يُعدّ اعتماد منظمة الصحة العالمية محافظة العاصمة كأول محافظة صحية على مستوى إقليم شرق المتوسط إنجازاً دولياً مشرقاً ومشرّفاً لمملكة البحرين. وجهود مباركة تُشكر عليها كافة الأطراف الحكومية على رأسها وزارة الداخلية ممثّلةً بمحافظة العاصمة ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين من أجل الرّقي بجودة حياة الإنسان البحريني.
وتعود بدايات هذا المشروع الإنساني النبيل، عندما أطلقت منظمة الصحة العالمية برنامج المُدن الصحية عام 1986 بهدف تحسين الحالة الصحية لسكان العالم، من خلال تنسيق الجهود الحكومية والمجتمعية لتحقيق العدالة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية بشكل متكامل عبر خدمات صحة البيئة وتحسين واستغلال الموارد والحفاظ عليها بالشكل الأمثل لجودة حياة أفضل للبشر عبر تنمية مستدامة.
وعلى المستوى الوطني سعت مملكة البحرين لمواكبة إجراءات منظمة الصحة العالمية عبر تطبيق إجراءات واشتراطات برنامج المُدن الصحية، حيث قامت وزارة الداخلية بمتابعة تنفيذ التوجيهات الحكومية من خلال تكليف المحافظات التي تعتبر الواجهة الاجتماعية المعنية بتطبيق هذه الإجراءات، وبدورها قامت محافظة العاصمة بتوقيع مذكرات التفاهم المشتركة مع منظمة الصحة العالمية في شهر مارس 2018 متدرّجة بإجراءات تنفيذية من خلال تطبيق برنامج المنامة مدينة صحية لتنتقل في مراحل تنفيذ هذا البرنامج على ضواحي المنامة، مثل أم الحصم التي حقّقت ما يقارب 80% من المعايير المطلوبة، مما أدى إلى اعتمادها منطقة صحية في العام 2018، فيما أحرزت المنامة لقب مدينة صحية في عام 2021 لتتوّج محافظة العاصمة هذه الأعمال بتحقيق العاصمة محافظة صحية في يوليو 2023.
إن هذا الاعتماد الدولي لاختيار العاصمة محافظة صحية جاء بعد إحراز مقومات رئيسية تاريخية وجغرافية وديموغرافية، فضلاً عن عراقة وشمولية البنى التحتية الملائمة من طرق وشوارع وصرف صحي وإنارة وخدمات صحية، وغيرها الكثير من الخدمات المتقدمة، والموزعة توزيعاً جغرافياً صحيحاً يغطي كافة الاحتياجات الأساسية لسكان محافظة العاصمة، فضلاً عن وجود المقومات الفرعية الأخرى من حدائق عامة ومماشٍ ومسطحات خضراء وسواحل عامة ومشاريع بيئية تحد من التلوث، وكذلك وجود الأندية الرياضية والمراكز الثقافية والاجتماعية والشبابية التي تدعم التوجيه والإرشاد والتوعية الصحية لمجتمع مستقر.
إننا نرى بأن إجراءات التنمية المستدامة لبرنامج المُدن الصحية يجب أن تشمل بشكل أكبر الضواحي والقرى والمناطق الريفية بمحافظة العاصمة كونها المناطق الأقل حداثة، مما يحتاج لمزيد من الجهود والمبادرات على مستوى النظام البيئي من حيث زيادة أعمال النظافة العامة وإنشاء المراكز الصحية والاجتماعية لاحتواء الزيادة السكانية والامتدادات العمرانية والعمرية، وخصوصاً فئة المتقاعدين وكبار السن، كما تحتاج هذه المناطق لبرامج فاعلة من حيث تعزيز وتحسين بيئة السكن لاسيما من خلال إعادة إحياء مشروع برنامج تنمية المُدن والقرى عبر إيجاد مصادر جديدة لتمويل مشاريع الترميم وبناء الإضافات السكنية للأُسر المعوزة ذات الدخل المحدود التي قد يعاني العديد منها من عدم ملاءمة مساكنها مع الظروف البيئية عند سقوط الأمطار أو ارتفاع درجات الحرارة، كما يجب أن تشمل هذه الإجراءات مبادرات دعم مشروع التوظيف الوطني لأبناء محافظة العاصمة من خلال التنسيق مع مؤسسات القطاع الخاص التي يتركّز معظمها في محافظة العاصمة لتكون أولوية التوظيف للباحثين عن العمل من أبناء القرى القريبة من هذه المشاريع والشركات، خصوصاً وأن نسبهم مرتفعة وفقاً للمؤشرات، كما ونأمل بأن تشمل إجراءات المُدن الصحية تسويق ودعم الأُسر المنتجة لضمان حياة كريمة لها ولأبنائها، بما يعزّز من تمكينها اقتصادياً وتنموياً ضمن بيئة آمنة ومستقرة.
وإننا نتطلّع لأن تمتد شمولية هذه المعايير الصحية، بجميع اشتراطاتها، كافة أرجاء محافظة العاصمة بمدنها وقراها ضمن الخطط الاستراتيجية التي تنتهجها محافظة العاصمة الضالعة في مجال الأخذ بالتنمية المستدامة الشامل، آملين أن تتكلّل كل هذه المساعي بالنجاح نحو مزيدٍ من العمل المستدام لتحسين جودة حياة الناس بمملكتنا الغالية.
0 تعليق