتماعاتهم المكثفة بناءً على دعوة رئاسية. هذه اللقاءات كانت تتم فى أحد الفنادق الهادئة، وكان يُطلب منهم مناقشة بنود بعينها، على أن تُرفع توصياتهم واقتراحاتهم بشأنها للسيد الرئيس شخصيًا.

توارى الاهتمام بالمجلس الاستشارى فى الفترة الأخيرة، ولم نعد نسمع الكثير عنهم. غابوا عن الإعلام، ولا أعتقد أنه تتم دعوتهم فى الوقت الراهن. هذا المجلس يضم عددًا من الرموز الطبية المتميزة.. ليتهم يجتمعون مجددًا ويُعرض عليهم مشروع قانون المسئولية الطبية، ويقدمون توصيات بشأنه للسيد الرئيس مباشرة. 

مطلوب إعمال صوت العقل فى جميع قضايانا الخلافية، ولنبدأ بقانون المسئولية الطبية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق