وسائل التواصل الاجتماعي وعبودية التكنولوجيا

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قبل أيام نشرت جريدة "الوطن" تقريراً مثيراً حول أعداد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي في العالم العربي، ومن ضمنها مملكة البحرين، ولا أخفيكم أنها صادمة بالنسبة لي، خصوصاً فيما يتعلق بالبحرين، مع وجود أكثر من 1.45 مليون حساب نشط على مختلف منصات التواصل الاجتماعي.

حين نطالع الأرقام المذهلة في العالم العربي، ندرك أن هذه المنصات لم تعد مجرد أداة تقنية، بل تحولت إلى جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، بل وربما أصبحت حياة بحد ذاتها، فقد أشار التقرير إلى أن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة بلغ 274 مليون مستخدم، وهو رقم يمثل أكثر من نصف سكان العالم العربي، مع تصدر مصر القائمة بـ 42 مليون مستخدم.

لكن خلف هذه الأرقام المبهرة قصة أخرى أكثر تعقيداً؛ حيث لم تقتصر آثار وسائل التواصل الاجتماعي على نقل الأخبار أو مشاركة الصور، بل امتدت لتشكل أسلوب حياة جديد، فقد أصبحت هذه المنصات لدى الكثيرين البديل للحياة الاجتماعية والعائلية، حيث حلت مكالمة ورسائل "واتساب" محل زيارة حقيقية، وتحولت تهنئة الأعياد إلى مجرد ملصق رمزي (إيموجي) لا يكلف سوى ضغطة زر.

وفي الحقيقة، ومع تعاملي لسنوات طويلة مع منصات التواصل، لا يمكنني أن أنكر أن هذه المنصات قد قربت البعيد، وجعلت العالم قرية صغيرة، لكن هل كنا نتوقع أن تجعلنا أيضاً غرباء في منازلنا؟ لقد باتت الشاشات الصغيرة تأخذ الأولوية حتى عند اجتماع الأسرة على طاولة الطعام، وأصبحت أحاديث كثير من العائلات محاصرة بين إشعارات التطبيقات والتنبيهات.

وللأسف الشديد؛ فإن الجيل الجديد الذي ينشأ اليوم يختلف تماماً عما عشناه وتعلمناه من خلال علاقاتنا الاجتماعية، فأطفال اليوم يتعلمون عاداتهم وتقاليدهم من مقاطع "تيك توك" ومنشورات "إنستغرام"، بدلاً من الجلوس مع الجد أو الجدة والاستماع إلى القصص التي تحمل تجارب وحكمة الماضي، فهم يعيشون اليوم تجاربهم الأولى من خلال الشاشات، بدلاً من لمس الأشياء واكتشافها بأنفسهم.

هذه الأرقام والحقائق تجعلنا نتساءل؛ هل فقدنا شيئاً على الطريق؟ نعم، وسائل التواصل الاجتماعي وسعت مداركنا، لكنها أيضاً سلبت منا جزءاً من إنسانيتنا، فقد أصبحنا أسرى هذه المنصات، نقيم حياتنا بعدد الإعجابات ونقيس سعادتنا بعدد المتابعين.

قد يكون الحل بين أيدينا إذا ما عزمنا على أن نعيد التوازن إلى حياتنا، فكل ما علينا هو تخصيص وقت لنعيد اكتشاف العلاقات الحقيقية بعيداً عن الشاشات، وأن نمنح أطفالنا الفرصة ليعيشوا طفولتهم بعيداً عن عبودية التكنولوجيا.

الأرقام لا تكذب، لكنها أيضاً لا تحكي القصة كاملة؛ وبين نمو أعداد المستخدمين وانكماش العلاقات الإنسانية، علينا أن نختار كيف نكتب قصتنا مع وسائل التواصل الاجتماعي، وأن نضمن أن يكون لها نهاية أكثر دفئاً وحقيقية من رموز "إيموجي" جامدة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق