من ركام إبادة وحشية عاتية، يخرجون حالمين بحياة إنسانية بسيطة وقد فقدوا في الطريق إليها، «روح الروح».. والكثير الكثير من الأرواح البريئة.15 شهراً أمضاها أهل غزة في جحيم الخوف والجوع وانعدام تام لكل مقومات الحياة، لتبقى الفرصة الوحيدة للنجاة، هي الفرار من الجحيم إلى المجهول.لم ينجح الإسرائيليون وهم يصبّون كل أنواع التعذيب على الفلسطينين -قتلاً وتهجيراً وتجويعاً- في كسر صمودهم وإيمانهم بعدالة قضيتهم وشرعية مقاومتهم، رغم استشهاد المقاتل منهم والأعزل، وتهجير مئات الآلاف من الأسر، وبقاء المحاصرين كأطباقٍ من الصبر على مائدة الجوع.حاولت إسرائيل أن تذبح غزة بسكين الجوع، آملةً أن ينجح سلاحها في قتل أرواحهم، ولم تكن قصص الجوع في قطاع غزة «دراما» ينسجها الكتّاب الذين يبحثون في عالم الخيال عما عزّ وجوده في عالم الواقع، بل تنطق بها كل شواهد المكان، بالصوت والصورة، بما في ذلك البنايات الخرساء، والهياكل المتهالكة، لتشهد على هذه الإبادة التي تُمارس ضد الفلسطينيين، ولم يُعرف لها العالم مثيل في أزمنة الحداثة وموت الضمير الحيّ للبشرية.تلاشت المعارك، ووَضعت الحربُ أوزارها في غزة، وغلّف الفرح أجواء القطاع، بعد أشهرٍ عِجاف، ليأتي الإعلان الرسمي لوقف إطلاق النار في غزة والوصول إلى اتفاق مستدام بين إسرائيل وحماس، بعد المجازر الوحشية والحرب المقيتة التي أهلكت الحرثَ والنسل، يبقى السؤال؛ هل سيُحاسِب المجتمع الدولي مرتكبي الإبادة الجماعية بعد أن فشل في منع خطرها منذ بدء الحرب؟ والسؤالُ الأبرز من سيدفع فاتورة الإعمار في غزة؟ في ظل الانتظار المُميت وحلم العودة الذي يُراود النازحين. الغزيّون يتطلعون لطيّ الصفحة الأشد أسى في تاريخ بلادهم وقضيتهم الوطنية.كلمة أخيرةلقد صدق الله وعده حين قال «وكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين»، وأتبع النصر بالتهنئة «سَلامٌ عَلَيكُم بِمَا صَبرْتُم فَنِعمَ عُقبَى الدَّار»، فهنيئاً لأهل غزة الشُرفاء الذين سطّروا أروع الأمثال في المقاومة بالصبر والثبات والتآزر بينهم، وهم يتجرّعون مرارة الخذلان. الغزيّون اليوم الذين حولتهم القذائف من أناسٍ عاديين إلى أيقوناتٍ حيّة أو كائناتٍ من السنديان تتردد حكاياتها في أوساط ملايين البشر، المؤمنون بالحريّة حقاً سامياً لا يقبل المساومة.
0 تعليق