من "تيك توك" إلى الرسوم الجمركية.. ما الذي يسعى إليه ترامب؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
مايكل شيريدان – (الإندبندنت) 27/1/2025

العلاقات الصينية - الأميركية شائكة وبالغة الأهمية. فهل يتجه الرئيس الأميركي العائد إلى التصعيد أم ينجح في انتزاع مكاسب في لعبة شد الحبال مع الصين؟ وكيف سينسجم الزعيمان الأقوى في العالم ويتعاملان مع بعضهما بعضاً؟ تشير لقاءاتهما المباشرة السابقة إلى أن ذلك لن يكون سهلاً.اضافة اعلان
                            *   *   *
إلى أي مدى ينسجم دونالد ترامب وشي جينبينغ؟ لا شك في أن العلاقة الأكثر أهمية في العالم هي تلك بين أميركا والصين. وهي في أيدي رجلين قويين في السبعينيات من عمريهما، لكنهما مثال على التباين. وستحدد تصرفاتهما مسار الأحداث خلال الأعوام الأربع المقبلة، بدءاً من "تيك توك" وانتهاء بالتجارة، والرسوم الجمركية، والتكنولوجيا، والحرب والسلام.
شي جينبينغ هو ماركسي مدرب على الانضباط الحزبي، ومحصن من الإغراءات وحذر للغاية، ومصمم على تحقيق أهداف حددت في اجتماعات مغلقة خلف الجدران القرمزية في بكين. وهو ليس رجلاً يقدم على التفاوض بعشوائية. أما ترامب، فهو ترامب، ببساطة.
قال الرئيس الأميركي السابع والأربعون الأسبوع الماضي: "أنا أحب الرئيس شي كثيراً. لطالما أحببته. كثيراً ما ربطتنا علاقة جيدة جداً. توترت العلاقة بالطبع عندما انطلق (كوفيد) من ووهان. هذا بالطبع ألقى بظلاله على العلاقة".
لكن الرئيس أضاف كلمات قد تزعج بعض رموز حكومته المتشددين تجاه الصين: "يمكنني قول أن علاقة رائعة كثيراً ما ربطتنا، ونحن نتطلع إلى تحقيق نجاح كبير مع الصين وإقامة علاقات جيدة معها".
أما أفكار الزعيم الشيوعي الصيني حول قطب التطوير العقاري السابق في نيويورك، فلم يكشف عنها للعالم. لكن ثمة أوجه شبه بين الرجلين. فقد ترعرع كل منهما في ظروف مميزة. ولد شي في كنف السلطة، وترامب في كنف الثراء. وكان كل منهما ابناً لأب مستبد ونشأ بين إخوة متنافسين. لكن وجه الشبه بين طفولتيهما ينتهي عند هذا الحد.
تعرض والد شي إلى حملة تطهير سياسي تضمنت الإقصاء السياسي والاضطهاد، ونالت عائلته نصيبها من الإهانة. وتعرض شي نفسه للضرب والإذلال والسجن والنفي خلال أعوام مراهقته المبكرة إلى قرية بعيدة، حيث عمل في الحقول وعاش في كهف، واعتمد على نظام غذائي قروي بسيط للبقاء على قيد الحياة.
في حين كان ترامب الشاب يخوض حياة الليل في مانهاتن، كان خصمه الصيني يخرج ببطء من البؤس ليشق طريقه نحو سلم السلطة، بدءاً بالحصول على مقعد في جامعة، ثم العمل تحت إشراف رأس منظومة الدفاع في الصين، وأخيراً قضاء أعوام طويلة في المناطق النائية خلال صعوده نحو قمة السلطة.
القادة الصينيون معتادون على "تجرع المرارة"، على حد وصف شي نفسه. ويشعرون بدهشة ترتسم على وجوههم عند التعامل مع سياسيين غربيين لم يواجهوا صعوبات تذكر.
عندما زار باراك أوباما بكين للمرة الأولى، واجه صعوبة في كسب احترام المكتب السياسي الصيني الذي رأى فيه مجرد شخص نال عضوية مجلس الشيوخ الأميركي لفترة واحدة عن ولاية إلينوي، وكانت جعبته خاوية من أي خبرة سابقة في المناصب العليا. وقد ارتكب المكتب خطأ كبيراً. كان أوباما، وليس ترامب، هو الذي غيّر دفة ومسار السياسة الأميركية لمواجهة الصين، لكنه فعل ذلك بلا ضجيج.
كان يمكن أن ينسجم شي جينبينغ بصورة أفضل مع جو بايدن. وقد التقى الرجلان ما لا يقل عن ثماني مرات بين العامين 2011 و2023. لكن بايدن عاد إلى واشنطن محملاً بالمخاوف بعد أن قال له شي إن الدرس الذي تعلمه من التاريخ الصيني هو "عدم تقديم تنازلات أبداً".
ولم يكن ذلك مشجعاً لدونالد ترامب، الذي يفتخر بإجادته فن عقد الصفقات، عندما تعامل الرجلان خلال فترة رئاسة ترامب الأولى. وحاول ترامب بأسلوبه المعتاد التعامل مع المسألة بإظهار الود وتقديم الضيافة على أفضل وجه في مارالاغو، لكن مسعاه لم ينضج أي ثمار.
وقال لي أحد المصادر أن الزعيمين عندما جلسا لتناول الكوكتيلات –ترامب لا يحتسي الكحول، لكن شي يستمتع بها– لم يحدث أي تقارب يُذكر بينهما. وكان شي قد أحضر معه خبيره في الشؤون الأميركية، الأيديولوجي وانغ هونينغ، الذي نصحه بالحذر من ألاعيب أجنبية كهذه.
وبالفعل عندما رد ترامب الزيارة، أظهرت صورة للزوجين الأولين في المدينة المحرمة أنهما كانا متجمدين كتمثالين شمعيين، وبدت ميلانيا ترامب تبدو وكأنها تتمنى أن تكون في مكان آخر تماماً. والدرس الجاد –هذه المرة– هو أن شي لا يأبه بالعلاقات الشخصية ولا يتراجع، لكنه يحترم القوة، ويمكن أن يعدل أهدافه بناءً على ذلك.
بالنسبة لموضع "تيك توك"، قال ترامب بالفعل إن صفقة ما يمكن أن تُبرم، وصرح المستثمر الملياردير في الشركة الأم للتطبيق، بيل فورد، الرئيس التنفيذي لشركة "أتلانتيك كابيتال"، لمجلة الأعمال الصينية "كايشين"، في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، أن ثمة "صفقة ستبرم" في هذا الشأن.
وبالنسبة للرسوم الجمركية، فقال ترامب إنه "يفضل عدم" فرض رسوم جمركية مرتفعة على الصين، وهو تصريح اعتبره معلقون ماليون في الإعلام الصيني مؤشراً يمهد لمفاوضات.
أما الحرب والسلام، فسيكون موضوعهما أكثر صعوبة. ومع ذلك، ألقى الرئيس الأميركي نظرة على بعض المناقشات الاستراتيجية الأكثر سرية خلال ولايته الأخيرة حول الأسلحة النووية. وقال: "نود أن نرى نزعاً للسلاح النووي. في الواقع، مع الرئيس بوتين، قبل نتيجة انتخابية كانت سخيفة بصراحة [الحديث عن انتخابات العام 2020]، كنا نتحدث عن نزع السلاح النووي في بلدينا، وكانت الصين ستنضم إلينا".
من كان يعلم؟ حذر كثير من التقارير الأميركية المتشددة من أن شي يعزز بسرعة ترسانة الصين النووية. وأكد الرئيس الأميركي ذلك، لكن تصريحاته بدت كأنها تفتح المجال أمام صفقة كبرى، ربما يحصل بموجبها الجميع على جوائز نوبل للسلام.
قد يكون ترامب معروفاً بعدم تحفظه، لكن خطاباته تكون أحياناً أقل عفوية مما يحسب أتباعه. أما في بكين وموسكو، فيصغي المسؤولون لكل كلمة تُقال.
*مايكل شيريدان: مراسل أجنبي ومحرر دبلوماسي سابق لدى صحيفة "اندبندنت"، ومؤلف كتاب "الإمبراطور الأحمر" الصادر عن دار هيدلاين للنشر.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق