يتجاهل تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي دعا فيه إلى نقل سكان غزة إلى مصر والأردن «بشكل مؤقت أو طويل الأجل» الوضع المأزوم الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط منذ أكتوبر ٢٠٢٣ والذي يضعها على برميل من البارود يمكن أن ينفجر في أي لحظة.
ناهيك أن الأمر يتجاهل الحقائق التاريخية للشعب الفلسطيني ويتناقض مع تصريحات ترامب نفسها التي بدا فيها أنه لا يريد للمنطقة أن تذهب باتجاه حرب واسعة أو حتى محدودة.
ورغم أن هذا الطرح الذي يبدو غير قابل للتنفيذ إلا أن تكراره من قبل أمريكا وبالتحديد من قبل ترامب يرسخ لفكرة التهجير القسري كخيار مشروع ضمن الخطاب السياسي الغربي، ما قد يمنح إسرائيل غطاء دوليا، جديدا، لمحاولة فرض واقع جديد على الأرض.
وهذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها التهجير كحل للقضية الفلسطينية بل إن الفكرة تشكل العمود الفقري للمشروع الصهيوني منذ تأسيسه، ففي عام 1948، تم تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني قسرا خلال نكبة فلسطين، حيث كانت الفكرة السائدة لدى قادة الحركة الصهيونية آنذاك أن الاستيلاء على الأرض يتطلب التخلص من سكانها الأصليين. لاحقًا، في عام 1967، شهدت الضفة الغربية وقطاع غزة موجة نزوح جديدة عقب احتلال إسرائيل للمناطق الفلسطينية.
بالتالي، يأتي تصريح ترامب امتدادا للفكر الاستيطاني الاستعماري الذي يسعى لتفريغ فلسطين من سكانها الأصليين، ما يعيد إلى الأذهان خططا مشابهة طرحها سياسيون إسرائيليون متطرفون على مر العقود، مثل خطة موشيه ديان بعد حرب 1967، الذي كان يهدف إلى دفع الفلسطينيين نحو الأردن وتحويل المملكة الأردنية إلى «الوطن البديل».
وإذا كان ترامب قد تبنى سياسات منحازة لإسرائيل خلال ولايته الأولى، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، فإن تصريحه الجديد يتماشى مع خطه السياسي الساعي لتصفية القضية الفلسطينية. فهو، بهذا الطرح، يتماهى مع اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يرى في تهجير الفلسطينيين حلاً نهائيًّا للقضية، بدلاً من البحث عن تسوية سياسية عادلة. ولذلك سارع وزير المالية الإسرائيلي المتطرف سموتريتش لتأييد تصريح ترامب واعتباره «فكرة رائعة».
وتكمن خطورة تصريح ترامب في أنه بادر أمس إلى الإفراج عن شحنة القنابل التي تزن ألفي رطل والتي كان قد جمدها بايدن في وقت لا تبدو فيه إسرائيل في حاجة إلى هذه الشحنة إذا كانت جادة في استمرار وقف إطلاق النار.
لا يمكن فصل تصريحات ترامب المستفزة للفلسطينيين وللعرب بشكل عام عن المخططات الإسرائيلية المستمرة لتهويد الضفة الغربية وتوسيع المستوطنات، حيث إن أي تهجير لسكان غزة لن يكون سوى خطوة نحو مخطط أكبر يهدف إلى التخلص من كل الوجود الفلسطيني بين النهر والبحر. كما أن فكرة التهجير تأتي بعد تدمير كل البنى الأساسية في قطاع غزة وجعلها أرضا غير قابلة للحياة وبعد إبادة أكثر من ٤٧ ألف فلسطيني ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين؛ ولذلك فإن تصريح ترامب يبدو نتيجة متناسقة مع ما أحدثه الاحتلال في قطاع غزة وتمهيدا لهذا السيناريو الذي سيضغط ترامب من أجله على دول عربية.
وتدرك الدول العربية بما في ذلك مصر والأردن أن تنفيذ هذا السيناريو يعني انفجار الأوضاع داخليا وتهديدا مباشرا لاستقرارهما. كما أن قبول مثل هذا الطرح يعني إنهاء القضية الفلسطينية كليا، وتحويل اللاجئين إلى مشكلة عربية داخلية، بدلا من إبقاء التركيز على الاحتلال الإسرائيلي كجذر المشكلة.
لكن الثابت عبر تاريخ القضية الفلسطينية أن مثل هذه التصريحات سواء صدرت من ترامب أو من اليمين الإسرائيلي، لن تؤدي إلا إلى المزيد من تعميق الصراع. فالشعب الفلسطيني أثبت، على مدار 75 عامًا من النكبات والاحتلال، أن محاولات اقتلاعه لن تنجح، وأن وجوده في أرضه هو معركة وجود لا تقبل المساومة؛ لذلك، فإن الرد الحقيقي على مثل هذه الطروحات يجب أن يكون بتعزيز الصمود الفلسطيني، ودعم مقاومته، وعدم السماح بتمرير أي مشروع يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية تحت أي مسمى.
0 تعليق