عقود الإذعان تدخل مجالات عديدة وأكثرها الاستهلاك والتأمين

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تفتقر إلى المساواة والمناقشة وتقتصر على القبول أو الرفض

تتنافى مع الأصل في العقود المتمثل بالحرية التعاقدية

تنشأ بإرادة منفردة للطرف القوي ولا خيار أمام الضعيف

تتنافى مع الأصل في العقود المتمثل بالحرية التعاقدية

خلصت دراسة نشرتها المجلة القانونية لهيئة التشريع والرأي القانوني إلى أن عقود الإذعان قد شملت العديد من مجالات التعاقد المختلفة، لكن الأكثر استعمالاً هي عقود الاستهلاك والتأمين، حيث تفتقر عقود الإذعان إلى الأصل القائمة عليه العقود، ألا وهو المساواة والمناقشة، فلا خيار أمام الطرف الضعيف إلا القبول أو الرفض.ووصفت الدراسة تلك العقود بأنها أقرب إلى القانون أو اللائحة منها إلى العقد، لأنها تنشأ بإرادة منفردة من قبل الموجب ويقتصر دور القابل على القبول فقط، في منافاة واضحة للأصل الحاكم في العقود المتمثل بالحرية التعاقدية في مناقشة مضمون العقد ممّا يترتب على ذلك اختلال التوازن التعاقدي بين العاقدين.الدراسة التي سطرها المستشار القانوني د.صالح الطباطيبي تحت عنوان «التدخل القضائي في تعديل الشروط التعسفية في عقود الإذعان» بدأت بالتنويه بظهور عقود الإذعان وما أثارته من جدل فقهي قضائي إزاء الاعتراف بها ابتداء بأنها من طائفة العقود التي تنشأ في نطاق الحرية التعاقدية أم لا، وانعكاس هذا الجدل على القول بجواز التدخل القضائي إزاءها من عدمه، وذلك عبر تمكين القاضي من تعديل ما تضمنه العقد من شروط تعسفية أو إلغائها.وأوضح الباحث أن عقود الإذعان تعدّ إحدى أكثر المواضيع حضوراً على الساحة القانونية والقضائية؛ نظراً للتطور الاقتصادي الهائل الذي آل إلى تغول الشركات الكبرى، التي تسعى بشكل حثيث إلى تحقيق مصالحها عبر الانفراد في تحديد طبيعة الشروط التي تتعاقد بها مع الأفراد، والذين يقتصر دورهم على القبول بها كما هي أو رفضها، في منافاة واضحة للأصل الحاكم في العقود المتمثل بالحرية التعاقدية في مناقشة مضمون العقد ممّا يترتب على ذلك اختلال التوازن التعاقدي بين العاقدين.وأشار إلى انقسام المشرعين والفقهاء في القول بمدى جواز تدخل القاضي في تعديل الشرط التعسفي إلى قسمين: الأول مؤيد لهذه السلطة الحمائية وآخر معارض لها، والسبب في هذا يرجع إلى عدم اتفاقهما على تحديد الطبيعة القانونية لهذه النوع من العقود، فالبعض ذهب إلى إضفاء الصبغة التعاقدية على هذا النوع من العقود، وآخرون نفوا ذلك عنها. واستند الذين ذهبوا إلى إنكار الصبغة القانونية على عقد الإذعان وأنها ليست بعقود قانونية حقيقية، على كونها لم تنشأ بتوافق وحرية بين المتعاقدين، على اعتبار القبول فيها ما هو إلا خضوع ورضوخ لإرادة الطرف القوي دون تكافؤ أو تساوٍ بين الإرادات.

«الإذعان» أقرب للقانون أو اللائحة

وتأسيساً على هذا الرأي، قال الباحث إن هذا النوع من المعاملات أقرب إلى القانون أو اللائحة منه إلى العقد، كونه ينشأ بإرادة منفردة من قبل الموجب ويقتصر دور القابل على القبول فقط ومن ثمّ يخضع إلى الأحكام المنظمة للائحة أو المركز القانوني، ولا يخضع إلى أحكام العقود سواء أكان بالتنفيذ أو التفسير أو غيرهما، وبرر أصحاب هذا الاتجاه ذلك بعمومية الإيجاب للكافة، وعنصر الإكراه الاقتصادي الذي يتمثل في التفوق والهيمنة والتي تمكن الطرف القوي من فرض شروطه التعاقدية، وهو ما يخرج المعاملة عن النطاق التعاقدي، وإن كان هذا الإكراه في حقيقته غير معيب للإرادة.

أغلب التشريعات أيدت حقيقية عقود الإذعان

بينما ذهب الاتجاه الثاني إلى إضفاء الصبغة العقدية على الإذعان، وبرروا ذلك بأن الإرادة التعاقدية تحققت بتوافق أطرافها، وهو المطلوب لصحة العقود. وقالوا إن المساواة المطلوبة في العقود هي المساواة من الناحية القانونية لا الاقتصادية، لأن القانون نفسه يفترض أن أحد طرفي العقد أضعف من الآخر، وأن عدم مناقشة أو تعديل الشروط لا يعني إهدار حرية الطرف الضعيف لأن يمتلك الرفض أو القبول، وهذا ما رسخته أغلبية التشريعات القانونية بتنظيمها عقود الإذعان على أساس أنها عقود حقيقية تسري عليها الأحكام المتعلقة بالعقود كافة، وأن ما يرد على حرية القابل لا يعدو أن يكون نوعاً من التباين الاقتصادي الذي لا أثر له على صحة التراضي، لأن حرية كل طرف متحققة.

الخلاف حول منح القاضي سلطة التعديل

وانعكس الاختلاف بين شراح القانون في تحديد الطبيعة القانونية لعقود الإذعان، على القول بمدى جواز تدخل القاضي إزاءها عن طريق تعديل الشروط التعسفية التي تضمنتها. وتمثل ذلك بين اتجاهين: مؤيد لهذه السلطة وآخر معارض لها.تعريف ومعايير الشروط التعسفيةوحول الاتجاه الأول الرافض لتدخل القاضي، فأوضح د.صالح الطباطيبي أن جانباً من شراح القانون - وهم بالأساس الرافضون لهذا النوع من العقود- قد ذهبوا إلى رفض ومعارضة منح القاضي سلطة التدخل إزاء عقود الإذعان، وانتقدوا توجه المشرع في التوسع في حماية الطرف المذعِن، من خلال منح القاضي سلطة تعديل الشروط التعاقدية، واعتبروا أن منح هذه السلطة يمثل خروجاً عن الحدود المألوفة للقاضي العادي؛ التي تتمثل في التفسير للبحث عن النية المشتركة بين المتعاقدين وإزالة ما يكتنفها من غموض لا أن تصل إلى حد تعديل الشرط التعسفي بإلغائه أو انتقاصه، وهذا ما يعد ضرباً لمبدأ الحرية التعاقدية وسلطان الإرادة، القائم على أن كل ما اتفق عليه المتعاقدان واجب النفاذ.كما اعتبروا أن إطلاق يد القاضي في التعديل من شأنه أن ينال من الاستقرار المطلوب للمعاملات، لأن المتعاقدين عندما يتعاقدان يعرض كل منهما الآثار التي ينتجها العقد، من ثم يعرف كل متعاقد حقوقه وواجباته، وتدخل القاضي من شأنه اضطراب المعاملات.ولفت الرافضون لتدخل القاضي إلى أن التشريعات قد خلت من تحديد ماهية الشروط التعسفية ومعاييرها وآلية إعمال القاضي لها وتدخله في مواجهتها، وهذا من شأنه أن ينتج عنه تضارب الحلول والتوجيهات القضائية في مواجهة الشروط التعسفية.

توجه المشرع لحماية الطرف الضعيف

على الجانب الآخر، أشار الباحث إلى ما اعتبره المؤيدون لتدخل القاضي في تعديل الشروط التعسفية في عقود الإذعان، بأن توجه المُشرع في حماية الطرف الضعيف يتماشى مع التطورات التشريعية التي تحاول استيعاب التطورات الاقتصادية والاجتماعية في العصر الحديث، وقالوا: «ولئن كان السماح بتدخل القاضي يمثل خروجاً عن القواعد العامة المرسومة له، فإن المُشرع هو صاحب الحق في تقدير ضروريات الخروج عن هذه الأحكام والقواعد وفقا لتقديره للمستجدات التي تقتضي ذلك، فخضوع المذعن لشروط الموجب دون مناقشة يعتبر مبرراً لخروج القاضي عن هذه القواعد، وأن صاحب كلمة الفصل في فرض هذه الحماية هو المُشرع، الذي رسّخ هذه الحماية التشريعية وليس القاضي الذي تقتصر مهمته على تفعيل هذه الحماية وتطبيقها عند الحاجة إليها وتحقق مقتضاها.وأضاف: «لفت المؤيدون لتدخل القاضي إلى أن الاختلال في العقد وقع قبل تدخل القاضي، وما تدخله إلا بغية إعادته إلى الوضع الطبيعي الذي يجب أن يكون فيه، وذلك من خلال رفع صفة التعسف التي شابت الشروط. أما القول بأن تدخل القاضي في تعديل الشرط التعسفي من شأنه أن يؤدي إلى اضطراب المعاملات، فهذا مناقض ومنافٍ للأساس الذي تقوم عليه العلاقات التعاقدية التي مبناها العلاقة الاقتصادية، والمتمثل في المبادئ الأخلاقية من حسن النية والعدالة التي يجب أن تسود العقود، ورد المتعاقدين إليها في حال انحرافهم عنها حتى وإن وافقوا عليها عند الإنشاء.وخلص الباحث إلى أن عقود الإذعان شملت العديد من مجالات التعاقد المختلفة، ولم تنحصر في نموذج دون الآخر، وإن كان الميدان الحقيقي لها والأكثر استعمالاً هي عقود الاستهلاك والتأمين.وقال إن التطور الاقتصادي يعد العامل الأبرز في ظهور هذا النوع من العقود، إلى جانب عوامل أخرى ساهمت في ذلك، حيث تفتقر عقود الإذعان إلى الأصل القائم عليها العقود ألا وهو المساواة والمناقشة، فلا خيار أما الطرف الضعيف إلا القبول أو الرفض دون مناقشة، مما أوجب على التشريعات القانونية تدخل القاضي إزاءها في محاولة لجبر هذا الأصل بإعادة التوازن التعاقدي إلى حالته الطبيعة المقبولة قدر المستطاع.

حماية سلطة القاضي في التدخل

وأشار الباحث إلى خلو التشريعات القانونية في بعض الدول من بيان ماهية الشرط التعسفي وأنواعه، ممّا سمح بالاجتهاد القضائي والفقهي؛ والذي آل بدوره إلى اختلاف معايير التمييز بين الشروط التعاقدية، ومن ثم لا يوجد ما يمنع القاضي من الاختيار فيما بينها لعدم وجود ما يلزمه باتباع معيار دون آخر.كما بين وجود تعدد لصور التدخل القضائي إزاء التعامل مع الشرط التعسفي، إمّا بالإلغاء أو التعديل وذلك وفقاً لمدى تعسفية الشرط من عدمه، وإحاطة التشريعات القانونية المنظمة لعقود الإذعان سلطة القاضي بحماية من السلب، وذلك باعتبارها من قبيل النظام العام الذي لا يجوز للمتعاقدين الاتفاق على استبعادها، وذلك سعياً لتحقيق الغاية من وراء إقرار هذه السلطة، وإلا كان إقرارها شكلياً يسهل استبعادها عبر تضمين العقد يمنع من تدخل القاضي في تعديل العقد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق