بين الثقب المالي الأسود والأمن الوطني

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في سياق المشهد الاقتصادي العالمي الهش، تضطر العديد من البلدان إلى معالجة عجزها المالي، الذي يتفاقم غالباً بسبب السياسات المالية غير الفعّالة، من خلال زيادة مصادر الإيرادات غير النفطية عبر زيادة الرسوم والضرائب. ويتجاوز هذا التحول مجرد استراتيجية مالية؛ فهو ضرورة سياسية تحمل آثاراً كبيرة على الأمن الوطني والاستقرار الاجتماعي. وتواجه البلدان التي تعتمد اقتصاداتها تاريخيا على النفط وأطرها المالية غير الفاعلة حقيقة مروعة: الديون العامة المرتفعة وتدهور التصنيفات الائتمانية التي تحبسها في موقف هش. والقرارات التي تتخذها ــ وخاصة فيما يتصل بفرض رسوم وضرائب جديدة ــ قد تؤدي إما إلى تعميق الأزمات القائمة من خلال إجهاد النسيج الاجتماعي وإثارة الاضطرابات العامة، أو تؤدي إلى الإصلاح النظامي الذي تشتد الحاجة إليه والذي يعزز الاستقرار والمرونة.

ويشكل هذا التحول تهديداً كبيراً للعقد الاجتماعي، حيث تكافح الحكومات مع معضلة زيادة الضرائب أو خفض الإعانات والمزايا الاجتماعية. ولابد من موازنة الحاجة الملحة إلى تحقيق الاستقرار المالي مع العواقب المحتملة على الفئات السكانية الأكثر ضعفاً، والتي تعاني بالفعل من ارتفاع التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة. ويؤثر عبء هذه التدابير المالية بشكل غير متناسب على الطبقات المتوسطة والدنيا، مما يؤدي إلى إشعال فتيل السخط الاجتماعي وتآكل الثقة في المؤسسات السياسية.

وعلاوة على ذلك، تلجأ البلدان المتورطة في الديون المرتفعة في كثير من الأحيان إلى تصفية الأصول الوطنية ــ وهو حل قصير الأجل يعرض الثروة الوطنية وسلامة البنية الأساسية والسيادة للخطر في الأمد البعيد. ولا تؤدي مثل هذه الإجراءات إلى تعميق التفاوتات المجتمعية فحسب، بل وتقوض أيضاً أسس التماسك الاجتماعي. ومع استمرار اهتزاز الاقتصاد العالمي بفعل التوترات والصراعات الجيوسياسية، فمن الضروري أن تعيد الحكومات تقييم سياساتها المالية. فقد تعمل الاستراتيجيات التي وعدت بها ذات يوم بالاستقرار تكون الآن كمقدمات لمزيد من الاضطرابات.

ولكي نتمكن من الإبحار في هذه المياه المضطربة، فإن اتباع نهج أكثر تنوعاً في الإصلاح الاقتصادي أمر ضروري. ويتعين على البلدان أن تعطي الأولوية للتنويع الاقتصادي، وتعزيز قطاعات مثل التكنولوجيا والصناعات التحويلية، مع تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص في الوقت نفسه لتحفيز الابتكار والاستثمار. ومن الأهمية بمكان تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الفئات الأكثر ضعفا، بدلاً من اللجوء إلى تدابير التقشف التي تؤدي إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية وتهدد الأمن.

الخلاصة

إن الاعتماد بشكل كبير على الإيرادات غير النفطية لمعالجة الفجوات المالية بسرعة يشبه الانزلاق إلى حفرة مالية سوداء ــ وهو نهج خطير يهدد بدفع الاقتصادات إلى حلقة من الأزمات المتكررة. وفي حين قد تتعافى المجتمعات من الإخفاقات السياسية، فإن هشاشة سبل العيش تعمل كمؤشر خطر حاسم، مما قد يدق ناقوس الخطر بشأن الأمن الداخلي والسياسي. وفي البيئة العالمية غير المتوقعة اليوم، يتعين على الدول أن تتبنى استراتيجيات متوازنة ومبتكرة تعزز النمو الاقتصادي المستدام، وتصون الاستقرار الاجتماعي. ومن خلال معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار المالي والتركيز على المرونة في الأمد البعيد، تستطيع البلدان أن تتجنب المزالق قصيرة الأجل، وتبني مستقبلاً آمناً ومزدهراً لمواطنيها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق