مقالات سلطان في «الخليج».. إبداع أدبي ومعرفي عنوانه التشويق

مصدرك 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عندما يخط القلم إبداعاً، وتتحدث الحروف جمالاً، وتوقظ الكلمات مامضى من ذكريات لاتزال يحتضنها القلب، فتعود نابضة متدفقة، عبر سرد يفوق الروعة، في السلاسة، والجاذبية، فتتهادى على الأوراق لتسجل لوحة من التشويق، والإبهار.
هكذا هي مقالات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، التي تنشر كل يوم اثنين، في صحيفة «الخليج» التي شرّفها سموه بعباراته الأسبوعية، فأضحى مجتمع الإمارة ينتظرها بشغف، للتزود بما تنطوي عليه من معلومات، وعلم، وثقافة، وتنوير بمعانٍ كثيرة، وإضاءات لخبايا وخفايا، وتذكير بأحداث طوتها الذاكرة، وأتت السنوات على بعض من تفاصيلها.
وربما في وصف مقالات سموه حال محال، فالكلمات عصيّة عن التعبير الحق المستحق لسموه، فما تجسده مفردات سموه الراقية ليست مجرد أدبيات لغة أو بلاغتها، وإنما إبحار في عالم يتخطى نطاق واقع الكتابة التقليدية المعتادة، إلى ما هو استثناء في ظاهره ومضمونه، فالحكي لدى سموه مختلف، والشرح والبيان مضيء بما تهفو النفس لمعرفته، والعقل لاكتشافه، والفكر للغوص فيه، وكشف طلاسمه.

بالمرور على بعض إبداعات سموه الأسبوعية، وفي مقتطفات منها، تتصدر مقالات سموه عن بعض قصص القرآن الكريم، وفي ذلك كان سموه قال في مداخلة هاتفية في برنامج «الخط المباشر» الذي يبث عبر أثير إذاعة وتلفزيون الشارقة: «أدعو الله أن يوفقني بإذنه تعالى في كتابة القصص الموجودة في القرآن الكريم، مع العلم بأنني عندما أكتب لا أخوض في تفاصيل شائكة، ولا أخرج عن نصوص الآيات الكريمة».
وأضاف سموه: «بإذن الله يتم نشر هذه الكتابات كل يوم اثنين أسبوعياً في صحيفة الخليج، وإن شاء الله ينتفع الناس بها، وتزيدهم رغبة في تدبر معاني القرآن الكريم والاستمتاع بما جاء في الكتاب الكريم من حكم، فجميع القصص المذكورة في القرآن الكريم ليست للتسلية، وإنما للإيمان وأخذ العظة والعبرة».
وواصل صاحب السمو حاكم الشارقة: «الكتابة عن القصص الموجودة في القرآن الكريم هي نهر من الحكم والمواعظ لا ينضب أبداً، فالقرآن الكريم به الكثير من القصص، ويجب على المفسر أن يعرف المعاني اللغوية والأحداث والتاريخ، ليتمكن من فهم القيمة الكامنة في كل قصة»
«فعلى سبيل المثال عندما نقرأ الآية رقم 83 من سورة الكهف، عندما قال الله سبحانه وتعالى:«وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ»، فإذا تساءلنا هنا من هم الذين يسألون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين؟ ولماذا يسألون؟، فسنجد أن اليهود هم الذين يسألون سيدنا محمد«صلى الله عليه وسلم»، على الرغم من أنهم يعرفون قصة ذي القرنين».
واستطرد صاحب السمو حاكم الشارقة قائلاً:«والآن بعد أن علمنا أنهم سألوا سيدنا محمد عن قصة ذي القرنين بالرغم من معرفتهم بها، سيصبح لدينا تساؤل آخر وهو «لماذا يسألون الرسول عنها وهم يعرفونها؟»، والإجابة هي أن سؤالهم للرسول عن قصة ذي القرنين كان «بمثابة اختبار وتحدٍّ»، فإذا كان محمد حقاً نبياً ورسولاً سيعرف هذه القصة التي لا يعرفها أحد غيرهم، حيث إن قصته تعود إلى 332 عاماً قبل الميلاد، وقد سافر وتنقل وذهب إلى السند والهند».
«وفي القرن الثاني قبل الميلاد كتب رجل يدعى «دانيال» عن ذي القرنين، -أطلقوا على كتاباته «سفر دانيال»-قال إن ذا القرنين كان ملك فارس، وهي معلومة خاطئة، فذو القرنين ليس بفارسي وإنما هو إغريقي، فعندما سأل اليهود سيدنا محمد عن قصة ذي القرنين في الوقت الذي إذا طُلِب فيه من أي إنسان أن يبحث ويأتي بقصة ذي القرنين لن يتمكن من معرفتها، أوحى الله عز وجل إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بقصة ذي القرنين كاملة كما جاءت في تاريخ الإغريق، وهذا من إعجاز القرآن».
«في الشندغة.. عشت ليالي وأياماً
ومن أحاديث الذاكرة، يمزج صاحب السمو حاكم الشارقة بين تاريخ الأيام العبقة، وتفاصيل واقعة عاشها سموه حينذاك، في مقالة له بعنوان «في الشندغة.. عشت ليالي وأياماً، وفيها يروي:«في شهر مارس من عام 1948، كنت جالساً في المخزن (مقر الإقامة) مع والدي، قبل ظهر ذلك اليوم، عندما دخلت والدتي علينا، وقد بان عليها الحزن، وهي تقول: «محمد... أمي حمدة عندي، تريد تسلم عليك».
والدي: «خلّيها تدخل»، دخلت علينا جدتي حمدة بنت علي الرميثي، ومعها حفيدها غانم بن ناصر المري وتناديه الشيبة، على اسم جدّه وجدّي غانم بن سالم الشامسي، جدتي: «السلام عليك يا محمد»، والدي: «وعليك السلام، أهلاً بحمدة، من هذا الولد؟!»
جدتي: «هذا غانم ولد بنتي عوشة، وأنا جئتك عن موضوع هذا الولد،
السالفة وما فيها أن عوشة مثل ما تعرف تزوجها ناصر المري من ديرة، وجابت هذا الولد، ما قدرت تعيش في ديرة، تطلّقت منه وتزوجها سيف بن ثالث، وأخذها لبيته، وبقي الولد عندي، وأنا التي ربيته، قبل ثلاثة أيام جاء عندي أبوه يريد يأخذ الولد.
أنا رفضت، والبارحة جاءنا مع رجل مسلّح في يده تفك، وقال: هذا من طرف الشيوخ. (تفك: كلمة فارسية وتعني بندقية، والبندقية: كلمة فارسية معربة عن كلمة فارسية: بندوق). جايب شخص بسلاح!!! يرضيك يا الشيخ محمد؟... امنعهم عني»، والدي: «ما أقدر»، جدتي: «أفا... أول مرة أسمع شيخ يقول ما أقدر!!!»، والدي: يضحك... «يا حمدة، دبي لها شيوخها يحكمون فيها، ونحن في الشارقة، وأمرنا فقط على الشارقة».
بكت جدتي، ودخلت علينا والدتي، جدتي: «هذا الولد يؤنسني، ما عندي حد»، والدي: «هذه بنتك مريم، إذا توافق تعطيك سلطان لمدة كم يوم، وستهدأ الأمور إن شاء الله»، والدتي: «أنا ما عندي مانع»، جدتي: «يالله بنسير عنكم، قوموا يا عيال»، والدي: «اصبري يا حمدة، السيارة ستوصلكم إلى دبي»، قام والدي ودفع بعض المال لجدتي حمدة، وأعطاني بعضاً من المال، بينما والدتي تحضّر بقشة فيها ملابسي، (بقشة: كلمة تركية بمعنى: صرة).
والدي: «سلطان، اذهب إلى السائق عبد الله بندري، وأخبره أن يحضر السيارة التي ستأخذكم إلى دبي»، بعد الغداء ركبنا السيارة، جدتي وغانم وأنا وانطلقت بنا إلى دبي، حتى إذا ما وصلنا مشارف ديرة وإذا بي أشاهد قلعة لها أرجل، قال عبد الله بندري، هذه مربعة أم الريول، وصلنا إلى موقف سيارات الأجرة، وأخذنا طريقنا إلى سوق ديرة، وكان أوله غير مسقوف، وبقيته مسقوفاً بسعف النخيل، حتى وصلنا رصيف العبرة، وكان مكاناً واسعاً حيث العبرات كلها على الرصيف.

ركبنا العبرة وأخذ العبار يجدّف في خور دبي، متجهاً إلى الجنوب الشرقي، كان ذلك أوسع مكان في خور دبي، فوصلنا إلى رصيف ضيق في بر دبي، حيث العبرات ملتصقة مع بعضها والمكان بعد الرصيف ضيق، وبه البانيان (طائفة من الهنود) يدخلون ويخرجون من السكة إلى يسار الرصيف، أما عن يمين الرصيف فكان سوق بر دبي.
بداية سوق بر دبي ضيقة ومسقوفة بسعف النخيل، ثم تنفتح فجأة على سوق واسع ومسقوف، إلى درجة أن أصحاب المحلات التجارية، كانوا يعرضون بضائعهم أمام محلاتهم على طاولات وضعت عليها أصناف من الفواكه والحلويات، يصل سوق بر دبي إلى سوق السمك الواقع على خور دبي على الضفة الجنوبية منه، عندها ينتهي السوق ونمشي في أرض مكشوفة، إلى يسارنا مبنى مستطيل تخرج منه أصوات متلاحقة: تكتك... تكتك... تكتك...»
التفتُّ إلى جدتي قائلاً: «ما هذا الصوت»؟!، قالت: «هذه مكينة الطحين، كل من يريد يطحن حبه، يجيبه هنا ويطحنون له»، إلى يميننا مبنى مربع عالٍ، قلت: وما هذا؟ قالت جدتي: «هذه مربعة مال الشيوخ»، وأمامنا بحر واسع، حتى إذا ما وصلنا أطرافه قلت: بحر... أين العبرة؟، ضحكت جدتي وضحك معها غانم، قالت جدتي: انظر إلى تلك المباني في آخر البحر، على قولك، تلك الشندغة، نحن نسكن هناك.
قلت: كيف نعبر هذا البحر؟! قالت جدتي: هذه تسمى الغبيبة، وإذا ارتفع البحر غطاها، وإذا انخفض نشفت، شوف أخوك غانم واعمل مثله.
خضنا ذلك البحر الذي وصل إلى ركبنا حتى وصلنا الشندغة، وإلى ذلك البيت الكبير، قلت: جدتي، هل هذا بيتكم؟!، قالت: هذا بيت الشيخ مبارك بن علي الشامسي، مررنا من خلفه إلى سكة ضيقة، معظم البيوت من سعف النخيل، وإلى يميننا مبنى بالجص، وفتحت جدتي باباً في تلك السكة ودخلت، ودخلنا خلفها إلى بيت به خيمة وعريش ومطبخ، كلها من السعف.
قلت لجدتي: هذا فقط بيتك؟!، قالت جدتي: «هذه جنتي، رائحة جدك، الله يرحمه، في هذا المكان».
«ثالثة الأثافي»
ويتذكر سموه في مقاله «ثالثة الأثافي» ماضي أيام دراسته في جامعة القاهرة، وارتباطه بالقراءة، واهتمامه بها، وحرصه على اقتناء الكتب في مختلف العلوم والمعارف، حيث كتب سموه «في نهاية عام 1965، كنت طالباً في السنة الدراسية الأولى في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، وقد وصلتها متأخراً عن بداية الدراسة، فلم أتعرف على الطلبة، ولم أكن من المترددين على مطعم الطلبة، حيث كان كخلية نحل، مزدحماً بالطلبة، أما الطالبات فكانت لهن استراحة الطالبات في الدور العلوي من المطعم.
وأنا أجول بنظري في الساحة المتوسطة لمباني الكلية، لمحت أن هناك بساطاً أخضرَ من الحشائش يمتد إلى سور الكلية وفي نهاية ذلك البساط الأخضر مبنى من خشب، يقال له: كُشك، كُتب على واجهته: «مكتبة الأنجلو المصرية»، في ذلك الكُشك جلس رجلٌ، مرتدياً ثوباً مما يلبسه المصريون والسودانيون، يقال له: القلابية، حيث تنقلب بين الخلف والأمام، ألقيت عليه التحية، وعرفته بنفسي قائلاً: «أنا الطالب سلطان بن محمد القاسمي من طلبة السنة الأولى».
قام ذلك الشخص، الجالس في وسط الكُشك، وحوله أرفف ملأى بالكتب وقال: أنا فكري كراس بخيت من مكتبة الأنجلو المصرية، قلت: المكان هادئ، مناسب للقراءة، قال: تطلب كتاباً معيّناً؟ قلت: أريد أن أعرف أسماء الكتب التي على الأرفف، قال: تفضل، وأدخلني إلى داخل الكُشك، وقرّب لي كرسياً كان قريباً منه، وهو يقول: اجلس، وأنا أحضر لك الكتب.
سأل فكري عن بلدي، وشرحت له مكانها على خريطة رسمتها على كشكول كان معي، وأعطيته تلك الورقة. وكلمة كشكول عربية، وتعني: وعاء المتسول، يضع فيه رزقه وهو خليط، كذلك الكراسة التي توضع فيها المعلومات، كنت أجلس في كُشك عم فكري كل يوم أكون فيه في الكلية، ولا أخرج من ذلك الكُشك، إلّا وأنا قد اشتريت من عنده كتاباً أو كتابين.
حدثني عم فكري عن صاحب مكتبة الأنجلو المصرية، الأستاذ صبحي جريس، الذي لاحظ أن مبيعات عم فكري قد زادت في الكتب الثقافية، وقد سأله عن سبب ذلك. أخبر عم فكري الأستاذ صبحي جريس عني، وأظهر له الورقة التي رسمت عليها خريطة الخليج العربي، وقال له: إنه من بلد يسمى الشارقة. طلب الأستاذ صبحي جريس من عم فكري أن يخبرني بأنه يريد أن يقابلني.
ويواصل سموه رواية مجريات الحديث بينه وبين فكري بخيت خلال الطريق إلى المكتبة، إلى قوله: في مكتبة الأنجلو المصرية، وقف الأستاذ صبحي جريس، بين أربعة حيطان عليها أرفف حافلة بالكتب، من الأرض إلى السقف، وبعد أن رحب بي الأستاذ صبحي جريس عرّفته على نفسي، وإذا به ينبهر بصبيّ في عمر الثالثة عشرة لديه مكتبة خاصة في ذلك العمر، وذلك الجزء من العالم، وذلك الوضع من الزمن.
أخذ الأستاذ صبحي جريس يفتح ينابيع المعرفة التي اكتنزها على مر السنين، وأنا أحاول أن أعرض عليه أن يدلني على الطريق الصحيح الذي أسلكه للوصول إلى أصول الثقافة والعلوم الأخرى المرافقة لها.
وقال الأستاذ صبحي جريس: من جانبي سأختار لك مجموعة من الكتب وسأرسلها مع فكري، أما الأماكن التي يجب أن تزورها فأنصحك أن تبدأ بالمجمع العلمي المصري فستجد الثقافة الفرنسية هناك. وسلمني رسالة إلى إدارة المجمع، كتب فيها: «يهمني أمره»، بدأت البحث عن الثقافة والمعرفة والتراث في جميع أماكنها في القاهرة، وعلى مدى خمس سنوات لم أترك مكاناً به معرفة إلّا وأقمت فيه ساعات من القراءة والبحث، بعد أن عدت إلى الشارقة لم تنقطع صلتي بالمجمع العلمي المصري وكذلك بمكتبة الأنجلو المصرية.


المجمع العلمي المصري
ويواصل سموه«كانت نيتي أن أكوّن مجمعاً شبيهاً بالمجمع المصري أو المعهد الفرنسي، فكان لي ما تمنيت، فقد جمعت عشرة آلاف كتاب على مدى عدة سنوات، وأطلقت عليه مجمع الشارقة العلمي. وقلت هو ثالثة الأثافي، والأثافي هي ثلاثة أحجار يوضع عليها القدر، ولو أزيح أي حجر ينقلب القدر.
في يوم شؤم، احترق المجمع العلمي المصري في القاهرة في مساء يوم السبت الموافق السابع عشر من شهر ديسمبر عام 2011، وإذا بي أصرخ من باريس: لا تجزعوا ولا تحزنوا فكل كتاب يحترق في المجمع لديّ نسخة مثله في مكتبتي.
قال بعضهم: يكذب... وقال آخرون: يبالغ، وقيل: يريد أن يُهدئ الناس.
حتى إذا ما اكتملت إعادة بناء المجمع العلمي المصري، التي لم تستغرق إلّا عدة أسابيع، تمّ شحن كتب مجمع الشارقة العلمي، ثالثة الأثافي، وكانت محتوياته عشرة آلاف كتاب، تحت سبعة آلاف وثمانمئة وثمانية وثمانين عنواناً، كما جاءت في فهرس كتب المجمع العلمي المصري في القاهرة».
«رغب بعض المسؤولين بوضع ختم «دارة الدكتور سلطان القاسمي»، على كل كتاب، فقلت: حسنة وفيها سيئة، للمصريين عليّ دَين، «لهم يدٌ سلفت ودَين مستحق»، فكانت الكتب كما كانت سابقاً، بعد أن تمّ شحن الكتب إلى القاهرة وتأكدت أنها وضعت على الأرفف في المجمع العلمي بالقاهرة، سارعت باقتناء نفس المجموعة المكوّنة لمجمع الشارقة العلمي سابقاً، بعد أن أمضيت في اقتنائها ثلاث عشرة سنة، لإقامة مجمع الشارقة العلمي، ثالثة الأثافي، الذي هو الآن تحت التأسيس».
«يا محاسن الصدف»
وتتجلي روح الطرافة، وخفة الظل في مقال لسموه بعنوان «يامحاسن الصدف» حيث يترجم العنوان المضمون، في الصدف الحسنة التي لعبت دوراً بتحقيق سموه رغبته في الالتحاق بكلية الزراعة جامعة القاهرة، ونيل مراده في ذلك، وفي مقتطفات منها كتب سموه: كانت الدراسة الثانوية في الإمارات والتابعة لدولة الكويت، قد قررت أن تكون الدراسة في القسم الأدبي بالشارقة، والقسم العلمي في دبي، وكنت من طلبة ثانوية دبي.
بعد أن أنهينا امتحانات السنة الرابعة من الثانوية في قسمها العلمي، في ثانوية الشويخ بالكويت في شهر يونيو عام 1965م، عدنا إلى الشارقة، حتى إذا ما قرب شهر سبتمبر من نفس السنة، تقرر سفرنا إلى الكويت بصرف تذاكر سفر من الشارقة إلى الكويت، لترتيب الدراسة الجامعية.
في الكويت، ذهبنا جميعاً إلى وزارة التربية والتعليم، وتم إعلام الطلبة كلهم بأنهم مقبولون في الجامعات المصرية، أما أنا فقد قال موظف البعثات: أما أنت يا سلطان، فقد تم قبولك في جامعة بغداد!!
وهنا ثارت ثائرتي، ورفعت صوتي، وقلت: في طلب الدراسة، كتبت: كلية الزراعة – جامعة القاهرة، كلية الزراعة – جامعة عين شمس، كلية الزراعة – جامعة الإسكندرية، ما الذي أتى ببغداد في طريقي؟
أرجعوا أوراقي من بغداد، قال موظف البعثات: أنا لا أستطيع، اذهب إلى وكيل الوزارة، قلت: أيّ وزارة؟ قال: وزارة التربية والتعليم لدولة الكويت، قلت: لا أعلم: لا اسمه ولا مكانه، قال موظف البعثات: معنا هنا في نفس المبنى، واسمه يعقوب يوسف الغنيم.
الاسم ليس بغريب عليّ، أدخَلوني مكتب وكيل الوزارة بعد الاستئذان للدخول عليه، وإذا به ينظر إليّ بتمعن، بعد أن ألقيت التحية، قال: سلطان؟؟ قلت: نعم، قال: لم أنسَ ذلك الموقف في نهاية عام 1960،
في نهاية عام 1959م، اختلفت مع قيادة حزب البعث في الكويت، فهددوني بتصفيتي، بعد أن هددتهم بكشف أسماء قيادة البعث في الكويت، وفي قطر، وفي الشارقة.
بعد محاولات الاعتداء عليّ (اقرأ كتاب سرد الذات، الصفحات 201-206)، قررت الهروب إلى السعودية، حيث لا وجود لهم هناك، فذهبت إلى دائرة المعارف في الكويت، لأخذ جواز سفري من هناك، فقابلت فيصل الصانع، والذي انهال عليّ بالشتم واللعن، ومما قال: لا بارك الله فيكم، نطعمكم ونكسوكم ونعلّمكم، وترفسون النعمة !!.
ونادى على يعقوب يوسف الغنيم، وقال: أعطه جواز سفره. (لم أكن أعلم أن فيصل الصانع، كان هو المسؤول عن البعثيين في ثانوية الشويخ).
كان يعقوب يوسف الغنيم، ومثل ما قدم لي اسمه، يسمع ذلك الصوت العالي من الشتم واللعن، فاعتذر لي، بعد أن عرف من أكون، وقال: لماذا تترك الدراسة؟
قلت: والدي مريض، وأريد زيارته، قال: «إذا احتجت لأيّ شيء تعال عندي»، وقد كتب اسمه في ورقة وأعطاني إياها، وفي مكتب وكيل وزارة التربية والتعليم، ذكّرت الأستاذ يعقوب يوسف الغنيم بعبارته الأخيرة: «إذا احتجت لأيّ شيء تعال عندي».
قال الأستاذ يعقوب يوسف الغنيم: نحن سنقوم بإرجاع الأوراق الخاصة بك من بغداد، ونرسلها إلى مصر حيث مكتب التنسيق والذي سيرد علينا، قلت: لكنني سأذهب إلى القاهرة، قال الأستاذ يعقوب يوسف الغنيم: سنصرف لك تذكرة سفر إلى القاهرة. فشكرته وقلت في نفسي: يا محاسن الصدف.


فطنة زعاب
وبعنوان «فطنة زعاب سكان الجزيرة الحمراء» جاءت مقالة لسموه، توضح ذكاء وحكمة الزعاب، وفيها روى سموه:«تقع الجزيرة الحمراء على بعد 10 أميال في جهة الجنوب الغربي من رأس الخيمة، ويبلغ محيطها أكثر من ميل تقريباً، كما أن عمق القنال في اتجاه الشمال الغربي، يبلغ عرضه نحو 75 ياردة بين الجزر، وهناك لسان من الأرض بنفس العرض يفصلها عن البحر، لا يتجاوز العمق 7 أقدام في ارتفاع الموج، ويبلغ العمق العادي لهذا الجزء من الساحل 5 أقدام».
أما في جهة الجنوب الشرقي، حيث يعمل القنال على فصلها عن البر الرئيسي، فيقدر عرضه بنحو ميل تقريباً، لكنّ هناك جزءاً ثانياً يبرز من الأخير عند الاقتراب لمسافة 72 ميلاً من الجانب الشمالي للمدينة.
في اليوم الثالث من شهر ديسمبر عام 1819م، هاجمت القوات البريطانية رأس الخيمة، ودمرتها بعد مقاومة استمرت 6 أيام، ثم انتقلت إلى الرمس، وبدأت بتحطيم حصونها وقلاعها وأبراجها، بعد ذلك انتقلت إلى ضاية التابعة للرمس.
في اليوم السادس عشر من شهر يناير عام 1820م، تم تكليف «توماس» «Thomas» ملازم، مهندس ميداني، بالذهاب إلى الجزيرة الحمراء على السفينة الحربية «سيجماوت» «sigma W/T» التابعة لشركة الهند الشرقية، ووصلت تلك السفينة إلى الجزيرة الحمراء في نفس اليوم.
تم إنزال الجنود على أرض الجزيرة من الناحيتين الشمالية والجنوبية، وحفر الجنود الخنادق، حتى إذا ما أعلن القائد الهجوم على البلدة، دخلها الجنود من الجهتين، وأخذوا طريقهم من خلال الطرقات الضيقة، وإذا بالكلاب الضالة تجري في تلك الطرقات فتلتقي مع الجنود، فيطلقون النار عليها فتهرب إلى الجهة الأخرى، فيطلق الجنود هناك عليها كذلك، وكل جهة من الجنود يظنون أن هناك مقاومة في المدينة، واستمروا حتى التقوا وجهاً لوجه، فتبين لهم أن المدينة خالية من البشر، كل ما فيها جدران خالية، وكلاب ضالة.
ضحك الجنود من تلك الهزالة التي وقعوا فيها، فما الذي حدث؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق