ضربات المقاومة تتجاوز الميدان.. ما دلالات انهيار الثقة داخل الكيان؟

السبيل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
الاحتلال في غزة

السبيل – خاص

يبدو أن “إسرائيل” تعيش واحدة من أسوأ أزماتها الداخلية، حيث كشفت نتائج استطلاع حديث أجرته جامعة حيفا عن تراجع غير مسبوق في ثقة الإسرائيليين بمؤسساتهم وقادتهم، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وأظهر الاستطلاع أن 74% من الإسرائيليين لا يثقون بنتنياهو، في حين عبّر 85% عن عدم ثقتهم بالكنيست والأحزاب السياسية، بينما وصلت نسبة عدم الثقة بالمؤسسات الحكومية إلى 70%، في مؤشر واضح على أزمة حوكمة ممتدة.

ولم يكن هذا التراجع الحاد في ثقة الإسرائيليين بمؤسساتهم وقادتهم وليد اللحظة، بل هو نتاج سنوات من الفشل في إدارة الأزمات، إلا أن الحرب الأخيرة على غزة، والمعروفة بمعركة “طوفان الأقصى”، شكلت نقطة تحول مفصلية، حيث أظهرت المقاومة الفلسطينية ثباتاً استثنائياً أفقد الإسرائيليين الإيمان بقدرة قيادتهم على تحقيق الأمن والانتصار.

نقطة الانكسار

في صلب هذا التراجع الحاد بالثقة يقف الأداء العسكري والسياسي للحكومة الإسرائيلية خلال الحرب الأخيرة على غزة.

فقد أثبتت المقاومة الفلسطينية، بقيادة كتائب القسام وسرايا القدس، قدرتها على إدارة معركة طويلة الأمد بكفاءة عالية، مستفيدة من تكتيكات عسكرية متطورة أربكت الحسابات الإسرائيلية.

ولطالما اعتمدت إسرائيل على إستراتيجية “الردع”، التي تقوم على توجيه ضربات قاسية لإجبار المقاومة على التراجع، لكن في معركة “طوفان الأقصى”، حدث العكس تماماً، حيث استمرت المقاومة في توجيه الضربات النوعية، ووسّعت مدى استهدافاتها، وصولاً إلى مناطق لم تشهد قصفاً سابقاً، ما جعل الإسرائيليين يدركون أن حكومتهم لم تعد قادرة على توفير الحماية لهم.

وكشفت المواجهة الأخيرة عن مستوى متطور من التخطيط والتنفيذ لدى المقاومة، حيث استخدمت أساليب جديدة في الحرب النفسية والتكتيك الميداني، أبرزها الكمائن الذكية، والعمليات الاستشهادية، والهجمات الصاروخية المنسقة، في مقابل عشوائية إسرائيلية تمثلت في استهداف المدنيين وارتكاب المجازر كوسيلة يائسة لمحاولة فرض الهيمنة.

وبينما أظهرت الفصائل الفلسطينية تماسكاً استراتيجياً؛ كان الداخل الإسرائيلي يزداد تفككاً؛ فقد انعدمت الثقة بين القادة العسكريين والسياسيين، واشتعلت الخلافات داخل حكومة نتنياهو، وتعمّقت أزمة الثقة بين الجيش والجمهور. إذ رأى الإسرائيليون كيف تخلت حكومتهم عن مستوطني غلاف غزة وتركتهم لمصيرهم دون خطط إجلاء أو حماية كافية، مما عزز الشعور بأن قيادتهم غير مؤهلة لإدارة الأزمات الكبرى.

دلالات التراجع

ويعكس تراجع ثقة الإسرائيليين بقيادتهم أبعاداً هامة تتجاوز مجرد تداعيات حرب فاشلة، ويمكن قراءته في سياق أوسع يتعلق بالتحولات العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي:

1- اهتزاز صورة “الجيش الذي لا يُقهر”

منذ نكسة أكتوبر 2023، توالت الهزائم الإسرائيلية التي كسرت صورة الجيش الذي لطالما تباهت به “إسرائيل”، وبات الإسرائيليون ينظرون إلى جيشهم ككيان غير قادر على الحسم، وهو ما ينعكس في انخفاض نسب التجنيد وهروب الشباب من الخدمة العسكرية.

2- تعمّق الانقسامات الداخلية

وصلت الأزمة السياسية في “إسرائيل” إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يتصاعد الاستقطاب بين تيارات اليمين المتطرف والتيارات الليبرالية، وبين المتدينين والعلمانيين، وبين المستوطنين واليهود الشرقيين، ما يعزز حالة الفوضى والانقسام الداخلي.

3- أزمة قيادة في “إسرائيل”

تشير نتائج الاستطلاع إلى أن الإسرائيليين باتوا يرون في قادتهم عبئاً بدلاً من أن يكونوا مصدراً للحماية والاستقرار. فنتنياهو، الذي ظل لعقود يقدم نفسه على أنه “حامي أمن إسرائيل”، بات اليوم في نظر أغلبية الإسرائيليين رمزاً للفشل والفساد.

4- تراجع الهيمنة الإقليمية لـ”إسرائيل”

كان لفشل “إسرائيل” في غزة أثرٌ واضح على مكانتها الإقليمية، حيث باتت الدول الداعمة لها تراجع حساباتها بشأن جدوى استمرار دعمها غير المشروط.

كما أن مشاهد الفوضى في الداخل الإسرائيلي وامتداد المقاومة إلى مناطق جديدة عززت انطباعاً عالمياً بأن المشروع الصهيوني يمر بأزمة غير مسبوقة.

إلى أين يتجه الكيان؟

في ظل هذه المعطيات؛ يمكن القول إن “إسرائيل” تمر بمنعطف حرج قد يكون الأخطر في تاريخها. إذ لم يعد الأمر مجرد تراجع في الثقة، بل هو اهتزاز في الأسس التي قام عليها هذا الكيان، سواء على المستوى العسكري أو السياسي أو الاجتماعي.

وفي المقابل؛ أثبتت المقاومة الفلسطينية، مرة أخرى، أنها الرقم الأصعب في المعادلة، وأنها قادرة على استنزاف الاحتلال ودفعه إلى مزيد من الأزمات الداخلية التي تهدد بقاءه على المدى البعيد.

إن استمرار المقاومة في تطوير قدراتها وتعزيز ثباتها على الأرض سيعمّق من أزمة الاحتلال، وسيضعه أمام خيارات صعبة في المستقبل القريب، في وقتٍ يبدو فيه أن ثقة الإسرائيليين بمؤسساتهم تتجه إلى نقطة اللاعودة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق