عشوائية المحتوى بمقاطع "الريلز" خطر صامت "يفتك" بالدماغ

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
 عمان- دون وعي، وبمزاجات متقلبة ومشاعر متناقضة، يقلب الملايين يوميا أجهزتهم الذكية، لتغمرهم سيول من مقاطع الفيديو المتنوعة في مضمونها وأفكارها. يتأرجح العقل بين التفكير والتمعن، وبينما يكون القلب في دوامة من الحزن والسعادة المتشابكين في اللحظة ذاتها.اضافة اعلان
إنها مقاطع "الريلز" القصيرة، التي ناقش الإعلام تأثيراتها النفسية والسلوكية والاجتماعية على الأفراد مرارا. ومع ذلك، تكشف دراسات حديثة عن مخاطر أعمق، تتمثل في تأثير هذه المقاطع على المشاعر وقدرة الأفراد على التعبير عنها أو التعاطف معها، مما يؤدي إلى حالة وصفها المختصون بـ"عشوائية المحتوى وتشويش المشاعر".
"نحن لا نشاهد تلك المقاطع بمفردنا، بل يشاركنا ملايين الأشخاص، ونتوحد في ذات المشاعر، أو هكذا أعتقد"، بهذه الكلمات عبرت أسماء حمدان عن وجهة نظرها حول تأثير مقاطع الريلز. ترى أسماء أن هذه المقاطع، التي قد يشاهدها في الوقت ذاته مئات الآلاف، يمكن أن تكون سببا في توحيد المشاعر بدلا من تشتيتها أو فقدان الإحساس بالآخرين، على حد تعبيرها.
وتستشهد بمقاطع الريلز التي تناولت ما يجري في قطاع غزة من حرب إبادة، مشيرة إلى أنها كانت سببا رئيسا في كسب تعاطف الناس وإيصال معاناة الشعب الفلسطيني إلى العالم. وتضيف أن إعادة نشر هذه المقاطع على الحسابات الشخصية عززت من انتشار القضية وساهمت في إثارة الوعي العالمي بها. لذلك، تعتقد أسماء أن مقاطع الريلز يمكنها أن توحد المشاعر وتعمقها، خصوصا عندما يكون الحدث قضية رأي عام ذات تأثير عالمي.
تشير دراسة نشرت على موقع Point Blank تحت عنوان "ماذا يحدث بالفعل للعقل البشري إذا شاهد مقاطع Instagram لمدة 24 ساعة"؟، إلى أن استهلاك مقاطع الفيديو القصيرة يؤدي إلى تدهور في القدرة على التركيز، مما يشكل تحديا للذاكرة والوظائف المعرفية. كما تؤثر هذه المقاطع على مراكز العاطفة في الدماغ، وتحديدا "اللوزة الدماغية"، مما يعوق القدرة على إدارة المشاعر بشكل صحيح، ويزيد من مشاعر القلق أو تدني احترام الذات. وفي سياق متصل، تناولت أطروحة عرضت في كلية ميشيغان روس تأثير "إنستغرام ريلز" على ترتيب المشاعر ودورها في إدارة العاطفة. تشير الدراسة إلى دور الدوبامين في تعزيز الإدمان، حيث يحفز إفرازه الشعور بالمتعة، مما يدفع المستخدم إلى تكرار السلوك. هذا التأثير يعطل قدرة الأفراد على إدارة سلوكهم، ويؤثر سلبا على التركيز والانتباه وتنظيم المزاج.
ووفقا للدراسة، فإن تداخل المحتوى الناتج عن كثرة الفيديوهات المتوفرة يؤدي إلى تشويش في المعلومات المحتفظ بها، مما ينتج ما يعرف بـ"الذكريات المتناثرة"، وهي مجموعة من الذكريات غير المرتبطة التي تعيق التركيز والفهم.
ويتفق العديد من الأمهات مع هذه النظرية، التي تشير إلى التشويش في المشاعر وصعوبة التعبير عنها نتيجة التداخل الكبير في مضمون مقاطع الريلز. تقول أسيل حداد، وهي أم لطفلين دون العاشرة، إنها تشعر بالاستياء من نوبات الغضب غير المبررة التي تصيب أطفالها بعد مشاهدتهم الفيديوهات عبر الهاتف. كما تلاحظ أنهم أصبحوا غير مكترثين لبعض المشاهد التي كانت تثير فيهم مشاعر الخوف أو التوتر.
وتضيف أسيل أن مشاهدة أطفالها المتكررة لمقاطع المشاهير وأطفالهم، وما تعرضه من حياة تبدو مثالية، جعلتهم يرفضون واقعهم ويشعرون بعدم الرضا. فلم تعد الهدايا البسيطة تسعدهم، ولم يعودوا يتقبلون التأنيب أو التوجيه، إذ بات مفهوم السعادة والرضا لديهم مرتبطا بنمط حياة مختلف تماما عن واقعهم. وهذا ما يصفه المختصون بأنه "تشتت الأفكار وعشوائية المشاعر"، التي تؤثر سلبا على فهم الأطفال للواقع وتوازنهم النفسي.
تعتقد الاستشارية النفسية الأسرية والتربوية حنين البطوش أن مقاطع الريلز تتميز بتنوعها الكبير في المحتوى، مما يوفر للمستخدم تجربة ترفيهية غنية ومتغيرة باستمرار. ومع ذلك، فإن هذا التنوع السريع في المشاعر والأفكار قد يترك آثارا سلبية على الصحة النفسية، حيث إن التنقل المستمر بين المشاعر المتضاربة يجعل من الصعب على الفرد معالجتها بشكل صحي، مما يؤدي إلى حالة من التشويش العاطفي وعدم الاستقرار النفسي.
وتضيف البطوش أن التعرض المتكرر لمحتوى عاطفي قوي قد يؤدي إلى تضخيم هذه المشاعر وتأثيرها على سلوك الفرد، سواء بشكل إيجابي أو سلبي. وقد يتسبب ذلك في تغيير المزاج بشكل كبير، مما يصعب على الفرد الحفاظ على توازن عاطفي مستقر. 
إلى ذلك، فإن التعرض المستمر لمحتوى غير واقعي أو مثالي قد يشكل صورة غير حقيقية عن الذات والحياة، مما يزيد من مشاعر الإحباط وعدم الرضا. كما أن التنوع المستمر في المحتوى يشوش الانتباه ويجعل من الصعب على الفرد التركيز على مهمة واحدة، مما يؤثر سلباً على قدرته على التعلم والابتكار.
تحدث المختص في التثقيف النفسي والسلوكي محمد الغباشي عبر صفحات متخصصة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثيرا العديد من التساؤلات التي يطرحها الأفراد على أنفسهم. وبين في حديثه أن مقاطع الريلز تعد أسوأ ما يمكن أن يتعرض له دماغ الإنسان عبر التطبيقات، وذلك بسبب "سرعتها، وقصرها، وكثرتها، وتغييرها المستمر بين المواضيع والمشاعر".
هذا الأمر قد يؤدي إلى تبلد المشاعر الإنسانية نتيجة العشوائية التي يصعب على الإنسان تحملها مع مرور الوقت.
ويعتقد الغباشي أن هذه الظواهر قد تسبب العديد من المشاكل النفسية والسلوكية، خاصة لدى الأطفال، مثل الاكتئاب، والعصبية، والقلق، وفقدان الثقة بالنفس، وذلك نتيجة للمعلومات المتناقضة والمتداخلة التي قد يشاهدها الفرد لساعات دون أن يشعر بذلك.
من جانبها، علقت جيهان عامر على هذه النظرية قائلة إنها أصبحت فعلاً ترغب في التوقف عن مشاهدة أي مقطع ريلز على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها تجد نفسها تشاهدها تلقائيا دون رغبة حقيقية في ذلك. وأضافت: "تأتي المقاطع أمام عيني وأبدأ بتقليبها دون وعي"، وأكدت أنها تتمنى إيجاد طريقة لإخفاء هذه المقاطع من أمامها، معتبرة إياها "طريقة لمسح الدماغ وضياع للوقت، وتسبب آلاما في الجسم والعيون".
اختصاصي الصحة النفسية والعلاج النفسي، الدكتور أحمد عيد الشخانبة، يؤكد أن مشاعر الإنسان ومزاجه يتأثران بشكل كبير بالأحداث والمشاهد التي يمر بها. وعند الحديث عن مقاطع الريلز القصيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ذات المحتوى المتنوع والمتأرجح بين الفرح والحزن، فإن لها تأثيرا واضحا على المزاج، النفسية والسلوك.
يوضح الشخانبة أن المزاج والسلوك والحالة النفسية هي انعكاسات مباشرة لما يمر به الإنسان أو يشاهده، وتعرف هذه بالمدخلات. وعندما تكون هذه المدخلات سريعة ومتناقضة ضمن فترة قصيرة، تزداد حدة التأثيرات السلبية، خاصة عند الأطفال. ويبرز أن التناقض الكبير في محتوى هذه المقاطع وسرعة التبديل بينها يؤدي إلى تغييرات في طريقة التفكير والنفسية والسلوك لدى الطفل الذي يشاهدها بكثرة.
ويشير إلى أن هذه التأثيرات تتركز بشكل أكبر على الأطفال، موضحا أنهم يعانون من تقلبات في المزاج، اضطرابات سلوكية، وتشتت ذهني وفكري. ويرجع ذلك إلى عدم قدرتهم على التمييز بين الواقع والخيال، مما يجعلهم أكثر عرضة للتأثر بالمشاهد التي تتنقل بين مشاعر متناقضة كفرح وحزن، وهدوء وعنف، وهو ما قد يكون له آثار خطيرة على توازنهم العاطفي.
ويضيف الشخانبة أن منصات التواصل الاجتماعي، وخصوصا مقاطع الفيديو القصيرة كالريلز، أصبحت ظاهرة اجتماعية لا يمكن تجاهلها. فهي تغزو حياتنا اليومية بمحتواها المتنوع، الذي يتراوح بين الأخبار العاجلة والترفيه، وتجذب أعدادا هائلة من المستخدمين.
بحسب الاستشارية حنين البطوش، تلعب الخوارزميات المستخدمة في منصات التواصل الاجتماعي دورا في تشكيل تجربة المستخدم.
 تعتمد هذه الخوارزميات على تفاعلات المستخدم السابقة لتقديم محتوى مخصص، مما يؤدي إلى تكوين ما يعرف بـ"فقاعة معلوماتية" تحصر المستخدم في دائرة ضيقة من الآراء والأفكار المتشابهة. وبينما يهدف هذا التخصيص إلى تحسين تجربة المستخدم، فإنه قد يحرمه من التعرض لوجهات نظر مختلفة، مما يؤثر سلبا على قدرته على التفكير النقدي وتشكيل آراء متنوعة ومستقلة.
وتضيف البطوش أن هذا التخصيص المفرط، إلى جانب التعرض المتكرر لمحتوى عاطفي مكثف، يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من الآثار النفسية السلبية، مثل زيادة مشاعر القلق والاكتئاب، صعوبة التركيز، العزلة الاجتماعية، وتدهور الصحة النفسية على المدى الطويل. كما قد يؤثر ذلك سلبًا على بناء العلاقات الاجتماعية الصحية والأداء الأكاديمي والمهني.
أما عن كيفية حماية أنفسنا من هذه الآثار، توضح البطوش أهمية اتخاذ إجراءات وقائية، مثل؛ زيادة الوعي بتأثير هذه المنصات على الصحة النفسية، تحقيق التوازن في استخدامها وتخصيص وقت لأنشطة مفيدة أخرى، اختيار المحتوى بعناية وتحديد أوقات محددة لاستخدام المنصات.
وتشدد البطوش على ضرورة طلب المساعدة من متخصص في الصحة النفسية في حال الشعور بالحاجة إلى دعم إضافي. وأيضا الوعي والاعتدال هما مفتاح الحفاظ على الصحة النفسية في ظل التغيرات التي فرضتها هذه المنصات على حياتنا اليومية.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق