منذ ان أصدرت وزارة الخارجية الامريكية قرارها بتعليق المساعدات الى عدد من الدول العالمية لمدة 90 يوماً ومنها الأردن، وانا شخصياً اتابع ردود الأفعال من بعض أبناء المجتمع الأردني سوا في الاعلام او على المجموعات الصحفية ومع كل اسف أجد ان معظمها كان عبارة عن ردود أفعال تكون أقرب الى الفزعات التي تعتبر طبيعية من مواطنين محبين الى وطنهم وملكهم وغيورين عليه.اضافة اعلان
وهنا نشير الى ان العلاقات الأردنية الامريكية ممتدة لأكثر من سبعة عقود، واول مساعدات كانت قد قدمت للأردن تعود الى عام 1951 وهي المساعدات التي كانت قد قدمت للأردن مباشرة بعد موجة اللجوء الأولى الناتجة عن حرب 1948 واستمرت عبر العقود وشملت مجالات عدة منها المساعدات الأمنية والاقتصادية والتعليم والرعاية الصحية والمياه وجوانب أخرى.
منذ ذلك التاريخ والادارات الامريكية المتعاقبة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يؤمنون بان الأردن يشكل مركز ثقل ثابت ويلعب دوراً محورياً في استقرار وامن المنطقة، وبالتالي فان تقديم الدعم للأردن اصبحت ضرورة ثابتة في السياسة الامريكية الخارجية.
كما وسبق للأردن ان وقع مذكرة تفاهم في فترة حكم الرئيس الأمريكي ترامب السابقة وتحديداً في شباط من عام 2018 والتي تنص على تقديم مساعدات للأردن بقيمة 6.375 مليار دولار خلال خمسة سنوات، وفي نفس الوقت كانت الادارة الامريكية في تلك الفترة قد اتخذت قراراً بتخفيض المساعدات الخارجية. كما وتم تجديد مذكرة تفاهم في عام 2022 ولمدة 7 سنوات وحتى عام 2029 وبقيمة دعم 10.15 مليار دولار أمريكي وان كافة مذكرات التفاهم كانت قد مرت بالقنوات التشريعية في الولايات المتحدة الامريكية وهي أصبحت لديهم بحكم القانون، يضاف الى ذلك بان الأردن والولايات المتحدة تربطهم الكثير من الاتفاقية، كاتفاقية التجارة الحرة واتفاقية ضمان لعدد من القروض الدولية والاتفاقيات الأمنية وغيرها من الاتفاقيات التي تحترم من قبل الطرفين لما فيهما المصلحة المشتركة.
وهنا لا بد من الإشارة الى ان الأردن من أكثر الدول معاناة بسبب موجات اللجوء المتكررة والتي فرضت عليه خلال العقود السابقة، كان اخرها موجة اللجوء السوري والذي تجاوز عددهم 1.5 مليون لاجئ، حتى أصبح من أكبر الدول المستضيفة الى اللاجئين نسبة الى عدد سكانه. ان مثل هذا الوضع رتب على الدولة الأردنية ضغوطات اقتصادية وعلى البنى التحتية والأمنية له تفوق طاقته، ولا يمكن له ان يتحملها لوحدة دون تقديم الدعم والمساعدة من المجتمع الدولي بما فيهم الولايات المتحدة الامريكية.
ان المراقب يرى بان الإدارة الامريكية باشرت منذ اليوم الأول لها بتنفيذ خطة ترحيل المهاجرين اليها من دول أمريكا اللاتينية وغيرها والمقدر عددهم 11 مليون شخص، وهي الدولة صاحبة اقوى اقتصاد عالمي وتبلغ من المساحة اكثر من 9.8 مليون كيلومتر مربع وعدد سكانها يقارب 310 مليون نسمة، وبالتالي فان نسبة المهاجرين اليها الى عدد السكان لا يتجاوز 0.05 ℅، بينما بلغت اعداد اللاجئين في الأردن اكثر من 3.7 مليون من جنسيات مختلفة، وهي تشكل ما نسبته اكثر من 31℅ من عدد السكان فيه (حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)، وهذا يجعل من قدرة الأردن على الصمود في تقديم الخدمات من بنى تحتية وتعليم ومياه نظيفة ورعاية صحية وغيرها موضع اختبار في ظل التحديات الاقتصادية لدولة كالأردن تفتقر الى الموارد الطبيعية وتعاني من نقص حاد في المياه وأزمة اقتصادية ومن البطالة المتزايدة.
ان الأرقام المثبتة لدى مفوضية اللاجئين تبين بان الدعم المالي المقدم للقطاعات المختلفة في الأردن تذهب في معظمها لتقديم الخدمات لهولا اللاجئين، وبالتالي فهي واجب على المجتمع الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الامريكية.
ان البعض يرى بان مثل هذه التصريحات تأتي للضغط على الأردن لتغير مواقفه اتجاه القضية الفلسطينية وهي المواقف المنطلقة من قرارات الشرعية الدولية والمستندة الى القرارات الأممية والداعية الى تنفيذ قرارات مجلس الامن بإقامة دولة للفلسطينيين على ارضهم وفقاً لحدود 4 حزيران من عام 1967.
كما لا بد من الإشارة الى ان جلالة الملك يمتلك القدرة والحكمة والكثير من العلاقات الخارجية المتينة مع كافة دول العالم صاحبة التأثير في السياسة العالمية وبما فيها الولايات المتحدة الامريكية (وهي من الدول الأكثر عمل قي الإطار المؤسسي في العالم) وعلى مختلف المستويات والتي تثق به وتؤمن بموقع الأردن ودوره المحوري في استقرار المنطقة بأكملها. يضاف الى ذلك الدور العربي المساند لموقف الأردن مثل المملكة العربية السعودية ومصر والامارات وبقية دول الخليج وغيرها بكل تأكيد سيكون الى جانب الأردن خدمة له ولمصالحهم الوطنية والقومية.
كما اننا نثق بان الدبلوماسية الأردنية بقيادة الملك قادرة على العمل مع المؤسسات الامريكية وخاصة وزارة الخارجية والدفاع والمؤسسات الأمنية والغرف التشريعية (النواب والكونغرس) وغيرها من المستويات والتي ستصل الى قناعة خلال فترة وجيزة للسير قدماً بتقديم المساعدات والمنح الامريكية المقرة وحسب البرامج المحددة، لا بل من الممكن ان يتم العمل على تطويرها بما يخدم المصالح المشتركة، وذلك لقناعة الجميع بان استقرار الأردن يعتبر اهم ضمانة لتجنب أزمات أخرى في المنطقة (العالم اجمع في غنى عنها) ولدورة الرئيسي في أي عملية سلام او مشاريع تنموية مستقبلية على مستوى المنطقة والعالم ومنها طريق الازدهار التي طرحته الادارة الامريكية السابقة.
كما لا بد من الإشارة الى ان دبلوماسية جلالة الملك وعلاقاته الدولية اسفرت اليوم الأربعاء الموافق 29/1/2025 عن توقيع اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي لتقديم دعم بقيمة 3 مليار يورو للأعوام 2025-2027 وبحضوره شخصياً وولي العهد، وهي الاتفاقية التي تأتي تعبيراً واضحاً لدور الأردن في امن واستقرار اقليم الشرق الوسط وحوض المتوسط. ان توقيت توقيع الاتفاقية له الكثير من الدلالات على الساحة الدولية والإقليمية الداعمة لمواقف الأردن.
اما فيما يخص الاهل في فلسطين فأننا لا نعتقد بأنهم سيكررون الأخطاء التي وقعوا فيها في العقود الأولى للقضية الفلسطينية عندما غادروا ارضهم على امل العودة السريعة اليها، وهم أصحاب الشرعية والايمان المطلق في حقهم في إقامة دولتهم مهما كانت الظروف وهو واضح لجميع أعضاء المجتمع الدولي.
اننا في الأردن مررنا بالكثير من الازمات خلال المئوية الأولى للدولة الأردنية، الا اننا وبحكمة القيادة الهاشمية وتكاتف أبناء الشعب الأردني أكسبنا من المهارات التي منحت الأردن القدرة على المناورة على كافة الصعد وبكل الاتجاهات الخارجية في وسط منطقة ومجتمع دولي يعيش كافة اشكال التناقضات التي لم يسبق ان عرفها التاريخ، ومنة الأردن من تجاوزها.
إن الاردن القوي بقيادته الهاشمية وأهله بات اليوم بأمس الحاجة الى رجالات دولة وقيادات تنفيذية من أصحاب الكفاءة القادرين على النهوض بمؤسساته وتمتينها والقادرين ايضاً عن الدفاع عن الأردن وعلى كافة المستويات الخارجية مستمدين العزم من جلالة الملك وهو الذي استطاع بحنكته ان يجنب الأردن من الانزلاق في الكثير من المواقف التي انزلق فيها الجميع، وهو القادر على إدارة الملفات وبما يخدم المصلحة الأردنية وصولاً الى بر الأمان.
0 تعليق