بالقدر الذي يتعلق بإسرائيل، يشكل سقوط نظام الأسد ضربة قاسية لإيران ومحور "المقاومة" التابع لها في المنطقة، مع العديد من الفوائد المحتملة للمصالح الإسرائيلية. فبالإضافة إلى قطع حلقة حيوية في القوس الاستراتيجي، طهران - بغداد - دمشق - بيروت، (أو "الهلال الشيعي")، يمكن أن يؤدي ذلك إلى قطع الطريق اللوجستي إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، مما يشكل نكسة كبيرة لطموحات إعادة تسليح "حزب الله" ويفصل العمق الاستراتيجي الصناعي لإيران عن مختلف جبهات القتال على حدود إسرائيل. وفي غضون ذلك، تسعى روسيا للحفاظ على قواعدها في سورية مع تقليص وجودها العسكري هناك، مما قد يوسّع حرية إسرائيل في التحرك في المنطقة. اضافة اعلان
ومع ذلك، تأتي هذه الحالة الجديدة مع مجموعة من التهديدات الناشئة. فبإمكان الإرهابيين الجهاديين -سواء كانوا بقايا تنظيم "داعش"، أو عناصر متطرفة من الجماعات المتمردة التي أطاحت بالأسد، أو جهات فاعلة أخرى- أن يتقدموا بالقرب من المجتمعات الإسرائيلية في منطقة مرتفعات الجولان. وقد يتم تحويل ترسانة النظام، التي تشمل العديد من الأسلحة المتقدمة، ضد إسرائيل. كما يمكن للعناصر السنية العربية المتطرفة -بعضها مدعوم من تركيا- أن تشكل تهديدات على أمن جوار إسرائيل الذي يشكل ركيزة أساسية في بنية الأمن القومي الإسرائيلي. ومن جهتها، قد تسعى إيران للحفاظ على نفوذها الإقليمي، أو حتى توسيعه، للتعويض عن خسائرها. وعلى الرغم من فرار القوات الإيرانية ووكلاء إيران من سورية، إلا أن طهران على اتصال ببعض الفصائل المتمردة المنتصرة وتبحث عن طرق جديدة للنفوذ.
في المقابل، فإن الأهداف الرئيسية لإسرائيل في سورية واضحة، وهي: حماية سكان إسرائيل وسيادتها؛ وصد العناصر المعادية عن حدودها؛ ومنع وقوع أسلحة استراتيجية في أيدي المتطرفين؛ وتعزيز استقرار الجوار؛ ومنع إعادة تأسيس خطوط الإمداد الإيرانية وتلك التابعة لوكلائها إلى "حزب الله" وعناصر أخرى؛ ومواجهة أي عودة محلية لتنظيم "داعش" أو غيره من التنظيمات الإرهابية الجهادية السنية؛ وأخيراً وليس آخراً، ضمان احتفاظ إسرائيل بقدر كافٍ من حرية العمل للدفاع عن نفسها وإزالة أي تهديدات في المنطقة، من بلاد الشام إلى إيران -من جانب واحد إذا لزم الأمر، ولكن من الأفضل بالتعاون مع الآخرين.
اتخذت إسرائيل بالفعل إجراءات لتحقيق هذه الأهداف. أولاً، بدأت بتعزيز دفاعاتها في مرتفعات الجولان فور سقوط الأسد. ثم أطلقت قوات الجيش الإسرائيلي عملية "سهم بَشان"، التي تضمنت شن مئات الغارات التي دمرت معظم ترسانة سورية، مع التركيز على القواعد العسكرية، والدفاعات الجوية، والصواريخ الباليستية، ومستودعات الأسلحة، والطائرات العسكرية، والأصول البحرية، ومنشآت الإنتاج والتطوير المختلفة، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية. وعلى الرغم من أن هذه الحملة لنزع السلاح كانت غير دموية في الغالب، إلّا أن الحكومة السورية الناشئة ستعتبرها على الأرجح عملاً عدائياً.
أما بالنسبة للقسم البري من العملية، فقد سيطرت القوات الإسرائيلية على "منطقة الفصل" في سورية، في انتهاك لاتفاقية فك الاشتباك للأمم المتحدة للعام 1974 التي أنهت رسمياً الحرب بين العرب وإسرائيل في العام الذي سبق. كما استولت على موقع جبل الشيخ السوري، الذي يطل على مواقع إسرائيلية استراتيجية على الجبل. وبعد تحذير قوات المتمردين من الاقتراب من هذه المنطقة العازلة، رتبت القوات الإسرائيلية بعد ذلك لنزع سلاح المجتمعات السورية المحلية، وهو ما فعلته بهدوء.
وقد أوضحت التصريحات الرسمية الإسرائيلية بشأن هذه الخطوات أنها جهد مؤقت لتحسين المواقع الدفاعية للبلاد وحماية مجتمعاتها الحدودية، وليس لإرساء وضع جديد على هذه الجبهة. ومع ذلك، أثارت بعض تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول هذه النقطة الأخيرة قلقاً. ففي ظهور له في 8 كانون الأول (ديسمبر)، أشار إلى أنه وجه تعليماته إلى الجيش الإسرائيلي للاستيلاء على "منطقة الفصل" لمنع أي قوة معادية من التمركز على حدود إسرائيل بعد انهيار اتفاقية فك الارتباط للعام 1974، موضحاً لاحقاً أن ذلك هو إجراء مؤقت فقط إلى أن يتم إنشاء كيان بديل فعال لتنفيذ الاتفاقية. ومع ذلك، يُقال إنه أعلن أيضاً أن مرتفعات الجولان ستبقى جزءاً من إسرائيل "إلى الأبد"، وقد وافقت حكومته الآن على خطة لمضاعفة عدد السكان الإسرائيليين هناك. ومن الجدير بالذكر أنه عندما استولى المتمردون على الجولان السوري من الأسد في العام 2013، ظلت اتفاقية فك الارتباط سارية المفعول بدعم من كل من القدس ودمشق.
في الوقت الحالي، أدانت الأمم المتحدة وغيرها من الجهات الفاعلة انتهاك إسرائيل لسيادة سورية. وصرح أبو محمد الجولاني -(المعروف أيضاً باسم أحمد الشرع)، زعيم جماعة المتمردين الرائدة "هيئة تحرير الشام"- بأن سورية ستلتزم باتفاقية فك الارتباط للعام 1974 ودعا المجتمع الدولي إلى ضمان التزام إسرائيل بها أيضاً. كما دعا إسرائيل إلى وقف ضرباتها في سورية وسحب قواتها من الأراضي التي احتلتها منذ سقوط الأسد. ومن الجدير بالذكر أنه أشار إلى أن الظروف الحالية للأمة التي مزقتها الحرب لا تسمح بمواجهات جديدة.
وبالإضافة إلى الأهداف الدفاعية المباشرة لإسرائيل، ربما يكون وجودها على الأراضي السورية مدفوعاً برغبة في السعي لتحقيق مزايا عملياتية ضد التهديدات الجديدة المحتملة في المستقبل والحصول على نفوذ يمكن أن يساعدها في التفاوض على تحسين الترتيبات الأمنية في الجولان. ومع ذلك، كلما طال أمد هذا الوجود، زاد النظر إليه على أنه استيلاء غير قانوني على الأراضي، وارتفع خطر إثارة ردود فعل ضد إسرائيل -سواء في شكل قوات محلية تحاول تحرير الأراضي السورية، أو جهات فاعلة دولية تمارس المزيد من الضغوط السياسية، أو كليهما.
لتبديد هذه المخاوف مع الاستمرار في تلبية الضرورات الأمنية الموصوفة أعلاه، من الضروري أن تركز إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما من الشركاء على جهود متعددة في الأمدين القريب والمتوسط:
• توضيح أن اتفاقية فك الارتباط للعام 1974 ما تزال سارية المفعول كأساس للأمن المشترك في الجولان، برغم تضررها بشكل كبير على مدار العقد الماضي. ويعني ذلك التأكيد على أن وجود القوات الإسرائيلية في سورية هو مجرد وضع مؤقت إلى أن يتم الاتفاق على ترتيبات أمنية مُرضية وتنفيذها. ومع مراعاة اتفاق وقف إطلاق النار الأخير في لبنان، ينبغي على الأطراف استكشاف تعديلات وتكييفات لاتفاقية 1974، ومن بينها تحسين آليات التنفيذ.
• إنشاء خطوط اتصال بين إسرائيل والحكومة السورية الناشئة، مع التأكيد على مزايا أمن الحدود لكلا الطرفين.
• الحفاظ على منطقة عازلة قوية بين المجتمعات الحدودية الإسرائيلية والتهديدات المحتملة في سورية. ويتم ذلك مبدئياً من خلال نشر قوات إسرائيلية في الخطوط الأمامية، مدعومة بتفاهمات مع السوريين المحليين، وإذا أمكن، مع الحكومة في دمشق. وكما هو الحال في لبنان، يمكن أن تُسهل جهود حفظ السلام برعاية الأمم المتحدة التواصل في هذا الصدد، على الرغم من ضرورة الحفاظ على التنفيذ الإسرائيلي الأحادي الجانب باعتباره الإجراء الاحتياطي النهائي ضد أي تهديدات.
• ضمان حرية إسرائيل في التحرك في سورية (في المقام الأول في المجال الجوي للبلاد) من أجل منع عودة إيران، وإعادة تسليح "حزب الله"، وعودة ظهور تنظيم "داعش"، أو أي تهديدات أخرى. وينبغي الحفاظ على هذه الحرية على الرغم من الاحتجاجات المتوقعة من السلطات الجديدة في دمشق بشأن سيادة سورية.
• الحفاظ على الوجود الأميركي الحالي على حدود سورية مع الأردن والعراق، وهو وجود صغير (حوالي 900 جندي إجمالاً) ولكنه فعال للغاية. وهذا من شأنه أن يُمكّن استمرار التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل ضد تنظيم "داعش" وإيران وأعداء مشتركين آخرين.
• دعم الجهود الأميركية الرامية إلى الاستيلاء على الأسلحة الكيميائية المتبقية في سورية والقضاء عليها. ومن الضروري القيام بحملة مماثلة في لبنان في أعقاب التقارير التي تفيد بوجود مثل هذه الأسلحة في أيدي "حزب الله".
• المضي قدماً في الجهود الرامية إلى معالجة أي بقايا (على سبيل المثال، المواد أو التصاميم أو الخطط) مرتبطة بالمفاعل النووي السوري الذي دمرته إسرائيل في العام 2007.
• ضمان رؤية استخباراتية إسرائيلية شاملة لجميع الجهات الفاعلة ذات الصلة في سورية ما بعد الأسد وتعزيز العلاقات مع الجهات المعتدلة، بالتنسيق مع الحكومات العربية الشريكة في دول الخليج ومناطق أخرى. ويمكن أن يشمل هذا التواصل الفصائل الكردية، والدرزية، والعربية السنية في مختلف أنحاء البلاد.
• تنشيط العلاقات مع المجتمعات المحلية عبر حدود الجولان. ويمكن تصميم هذا الجهد على غرار "عملية حسن الجوار" الإسرائيلية، وهي المبادرة التي بدأت بشكل واعد في العام 2012 ولكنها انتهت عندما أعاد نظام الأسد السيطرة المحلية في منتصف العام 2018.
• العمل مع الولايات المتحدة لضمان أمن الجوار. وسيساعد ذلك في معالجة التهديدات المتعددة، بما في ذلك التآمر الإرهابي عليها، وتدفقات اللاجئين المتجددة، وتهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية.
• ربط الاعتراف الدولي بسورية، وشطب جماعات من قوائم الإرهاب الدولية، وتمويل إعادة إعمار سورية، وغير ذلك من المساعدات للحكومة السورية الجديدة بمتطلبات أمنية أساسية. وعلى وجه التحديد، ينبغي أن نتوقع من دمشق أن تزيل أي أسلحة استراتيجية تشكل تهديداً للدول المجاورة، وتمنع أي جهات فاعلة من استخدام أراضيها لتهديد هذه الدول المجاورة، وتزيل أي عناصر إرهابية من الفصائل التي تشكل الحكومة المقبلة، وتُنفّذ ترتيبات أمنية مع جيران إسرائيل.
• الاستفادة من الوضع الجديد في سورية لتعزيز الترتيبات الأمنية في لبنان، وخاصة فيما يتصل بتأمين حدودهما المشتركة ومنع نقل الأسلحة إلى "حزب الله".
• القضاء على صناعات سورية ولبنان في تصنيع وتهريب الكبتاجون وغيره من المخدرات غير المشروعة -وهو مصدر مهم لتمويل "حزب الله" ونظام الأسد الراحل، وربما خلفاء الأسد.
• إصلاح العلاقات الإسرائيلية التركية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن أنقرة على استعداد لأن تصبح جهة فاعلة رئيسية في تحديد مستقبل سورية.
*أساف أوريون: "زميل ليز وموني ريؤفين الدولي" في معهد واشنطن. وهو عميد إسرائيلي متقاعد واستراتيجي للشؤون الدفاعية، يتراوح نطاق أبحاثه الواسع من العلاقات مع الصين إلى الاستراتيجيات والسياسات السياسية والعسكرية الإقليمية لإسرائيل.
0 تعليق