يستغربُ أبناء ريا العامرية هذه العلاقة التي تعمقت عبر عدة فصول شتوية بين والدتهم المرأة العُمانية ربة البيت والسائحة البريطانية إستفانا، فالإمرتان لا تتحدثان لغة مشتركة، ومع ذلك تطرق إستفانا في بداية كل عام جديد باب منزل ريا طالبة رؤيتها من أحفادها أو أولادها الذين تصفهم أنهم في ذهول جميل من تكرار الزيارة وانسجامهما بلغة الإشارة المخترعة بغرض الحديث والاطمئنان على أحوال بعضهما بعد غياب عام.
ففي فصل الشتاء تنجذب إستفانا إلى مسقط ومناطق وولايات شمال عُمان، لذا تشد الرحال إلى العاصمة المتميزة بهيبة جبالها واتزان هويتها العُمانية في معالمها المعاصرة، ويتضمن برنامجها السياحي زيارة ريا التي قابلتها قبل بضع سنوات صدفةً أمام باب مزرعتها بولاية بركاء، وأغدقت الجدة ريا عليها بالضيافة العربية الأصيلة والتجول في مزرعتها وقضاء بعض الأمسيات الجميلة مع عائلتها الذين كانت وظيفتهم الرئيسة الترجمة وتقريب وجهات النظر بين الامرأتين واللتين صارتا صديقتين.
والصداقة أصبحت متأصلة مع كل زيارة ومازال الأبناء المترجمون في استغراب تام....
ولكن غير المستغرب هو إجماع الزوار والسياح على أن سلطنة عُمان هي دولة الودّ، قد لا يدرك أبناء ريا عظم عطاء الودّ الذي شعرت به إستفانا من والدتهم ومنهم أيضاً، وكم هي بحاجة إليه كسائحة تبحث عن الوقت الممتع والمنظر الجميل وقليل من الودّ في الشارع، ولكنه الأخير فاق توقعاتها، والنتيجة تكررت الزيارات وتعمّقت العلاقات وإن انعدمت الكلمات.
ولا أبالغ عندما أقول مازلت كمواطنة عُمانية أتفاجأ بسرعة انصهار العُمانيين مع الغريب في عدة ولايات مثل ولاية نزوى ومحافظة مسندم وولاية مصيرة التي أقصدها مع سائحين يصرّون دائماً على زيارة هذه الولايات مرة تلو الأخرى، فهم وجدوا فيها جمال التراث والطبيعة وودّ الإنسان العُماني.
ومن المقولات التي وجدت فيها وصفاً واقعياً لنا قول الرحالة جون أوفنجتن في زيارته لسلطنة عُمان عام 1693، وهو يصف العمانيين "إن هؤلاء العرب على قدر كبير من دماثة الخلق يُظهِرون لطفاً وكرماً كبيرين للغرباء فلا يحتقرونهم ولا يُلحِقون بهم أذى جسديّاً، وهم على تشبثهم الثابت بمبادئهم والتزامهم الراسخ بدينهم لا يفرضون تلك المبادئ وذلك الدين على الآخرين، كما أنهم لا يُغالون بالتمسّك بها مغالة تجردهم من إنسانيتهم أو من حسن معشرهم، فالمرء يقطع في بلادهم مئات الأميال دون أن يتعرّض للغة نابية أو لأي سلوك فج".
نرى مؤخراً جهوداً وتسهيلات من الجهات المعنية فيما يتعلق بقطاع السياحة وأفكاراً نيرة مبدعة من القطاع الخاص يترقب الجميع مواكبتها مع الكنز العُماني "الإنسان العُماني"، الذي يستقطب الآخر المختلف أياً كان اختلافه، ويجعله سعيداً بزيارة عُمان مستمتعاً بلغة الود فيها.
* كاتبة عُمانية
0 تعليق