عبث الشعارات

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قبل قرن من الزمان أو أكثر بقليل، عندما بدأ العالم مرحلة جديدة بعد الحرب العالمية الأولى، وعندما انشغلت دول العالم، بالإنتاج والاختراعات الحديثة، كانت المنطقة العربية في ذلك الوقت في طور إنشاء الدول الحديثة فهي بين بقايا دولة يعاد تشكيلها إلى دول، وأخرى كانت كيانات سياسية أخذت طريقها إلى هيئة الدول الحديثة، العامل المشترك بين الدول العربية الحديثة في ذلك الوقت هو نظام الحكم الملكي أو الوراثي بعبارة أدق، وهو شكل من أشكال الحكم طالما عرف بهدوئه واستقراره، لكن لم تمضِ مدة طويلة، حتى اكتشف جزء كبير من شعوب المنطقة العربية، ما هو أهم من بناء الدولة، ألا وهو "الشعارات" تلك العبارات المنمقة الرنانة التي تُكتب على الجدران وعلى قطع القماش، مثل (تحرير الأرض والإنسان) و(الاشتراكية هي الحل) و(أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) كانت هذه الشعارات تحمل على اللافتات حاملة معها وعوداً كثيرة لا تقبل التطبيق ولا علاقة لها بالواقع، يصرخ بها الرجال والنساء في الشوارع، وتقف خلفها أيديولوجيات مثل القومية، البعثية، والشيوعية وغيرها، فماذا فعلت بمن حلت عليهم؟

قبل كل شيء هذه الشعارات والأفكار التي وقفت خلفها أيدولوجيات كبيرة، هي أشبه بحادث تصادم كارثي تعرضت له مجموعة من السيارات منها ما تدمر وتوفي ركاب السيارة وبعضهم أصيب بعوق وعاهات دائمة والبعض الآخر أصيب إصابة طفيفة وقسم قليل تمكن من التوقف قبل الاصطدام، الذين أصيبوا إصابة بالغة في هذا الحادث هم مجموعة الدول التي تلقفت شعوبها هذه الشعارات، وصدقتها وطارت بها، حتى هيئوا أرضية خصبة لمجموعة من الضباط العسكريين الطامحين فحملوا تلك الشعارات على صهوات دباباتهم، ليجعلوها سبباً لانقلابات عسكرية أطلقوا عليها اسم ثورات، وهي في الواقع انقلابات نفذها ضباط خونة استخدموا سلاح الدولة التي استؤمنوا عليه للانقلاب عليها، هذه هي الصورة المجردة لفعلهم، وحالما وصولوا إلى السلطة برروا خيانتهم، بالشعارات التي جاؤوا من أجل تحقيقها وأزالوا نظام الحكم الذي يقف عائقاً أمامها، بل وشنوا حملاتهم الإعلامية والسياسية على مجموعة الدول التي نجت من كارثة الاصطدام ليصفوا حكامها وأنظمتها بالعميلة والخائنة "للأمة" فماذا كانت النتيجة؟

مهرجانات من الانقلابات حتى تمكن آخرها من الحكم لعشرات السنوات، وذلك سيناريو تكرر في كل الدول تقريباً، وبعد أن استقر لآخرها الحكم كل ما صدره وانتجه أي نظام هو اجترار للشعارات القديمة، أما حال الشعوب فهي محرومة، خائفة، تساق إلى الحروب المنتهية بالهزائم النكراء.

في الواقع الدول التي نجت خطت خطوات هادئة على مدى عشرات السنين عرفت حجمها بين دول العالم وتصرفت على أساس الممكن فكانت تتقدم بهدوء وثبات فأصبح اقتصادها أقوى وشعوبها أكثر أمناً واستقراراً، أما النموذج الآخر فيكفي أن ننظر إلى نموذجين منه العراق الذي انتهى به الحال إلى غزو واحتلال وخراب وتهجير، وسوريا التي استوجب التخلص من الشعارات الفارغة ملايين المشردين، والمهجرين والقتلى والمعاقين، فهل بقي من يؤمن بهذه الشعارات ويرجو تطبيقها، وإن كان كذلك هل بقي له شيء من الحياء بعد كل ما عشناه.

* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق