نعم المولى الكريم

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يقول المولى الكريم: "وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ". سبحانك يا رب، كم نغفل عن معاني هذه الآية العظيمة، وكم ننسى "النِّعَم" التي أنعمتَ بها علينا في حياتنا. نحاول حصرها، لكننا لا نقدر، ولا نفي بإحصائها لتعددها وشمولها جوانب حياتنا كلها. ومع ذلك، فإن كرم الله بعباده عظيم، فهو سبحانه يتجاوز عن التقصير في شكر النعم.

إن نعم الله الظاهرة والباطنة تجعل العبد في ديمومة من الحمد والثناء، قال تعالى: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ". فكم ألهتنا الحياة عن أن نكون من الشاكرين الحامدين! وكم قصرنا في سجود الشكر! ألهتنا مشاغل الدنيا وأحاديث اللغو عن استحضار نعم الله التي أغدقها علينا، والتي لولاها، ولولا كرم المولى وستره وعفوه، لَضِعنا في متاهات الحياة، ولأصبحت بلا هدف ولا معنى.

دروس من غزة

حين نتأمل حال أهلنا في غزة، أحبابنا في الإسلام، نجد أنفسنا في حيرة أمام قوة هذا الشعب وأصالته وصموده وصبره ومُصابرته. لنا في أهل غزة دروس وعظات نستلهم منها ما يُعيننا على مشاق الحياة، وما يُعرّفنا بحقيقة وجودنا، وما يدفعنا لنكون أبطالاً للأثر الإيجابي، فنترفَّع عن التوافه التي ألهتنا عن غاياتنا السامية.

لقد قدّم أطفال غزة وشبابها وكبارها ونساؤها دروساً رائعة في قيم الصبر والانتماء وحب الأرض، فلم يفرطوا فيها، وظلوا صامدين، حتى عادوا إلى أطلال منازلهم المدمَّرة، التي لم يبقَ منها إلا شريط من الذكريات الجميلة.

وعندما نشاهد تلك الجموع العائدة إلى غزة في مشهدٍ مهيبٍ تقشعر له الأبدان، نتذكر مشهد نفرة الحجاج من عرفات، ونتأمل في أهوال يوم القيامة، حيث قال المولى الكريم: "يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ".

الوقوف بين يدي الله تعالى

عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يُحشَرُ النَّاسُ يومَ القيامةِ حُفاةً عُراةً غُرْلاً. فقلتُ: يا رسول الله، الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال: يا عائشة، الأمر أشد من أن يُهِمَّهُم ذلك". هي الفزعة إلى الله تعالى، والسير في رحابه، وابتغاء مرضاته، وهي فزعة الخير للقرب منه، وشكره على نعمه، والبحث عن الأمن والأمان في ظله.

أما في الآخرة، فعندما نشهد هذه المشاهد المفزعة، يكون التغيير قد فات أوانه، فقد أُغلقت أبواب الأعمال، وانتهت الحياة الدنيا، وبدأ الحساب أمام مالك الملوك. هناك، سيقف الإنسان وحيداً بين يدي الله تعالى بلا ترجمان، يُسأل عن كل صغيرة وكبيرة، عن كل نعمة منحها له الله تعالى وسخَّرها في حياته.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنكُم مِن أحدٍ إلَّا سيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يومَ القِيامةِ، ليسَ بينَهُ وبيْنَهُ تُرْجُمانٌ، فيَنظُرُ أيْمَنَ منهُ فلا يَرَى إلَّا ما قدَّمَ، ويَنظُرُ أشْأمَ منهُ فلا يَرَى إلَّا ما قدَّمَ، ويَنظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فلا يَرَى إلَّا النَّارَ تلقاءَ وجْهِهِ، فاتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، فمَن لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ".

لحظات التأمل والعودة إلى الله تعالى

في زحمة الحياة المتسارعة، وما تحمله من أحداث ومفاجآت غير متوقعة، منها ما يجلب السعادة، ومنها ما يورث الحزن، يجد الإنسان نفسه متأملاً مُتدبراً في حاله، يراجع حساباته، ويبدأ يومه بحمد الله عز وجل وشكره على نعمة أنفاس الحياة، وعلى أنه أمهله يوماً آخر ليستزيد من الخير، ويصلح تقصيره، ويعود إلى مولاه تائباً مُستغفراً.

يحمد الله على نعمة الصحة والعافية، وعلى سمعه وبصره وقلبه، وعلى كل خطوة يخطوها في سبيل الخير، وعلى القوّة التي تعينه على أداء العبادات، وعلى نعمة الأهل والأسرة، والعمل الذي يكسب منه رزقه، والمأوى الهادئ الذي يأوي إليه، والأمن والأمان في وطنه.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن أصبح منكم آمناً في سربِه، معافى في جسدِه، عنده قوتُ يومِه، فكأنما حِيزَت له الدنيا".

الشكر طريق السعادة

إن نعم الله لا تُحصى، وخيره يغمرنا، فواجبنا أن نحافظ على هذه النعم، ونقابلها بالحمد والشكر، وبالطاعة والعمل الصالح، حتى نكون من أهل "ظلال الفردوس الأعلى". "اللهم ارزقنا شكر نعمك، واجعلنا من الحامدين الذاكرين".

ومضة أمل

الحمد لله على ما أنعم به علينا وتفضَّل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق