أُشفق على "أحمد الشرع" في محاولاته لإرضاء الجميع في ذات الوقت، المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي، خاصة وأن هذه الجهات الثلاث تتقاطع طلباتها أحياناً وتتباعد بل تصل إلى حد التناقض مع بعضها.
فكيف له أن يجمع بين إرضاء الفصائل المتشدّدة ضمن أعضاء الهيئة، ومنهم من قاتل إلى جانبه، ومات من مات وهم يحررون الشام من النظام السابق أي له دَيْن في رقبة الشرع؟ كيف له أن يتجاهل رغباتهم في تطبيق أفكارهم وهم يقفون على الحد الأقصى من التشدّد حيث نشر الدعوة بين المسيحيين بطريقتهم المتشددة، وحيث شرطة الأخلاق تدور وتنصب محاكم للتفتيش، وحيث قمع الحريات الشخصية بما يتناقض تماماً مع رغبات شرائح محلية كبيرة من السوريين، وكذلك تتناقض مع القبول الدولي والإقليمي لتعترف به نظاماً وتمنحه الشرعية التي يحتاجها.
يحاول "أحمد الشرع" أن يقدّم نفسه كمعتدل، يجمع ويُقرّب ويُرضي هذين الطرفين معاً رغم استحالة الجمع، فيقابل النساء بلا حجاب لكنه لا يُسلّم عليهنّ، من جهة هو لم يرغم أي امرأة على ارتداء ما لا ترغب فيه، ومن جهة أرضى الجهة الثانية بأنه لم يلامس امرأة.
المشكلة أن هذه المواقف التي وضعها الإعلام -عربياً كان أم أجنبياً- كمؤشر على طبيعة الحكم على النظام الجديد لا قيمة لها كمؤشر فعّال، فهي شكليات لا تُحدّد طبيعة النظام، فما المهم إن سَلّم "الشرع" على النساء باليد أم لم يُسلّم؟ تلك أمور شكلية وقناعات شخصية، إنما ما يعني المجتمع الدولي، بما فيه العربي، هو كيف سيتعامل مع أحكام شرعية -مختلف عليها- كالحاكمية؟ كيف ستكون علاقته بالقوانين الدولية؟ بالتنمية؟ باحترام السيادة للدول الأخرى كما هي احترام الحريات الشخصية للسوريين؟ هل سيتصرّف كدولة تحترم تلك القواعد؟ أم سيتصرّف كجماعة وميليشيات مقاتلة تُعطي نفسها الحق بالتدخل في شؤون الدول الأخرى؟ والفرق كبير بينهما، هذه هي المؤشرات الأهم في الحكم على النظام الجديد.
هل يستطيع الشرع أن يكبح جماح تلك الفصائل التي تمتحنه يومياً في سلوكياتها، فتلامس العديد -من المختلف عليه- مع بقية الشرائح السورية؟
شرطة الأخلاق التي تجوب الشوارع وتتدخل في الحريات الشخصية، الإساءة لدول الجوار والإضرار بمصالحهم، التحرّك وفقاً للاهتمامات الفردية للعديد من المقاتلين الأجانب كالمصريين، كما فعل ابن القرضاوي من داخل سوريا، وكما فعل المنصوري أيضاً من داخل سوريا مهاجمين مصر والدول العربية، مما عَرّض المصالح السورية للخطر.
هل يستطيع الشرع كبح الأجانب من المقاتلين ومصالحهم الخاصة والمتباعدة وتسخيرهم جميعاً لخدمة سوريا فقط حتى وإن تعارضت هذه المصلحة مع أهدافهم؟
هل يستطيع أن يستمهل تركيا في طلباتها الملحّة بتجريد القوات الكردية من السلاح؟ هل يتمكّن من إقناعها بأن تمنحه الوقت الكافي للتعامل مع هذه المشكلة السورية وكقضية ثانوية، لأنه منشغل الآن مع الداخل السوري الذي بدأ بمطالباته بعد أن انتهت مرحلة الاحتفالات؟
هل يتمكّن من التوازن بين إرضاء الخارج وكسب الشرعية منه مع إرضاء الداخل وكسب الشرعية منه أيضاً، خاصة وأن إرضاء الخارج سيعني رفع العقوبات مما سيُساهم في تمكين سوريا من التعافي الاقتصادي بشكل أسرع؟
أم إن ضغوط الداخل ستحول بينه وبين خططه التي رسمها للتعاطي الدولي، ها هو يثير غضب الداخل من الآلاف من أُسر المفقودين الذين غضبوا لأنه استقبل أُسرة الصحفي الأمريكي المفقود؟!
الشرع يعمل في هذه المرحلة كالعنكبوت الذي يمد أذرعه لجهات متعاكسة تماماً محاولاً الإمساك بهذه الخيوط المتناقضة، وإفلات أي خيط من هذه الخيوط يعني أزمة كبيرة تهدّد شرعيته، فتناقض المطالبات أزمة حقيقية يواجهها الشرع، ولا يستطيع أن يرضيها أو يهدّئ من إلحاحها إلا اثنان، لاعب سياسي فذ، أو ساحر سياسي فذ.
0 تعليق