المسافات الآمنة.. الطريق نحو علاقات أكثر وضوحا وعقلانية

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان- تمنح المسافات الفرد فرصة لإعادة تقييم المواقف والأشخاص، وتساعده على رؤية الصورة من زوايا مختلفة. في لحظات البعد، تتضح أهمية ما كان يعتبر عاديا، وربما يتبين إن كان يعتقد بأنه ضروري لكن لم يكن كذلك، والعكس صحيح.اضافة اعلان
النظر إلى المشهد من بعيد، سواء كان موقفا يمر به الشخص أو علاقة تربطه بآخر، يقربه من الحقيقة ويغير نظرته لأمور ربما يتم تضخيمها أو تجاهل سلبياتها. احيانا، القرب قد يضلل الفرد، إذ تجعل العواطف الشديدة التفاصيل تبدو غير واضحة، ولا تتجلى الصورة الكاملة إلا عند النظر إليها بعيدا عن تأثير القرب العاطفي.
خالد(35 عاما)، يرى أن تقييم ما يحدث في الحياة يتطلب نظرة عادلة تجمع بين العقل والعاطفة. يعتقد أن هذا التوازن لا يمكن تحقيقه إلا من خلال أخذ مسافة آمنة تتيح تحليل الموقف ورؤيته بوضوح. بالنسبة له، البعد يوفر الوقت الكافي لفهم المشاعر بشكل أعمق واكتشاف مدى الحب الحقيقي تجاه الآخرين.
خالد يعبر عن تجربته: "عشت لحظات صعبة غيرتني، لكنها عرفتني بقيمة الأشخاص في حياتي"، يتذكر موقفا كان على وشك أن يهدد علاقته الزوجية ويدفعه لخسارة كل شيء. لكنه قرر في اللحظة المناسبة أن يتراجع خطوة للوراء، لينظر إلى المشكلة من زوايا متعددة بعقله، وليس المتأثر بالعاطفة.
خالد يوضح أن التواجد داخل المشكلة يجعل الرؤية غير واضحة، ويقلل من القدرة على التفكير الشامل في جميع الاتجاهات، مما يؤدي إلى تراكم الأخطاء دون الوصول إلى حلول. ويضيف، "القرب أحيانا يضعنا في حالة من التخبط، حيث تبدو ملامح الأمور باهتة، مما يعيق فرصة خلق لحظة تفاهم يمكن أن تنتصر فيها الحقيقة".
 تتفق أسماء نصر مع هذا الرأي، مؤكدة أن المسافات تمثل اختبارا حقيقيا للمشاعر، خاصة في أوقات الخلافات. وترى أن البعد يساعد على التخلص من المشاعر السلبية، ويعيد الأمور إلى حجمها الطبيعي، مما يتيح فرصة لحل المشكلات الكبيرة ومنح النفس بداية جديدة لاستعادة المكانة.
أسماء تروي تجربتها مع ابنة عمها، حيث اكتشفت بعد خلاف بينهما أن القرب الزائد قد يدفعنا للاعتقاد بأن غفران الآخرين مضمون، مهما كان الألم الذي تسببنا فيه. وأشارت إلى أن هذا القرب قد يعزز قناعة خاطئة بأن الحب سيستمر بلا شروط.
تضيف أسماء أن قرار الابتعاد، على الرغم من المحبة الكبيرة التي تحملها لابنة عمها، أسهم في تقريب المسافات بينهما بشكل غير متوقع. الابتعاد منح كل واحدة منهما فرصة لتقدير العلاقة بشكل أكبر، وأتاح لهما تقييمها بموضوعية، مما ساعدهما على إعطاء الحب الأولوية في إصلاح ما أفسدته التراكمات.
توضح خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم أن تقييم الآخرين هو عملية أساسية تبني العلاقات وتحدد شكلها وقوتها. وتشير إلى أن هذا التقييم يحتاج إلى ذكاء اجتماعي وعاطفي، بالإضافة إلى مهارات الوعي الذاتي لفهم مشاعرنا وانطباعاتنا تجاه الآخرين.
وترى أن تقييم الآخرين يسهم في تحديد مكانتهم لدينا وأفكارنا عنهم، مما ينعكس على سلوكنا وتصرفاتنا معهم. لذا، يجب أن يتم التقييم بدقة، كما لو كان اختبارا مهما، حيث نعطي كل شخص الدرجة التي يستحقها في حياتنا. وتؤكد أهمية العدل في التقييم، بحيث لا نظلم أحدا ولا نقلل من قيمته، وفي الوقت نفسه لا نعطي اشخاصا أكبر من قيمتهم الحقيقية.
تشدد ابراهيم على ضرورة عدم الاعتماد على أداة واحدة في التقييم؛ فلا يمكن أن تكون العواطف وحدها هي المحرك، لأنها قد تقود نحو تضليل الحقائق، ولا يمكن الاعتماد على العقل فقط لأنه قد يجعلنا قساة وظالمين. كما تحذر من التسرع في الحكم على الآخرين بناء على موقف واحد أو استنادًا إلى آراء الآخرين عنهم.
وتلفت إلى أن الاقتراب الزائد من الآخرين دون تنظيم قد يؤدي إلى حالة من الفوضى في العلاقة، حيث تغرقنا التفاصيل والمواقف في متاهة يصعب الخروج منها. لذلك، تؤكد على أهمية تنظيم المسافات بيننا وبين الآخرين أحيانا، لإعادة ترتيب العلاقات.
وتضيف أن البعد يمنح وقتا ومسافة كافية لتحليل التفاصيل والأحداث بشكل عادل، مما يساعد على إنقاذ العلاقات. وتشدد على أهمية اتخاذ خطوة للوراء إذا شعر الفرد بعدم الراحة، أو دخل في دائرة التعب أو الشك في أي علاقة، لإعطاء النفس فرصة لتقييم الطرف الآخر بعيدا عن الضغوط أو التأثير.
البحث في التفاصيل والأحداث وتحليلها يمنح الفرصة لإطلاق أحكام عادلة، سواء لإنقاذ العلاقات أو لحماية النفس، ففي اللحظات التي نشعر فيها بعدم الراحة، أو ندخل في دائرة التعب والشك في أي علاقة، يصبح الابتعاد ضرورة لتقييم الطرف الآخر دون ضغط أو تأثير مباشر.
إلى جانب ذلك، يتيح هذا الابتعاد ايضا فرصة لتقييم الذات، وسؤال النفس "إن كنا حقا سعداء في هذه العلاقات. فالقرب الزائد قد يجعلنا نعيش الضياع بمعرفة انفسنا".
من جهته، يوضح الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة أننا في رحلة الحياة نلتقي بأشخاص ونمر بمواقف عديدة، ومن الطبيعي أن نخضع هذه التجارب للتقييم. فهذه العملية تساعدنا على التمييز بين الجيد والسيئ، وتتيح لنا فهم مشاعرنا بعمق أكبر تجاه الآخرين.
ويضيف أن التقييم قد يؤدي إلى تعميق العلاقة بمن حولنا، وأحيانا يكشف لنا حقائق قد تكون غائبة، حيث يزيل الأقنعة التي تخفي وجوه بعض الناس، ويكشف الوهم الذي قد يحيط بهم.
ووفق مطارنة فإن المسافات الآمنة تجعل التقييم أكثر إنصافا، إذ إن رؤية المشهد كاملا تتطلب أن نأخذ خطوة للوراء وننأى بأنفسنا لبعض الوقت. هذا يسمح لنا بتحليل الموقف من زوايا متعددة، وتركيب الأحداث بصورة جديدة للوصول إلى قرارات وحلول منطقية تجمع بين العقل والعاطفة، ما يساعد في تغيير المسار نحو إنقاذ العلاقة أو تعديلها.
أما التقييم أثناء القرب الزائد، فيكون غالبا مضللا، حيث نرى جزئية محددة من الموقف فقط، مما يؤدي إلى أحكام سطحية وايضا قاصرة.
وبحسب مطارنة، فإن المسافة التي نختارها من أجل التقييم تتيح لنا فرصة لرؤية أمور لم تكن واضحة أثناء لحظة المشكلة، مما يجعل البعد خيارا مثاليا في بعض الحالات. ويشير إلى أن التقييم يجب ألا يعتمد على موقف واحد فقط، بل يحتاج إلى وقت كاف للتفكير بعمق في طبيعة علاقاتنا مع الآخرين.
والتقييم يعني تقدير اذا كانت العلاقة تضيف قيمة حقيقية لحياة الشخص أم أنها مجرد خلافات مستمرة تؤذي جميع الأطراف. ومن خلال التقييم، يمكن أيضا اختيار ما يتماشى مع القيم والمبادئ، مع الاحتفاظ فقط بما هو مناسب، وفق مطارنة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق