عن القهوة المقدسية وعن حكايات المدينة

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

صدر حديثا عن دار باب العامود للنشر والتوزيع كتاب «فنجان قهوة وحكاية مدينة» للدكتور خليل العسلي، الاهداء لافت جدا: (إلى كل من تنفس هواء القدس ووقع في عشقها وضحّى من أجلها وإلى كل من ارتشف فنجان قهوة بين جنبات المدينة، وإلى كل من أصر على أن يكون جزءًا من الحكاية المقدسية: إلى هؤلاء أهدي هذه السيرة الذاتية للقهوة والمدينة).

يرى الدكتور العسلي ردا على سؤالنا عن أهمية ودافع هذا الكتاب: إن الحديث عن تاريخ وحكايات المقاهي المقدسية ما هو إلا دفاع عن المدينة وحكاياتها فموت المقاهي يعني موت الحكاية، والمدن التي تخلو من مقاهٍ تخلو من الروح والذاكرة.

ويضيف العسلي: إن هذا الكتاب دعوة للعيش مع فنجان قهوة ومع المدينة بروحها وشخوصها، وقد كانت مقاهي القدس تعني كل المدينة فهي الحيز العام ومركز الحياة في الأزقة والحارات والأحياء، كانت صالون الحارة.

فصول الكتاب شيّقة جدًا وتقدم معلومات جديدة ومما يضاعف جمال الكتاب وأهميته هو مزج الكاتب بين المعلومة والإحساس الشخصي النابع من تجاربه الحياتية، ففي فصل (المقاهي نظرة مختلف عليها) يسهب الكاتب في وصف دلالة وموقع المقهى في ذائقة وعادات الناس، (والله ابني مؤدب وإبن ناس، حتى أنه لا يدخل المقهى) هذه جملة يتداولها الناس حتى الآن، وهي تظهر الدلالة السلبية للمقهى كمكان إشكالي، يترك فيه الزوج الزوجة والأولاد ويذهب للسهر في المقهى، أظن أن هذا المعنى ابتكره استياء المرأة العربية والمقدسية التي لا تستطيع الجلوس في المقهى الشعبي، لكنها استبدلت ذلك لاحقًا (بالكافيه)، انتقامًا أو تطورًا طبيعيًا في الحياة والأمكنة، والكافيه أقرب للارستقراطية واللاشعبوية، حيث نجد فيه الشباب والشابات، والطلاب والموظفين، بعكس المقهى الشعبي الذي يرتاده غاليًا المتقاعدون وعامة الناس والأدباء، وظلت ظلال عيب الجلوس في المقهى الشعبي تلقي بثقلها حتى الآن في المخيلة الفلسطينية والعربية، وفي فصل (القهوة وجهة نظر) يكتب العسلي: بالتأكيد فإن الكثيرين سمع بعبارة أهل القدس وفلسطين (فنجان قهوة يعدل الرأس) في تعبير شديد البلاغة على أهمية القهوة بالنسبة للجميع، هذا المشروب الذي اعتبره علماء الاجتماع بأنه مفجر الثورات.

وتتوالى فصول الكتاب المدهش: بداية الحكاية حيث يسرد قصة الكتاب والمقاهي في عصر الانتداب، يشرح فيه بلغة فاتنة تاريخ المقاهي المقدسية في عصر الاستعمار الإنجليزي وفي فصل المقاهي والاحتلال الصهيوني يسرد قصة المقاهي وكيف تطورت وتحولت لأمكنة للنضال والتجنيد والمقاومة ويخصص فصلًا عن مقاهي القدس تحت الاحتلال الصهيوني، ويذكر أسماء مقاه ما زالت موجودة حتى الآن ومنها مقهى صيام في أول سوق العطارين، وفي فصل طقوس المقهى وهو من أجمل الفصول وألذها يبرع العسلي في وصف طقوس شرب القهوة والنرجيلة، وعن العادات المحرمة مثل إشعال السيجارة من الجمر فوق النرجيلة والذي قد يؤدي إلى عراك بالأيدي، ويسرد في فصل حكايات المقاهي، قصص الناس ونوادرهم وعلاقتهم بالمقهى، ويفرد فصلًا كاملًا عن مقهى صيام التاريخي الذي ما زال في مكانه تمامًا ويذهب في فصل آخر إلى مقاهي حي باب حطة في القدس القديمة ساردًا تاريخ وتطور مقاهيها، ولا ينسى العسلي مقهى زعترة الشهير حيث يكتب عنه وعن دوره في النضال والحياة الاجتماعية، ومقاهي باب الخليل وحكاية القهوة التركية وبيوت العزاء، ومطاحن القهوة.

ممتع هذا الكتاب ومفيد، ويشكّل مرجعًا مهمًا لدراسات قادمة عن المكان المقدسي والذاكرة.

الكاتب في سطور

خليل العسلي

من أقدم العائلات المقدسية عمل في الصحافة منذ ثمانينيات القرن الماضي وعمل في الصحافة العربية بالمدينة، قبل أن يؤسس شبكة «أخبار البلد» المقدسية التي كانت مجلة ورقية وتحولت لتكون إلكترونية متخصصة بالقدس وحكايتها الحضارية والتاريخية والثقافية التي لم تروى. له مئات المقالات التي توثق الجوانب المختلفة من الحياة في المدينة المقدسة.

ساهم بتأسيس دار للنشر تحمل اسم «دار باب العامود للنشر والتوزيع» مقرها في إسطنبول بهدف إيصال الحكاية المقدسية لكل مكان في العالم.

له العديد من المؤلفات نذكر منها «عاشق القلم والمتاعب - سيرة ذاتية ناصر الدين النشاشيبي»، والرسائل الأولى - سيرة الدكتور محمد الرميحي، والمستشار التركي - حكاية العلاقات العربية-التركية عبر سيرة مستشار الرئيس عبدالله غل، (طبعتين)، وفنجان قهوة وحكاية مدينة- سيرة القهوة والمقاهي في القدس.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق