الأردن.. صوت الإنسانية وسط الأزمات الإقليمية

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عمان - على مر العقود، برز الأردن نموذجا إنسانيا رائدا في المنطقة العربية، مساندا لملايين اللاجئين الذين دفعتهم الحروب والأزمات إلى البحث عن الأمان والعيش بكرامة. 
وبقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، عزز الأردن دوره ملاذا آمنا ومساهما في دعم الدول التي تعاني ويلات الحروب، متحملا التبعات على المستويات كافة، سواء إنسانيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا.
لم يتوقف الأردن يوما عن تقديم المساعدة وإيصال صوت المظلومين عبر المنابر العالمية، والعمل الدائم على تعزيز الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط. وساهم ذلك في تعزيز مكانته بلدا لديه تاريخ طويل في دعم القضايا الإنسانية والعادلة.
إقليم ملتهب وأحداث سياسية عاتية، في ظل تقلبات اقتصادية واجتماعية يعيشها العالم بأسره، يقع الأردن في قلب الأحداث التي تلقي بظلالها القاسية على الإنسانية. من حروب ونزاعات وتفرقة، تتشابك فيها القرارات الدولية والعربية، ليكون الأردن الأكثر تفاعلا مع التبعات الإنسانية، مع مختلف قضايا الشرق الأوسط.
ومع التعقيدات الشديدة لقضايا المنطقة، لم يتخل الأردن يوما عن دوره الإنساني في دعم الأشقاء العرب على مر العقود، ليصبح الملاذ الآمن الحاضن للباحثين عن الأمان، الذي لطالما تميز به الأردن في أصعب الظروف.
وخلال العقود الماضية، واصل الأردن، كعادته، فتح أبوابه للمكلومين والفارين من ويلات وأهوال الحروب والموت المحتم، مؤكدا إنسانيته قيادة وشعبا وجيشا، عبر حماية اللاجئين وتوفير احتياجاتهم. كل ذلك تم رغم الإمكانيات المحدودة، في بلد غني بكرمه وتفاعله الإنساني، الذي لا يغلق أبوابه أمام من يلجأ إلى حدوده طلبا للأمان.
لا يمكن إغفال المشاهد الإنسانية التي يجسدها الجيش الأردني على مدى عقود، حيث حمل جنوده الأطفال بكل حنان وأبوة، وساندوا الكبار والجرحى والمكلومين، ليعبروا بهم حدود الأردن بكرامة، مقدمين لهم كل أنواع الدعم اللازم. هذه المواقف تعكس إصرار الأردن، بقيادة الملك عبدالله الثاني، على مواصلة تقديم المساعدة الإنسانية، التي تمثلت في إنشاء ممرات المساعدات للأشقاء في غزة، سواء عبر الحملات الجوية الأولى من نوعها، أو الجسر البري الذي استمر خلال الحرب على غزة من دون انقطاع.
رسائل اللاجئين الذين عاشوا في الأردن بعيدا عن أوطانهم تعبر يوميا عبر منصات التواصل الاجتماعي، عن عمق الدور الإنساني الأردني. فقد وجدوا في الأردن مأوى آمنا وبلدا ثانيا لهم. المكلوم الباحث عن الأمان وجد يد العون في الأردن، وهو ما جعله رمزا للإنسانية والعطاء.
ويصف اللاجئون الأردن بأنه "بلدهم الثاني"، حيث عاش أطفالهم حياة طبيعية وبنوا علاقات مليئة بالصدق والمحبة مع أقرانهم الأردنيين، ما أوجد شعورا بالانتماء للأردن يوازي انتماءهم لبلدهم الأصلي. هذا التمازج الإنساني يعكس أهمية الدور الذي قام به الأردن في استضافة اللاجئين، سواء خلال موجات اللجوء الفلسطيني، أو العراقي في التسعينيات، أو السوريين الذين ما يزالون يجدون في الأردن الترحيب رغم عودتهم التدريجية إلى وطنهم.
إضافة إلى ذلك، لم يقتصر الدور الإنساني الأردني على الداخل فقط، بل امتد إلى تقديم العون للدول المنكوبة في المنطقة، وخاصة في غزة، ما يعزز مكانة الأردن إقليميا ودوليا. هذا الدور الإنساني يبرز توازن الأردن في التعامل مع الملفات العالمية، مع الحفاظ على أمنه الداخلي واستقراره الوطني.
أوضح أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية، الدكتور جمال الشلبي، في حديثه لـ"الغد"، أهمية الدور الأردني في القضايا الإقليمية. وأشار إلى أن الأردن يمر حاليا بمرحلة "استثنائية وخطيرة" نتيجة التحولات السريعة في الصراعات والحروب بمنطقة الشرق الأوسط، بدءا من أحداث غزة والضفة الغربية، مرورا بما يجري في لبنان وسورية، وصولا إلى إعادة تشكيل المنطقة عبر "صفقات سياسية" جديدة، مما ينعكس بتبعات متعددة على الأردن.
ووفق الشلبي، فإن مناقشة أزمة اللجوء السوري تعد من القضايا الملحة سياسيا وفكريا واستراتيجيا. وبحسب "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، بلغ عدد اللاجئين السوريين في الأردن حتى نهاية العام 2022، حوالي 670 ألف شخص، يعيش أكثر من 85 % منهم خارج المخيمات في مساكن مستأجرة.
وينوه الشلبي إلى أن الأردن وبالنظر إلى مساحته الجغرافية، يعد من أكثر الدول المستضيفة للاجئين نسبة إلى إمكانياته، مما يشكل تحديا إنسانيا وسياسيا كبيرا لهذا البلد الصغير.
ويبين أن "الموقع الجيوسياسي للأردن وإرثه التاريخي في استضافة اللاجئين جعلاه وجهة دائمة لهم منذ عقود. فقد استقبل الأردن موجات لجوء متعددة، أبرزها الهجرة الفلسطينية خلال نكبة العام 1948 والنكسة العام 1967، إضافة إلى عودة ما يقارب 300-400 ألف أردني وفلسطيني خلال غزو الكويت العام 1990. كما شهد تدفقا كبيرا للاجئين العراقيين عقب الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 وما تبعه من عنف طائفي، وصولا إلى أزمة اللجوء السوري، مما يؤكد استمرار الدور الأردني الإنساني".
كما يؤكد الشلبي أهمية دور الإعلام في تسليط الضوء على قضايا اللاجئين ودمجها ضمن السياقين الإقليمي والعالمي. ويرى أن البعد الإنساني لهذه القضايا، لا يقل أهمية عن الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا السياق، يشير الباحث وأستاذ الإعلام الدكتور تيسير أبو عرجة، إلى أن الإعلام يلعب دورا محوريا في دعم مصالح الدولة وتحركاتها، من خلال التماهي مع توجهاتها الثابتة والمتغيرة. ويضيف أن على الإعلام فهم الخطوط العريضة للتوجهات الرسمية والمواقف الوطنية تجاه القضايا الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الداخل الأردني، بما يعزز الاستقرار ومصالح الوطن.اضافة اعلان

 

 


Image1_1202529202539118841417.jpg
يؤكد أبو عرجة أن الأردن لم يتوقف يوما عن الاستجابة للتطورات السياسية وما يترتب عليها من نتائج اجتماعية واقتصادية، ولا سيما ملف اللجوء، حيث تحمل عبء استقبال وإيواء ملايين اللاجئين عبر تاريخه الحديث، وما يتبع ذلك من مسؤوليات إنسانية تعلي من قيمة الإنسان وحقوقه واحتياجاته الأساسية.
ويضيف أبو عرجة، أن الأردن كان دائما في طليعة المبادرات التي تدعم وحدة المصير والعمل العربي المشترك، سعيا إلى تعزيز قوة النظام العربي في مواجهة الأزمات السياسية والهجمات المعادية، وذلك "بأسلوب الحوار والدبلوماسية الهادئة".
كما يشير إلى أن الإعلام يلعب دورا محوريا في مواكبة هذا الجهد الدبلوماسي الذي يقوده جلالة الملك عبدالله الثاني والمسؤولون عن العلاقات الدولية. وقد برز هذا الدور خلال أشهر الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث بذل الأردن جهودا مستمرة لوقف إطلاق النار وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، مما يعكس التزامه بالعمل الدؤوب على دعم القضايا الإنسانية والسياسية في المنطقة.
وهذا الأمر، كما يشير أبو عرجة، يقتضي التوقف عند موضوع الإعلام الخارجي الذي يستحق الاهتمام والمتابعة كي تكون الرؤية الأردنية واضحة تماما أمام الرأي العام العالمي، الذي لم تنقطع الدبلوماسية الأردنية يوما طيلة أشهر الحرب عن مخاطبته من خلال الهيئات الدولية والزيارات الرسمية والجهود الدبلوماسية الحثيثة، ويضاف إلى ذلك جهود الإغاثة الرسمية والشعبية التي قام بها الأردن تجاه أهل غزة وهم يتعرضون للقصف والحصار والتجويع.
وما قيام الأردن باختراق هذا الحصار سواء بالإنزالات الجوية أو الشاحنات التي تحمل مستلزمات العيش لأهل غزة، إلا صورة عظيمة للدور الإنساني الأردني. ولفت أبو عرجة إلى أن الإعلام كي يؤدي رسالته بفاعلية وتأثير عليه أن يكون مواكبا ومبادرا، وهذا يتطلب تعزيز الدور في المعلومة السليمة الموثقة والعمل بمهنية عالية تسمح بالحوارات المفيدة وتستقطب أصحاب الرأي والفكر، وتخرج إلى العمل الإعلامي الميداني الذي يصل إلى الجماهير الغفيرة في مواقع العمل والإنتاج، إضافة إلى تعزيز دور الإعلام التنموي الذي يخدم القطاعات المختلفة في البلاد.
ويؤكد الشلبي أن الأردن يعد طرفا في العديد من المعاهدات الأخرى لحقوق الإنسان، التي قد ترتب على الأردن التزامات مباشرة مماثلة لحقوق اللاجئين؛ فالأردن طرفا في "اتفاقية مناهضة التعذيب" وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة" للعام 1984 التي تنص المادة (3) منها على أنه "لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد أي شخص أو أن تعيده أو تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب"، وهو ما ينطبق على موجات اللجوء المتتابعة على الأردن.
عمليا، يمكن القول إن سياسة الأردن إزاء اللاجيئن تعتمد أكثر ما يكون على "مذكرة التفاهم" المنعقدة بين الأردن والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين العام 1998 وتعديلاتها للعام 2014، وعلى الرغم من أن معايير هذه الاتفاقية لا تشكل التزاما قانونيا على الأردن، إلا أنها تحدد الأطر السياسية الحكومية في معالجة قضايا اللاجئين.
وبحسب أبو عرجة، فإن التطورات المتسارعة التي تحيط بنا من كل جانب، تفرض على الإعلام سرعة الاستجابة، والاستعانة بالخبراء والمتخصصين، وتعزيز الإمكانيات الإعلامية للوسائل الإذاعية والتلفزيونية بإمكانيات تقنية وبشرية، تساهم في تعزيز دورها وتأثيرها في الرأي العام المحلي والدولي.
ويرى أبو عرجة، أنه من الأهمية بمكان الاهتمام بإيجاد قنوات إذاعية وتلفزيونية ناطقة باللغات الأجنبية، من أجل تسهيل مخاطبة الرأي العام الأجنبي وتعريفه بقضايانا ومواقفنا وتعزيز الصورة التي نحتاج دائما إلى أن تظل إيجابية مشرقة في خدمة الإنسان والإنسانية.
ويشيد الشلبي بالنهج الهاشمي الأردني الذي كان ملاذا للكثير من العرب من حولنا عندما تنقطع بهم السبل، وهذا نهج هاشمي ابتدأه الملك المؤسس عبدالله الأول، واستمر من بعده الملك طلال والملك الحسين، إلى أن وصل إلى جلالة الملك عبدالله الثاني الذي أكمل المسيرة واتبع أثر من سبقه في الكرم العربي، والنبل الإنساني الذي يعرفه الجميع الأعداء قبل الأصدقاء، وهو ما سيسجله التاريخ عن الملك عبدالله الثاني والأسرة الهاشمية الأردنية.
الناشطة في مجال العمل الإنساني ومقدمة الخدمات الاجتماعية والنفسية للاجئين في مخيم الزعتري، مروة أكرم الدلابيح، تؤكد أن الجهود الإنسانية التي يبذلها الأردن في تقديم الخدمات المختلفة، وخاصة للاجئين، لها تأثير واضح وإيجابي على كل من العاملين في المجال الإنساني والمستفيدين من هذه الخدمات.
وتضيف الدلابيح، من خلال تجربتي، لاحظت أن العمل الإنساني في الأردن يترك أثرا إيجابيا على اللاجئين والفئات الأشد حاجة، ومع ذلك، تشدد على الحاجة الملحة إلى تعزيز العمل الإنساني في الأردن من خلال تعاون أكبر بين الحكومة والمنظمات الإنسانية والمجتمع المدني.
كما تشير إلى أهمية تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للاجئين والفئات الأشد حاجة، موضحة أنهم يعانون من تحديات نفسية واجتماعية كبيرة، نتيجة الظروف القاسية التي يواجهونها ويعيشونها.
وبحسب الدلابيح، فإن الأردن دائما كان وما يزال يلعب دورا إنسانيا حيويا في المنطقة، حيث يفتح أبوابه للباحثين عن الأمان والمأوى، ويقدم المساعدات الإنسانية للاجئين والفئات الأشد حاجة"، وهذا الدور لا يقتصر على الجانب الإنساني فقط، بل يعزز أيضا أمن الأردن الداخلي والحفاظ على الكيان الوطني.
ومن خلال عملها لسنوات طويلة في العمل التطوعي المنبثق عن النهج الذي يتبعه الأردن منذ عقود لمساعدة الأخوة المحتاجين، تؤكد الدلابيح أن الأردن يعد ملجأ آمنا للاجئين من مختلف البلدان، ويقدم لهم المساعدات الإنسانية اللازمة، مثل الطعام، الماء، المأوى، الرعاية الصحية والتعليم، وهذا الدور الإنساني يعد جزءا لا يتجزأ من هوية الأردن وقيمنا، وما الأردن إلا مثالا يحتذى به في مجال العمل الإنساني بشهادات عالمية، تعزز هذا النهج ولا يتوانى يوما عن إغاثة الملهوف حتى يومنا هذا.
ويبقى الأردن رمزا للإنسانية والتعاون في المنطقة، وعلى الجميع، العمل على تعزيز هذا الدور الإنساني وتقديم الدعم للفئات الأشد حاجة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق