محمد جواد ظريف* - (فورين أفيرز) 2/12/2024
هذه لحظة تاريخية لتحقيق الاستقرار لا ينبغي للعالم أن يفوتها. ومن المؤكد أن طهران لن تضيعها. بعد أكثر من قرنين من الضعف، أثبتت إيران -تحت قيادة المرشد الأعلى علي خامنئي- أنها قادرة على الدفاع عن نفسها ضد أي عدوان خارجي. وللارتقاء بهذا الإنجاز إلى المستوى التالي، تخطط إيران، تحت إدارتها الجديدة، لتحسين العلاقات مع الدول المجاورة للمساعدة في خلق نظام إقليمي يعزز الاستقرار والثروة والأمن. كما أن الجمهورية الإسلامية منفتحة على المفاوضات -بما في ذلك مع الولايات المتحدة.اضافة اعلان
* * *
في 30 تموز (يوليو)، أدى مسعود بيزشكيان اليمين الدستورية كرئيس جديد لإيران. وبعد ساعات قليلة من حفل التنصيب، تم اغتيال إسماعيل هنية؛ رئيس الوزراء السابق للسلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، على يد إسرائيل في دار ضيافة بالقرب من المجمع الرئاسي. وكان هنية قد دُعي لحضور حفل التنصيب، وألقى مقتله على الأراضي الإيرانية بظلاله على الإجراءات. كما ألقى الضوء على التحديات التي سيواجهها بيزشكيان في السعي إلى تحقيق طموحاته في السياسة الخارجية.
لكن بيزشكيان مستعد جيداً للتعامل مع كل الصعوبات التي ستنشأ على مدى السنوات المقبلة. ويدرك بيزيشكيان أن العالم ينتقل إلى عصر ما بعد القطبية، حيث يمكن للجهات الفاعلة العالمية التعاون والتنافس في الوقت نفسه عبر المناطق المختلفة. وقد تبنى سياسة خارجية مرنة، تعطي الأولوية للمشاركة الدبلوماسية والحوار البناء بدلاً من الاعتماد على نماذج قديمة عفا عليها الزمن. وتمتاز رؤيته لأمن إيران بالشمول، حيث تشمل كلاً من القدرات الدفاعية التقليدية وتعزيز الأمن البشري من خلال التحسينات في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
يريد بيزيشكيان أن يحل الاستقرار والتنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط. ويريد التعاون مع الدول العربية المجاورة وتعزيز العلاقات مع حلفاء إيران. لكنه يريد أيضاً الانخراط والمشاركة البناءة مع الغرب. وحكومته مستعدة لإدارة التوترات مع الولايات المتحدة، التي انتخبت هي الأخرى للتو رئيساً جديداً. ويأمل بيزيشكيان في خوض مفاوضات على أساس الندية وعلى قدم المساواة في ما يتعلق بالاتفاق النووي -وربما أكثر منه.
ولكن، كما أوضح بيزيشكيان، فإن إيران لن تستسلم للمطالب غير المعقولة. سوف تقف البلاد دائماً في وجه العدوان الإسرائيلي. ولن تتراجع أبداً عن حماية مصالحها الوطنية.
هذه لحظة تاريخية لتحقيق الاستقرار لا ينبغي للعالم أن يفوتها. ومن المؤكد أن طهران لن تضيعها. بعد أكثر من قرنين من الضعف والهشاشة، أثبتت إيران -تحت قيادة المرشد الأعلى علي خامنئي- أنها قادرة على الدفاع عن نفسها ضد أي عدوان خارجي. وللارتقاء بهذا الإنجاز إلى المستوى التالي، تخطط إيران، تحت إدارتها الجديدة، لتحسين العلاقات مع الدول المجاورة للمساعدة في خلق نظام إقليمي يعزز الاستقرار والثروة والأمن. لقد عانت منطقتنا لفترة طويلة من التدخل الأجنبي، والحروب، والصراعات الطائفية، والإرهاب، والاتجار بالمخدرات، وندرة المياه، وأزمات اللاجئين والتدهور البيئي. ولمعالجة هذه التحديات، سنعمل على السعي إلى التكامل الاقتصادي، وأمن الطاقة، وحرية الملاحة، وحماية البيئة، والحوار بين الأديان.
في نهاية المطاف، يمكن أن تؤدي هذه الجهود إلى ترتيب إقليمي جديد يقلل من اعتماد منطقة الخليج الفارسي على القوى الخارجية، ويشجع أصحاب المصلحة على معالجة الصراعات من خلال آليات حل النزاعات. وللقيام بذلك، يمكن لبلدان المنطقة أن تسعى إلى إبرام المعاهدات، وإنشاء المؤسسات، وتشريع السياسات، وتمرير التدابير التشريعية. ويمكن لإيران وجيرانها البدء بمحاكاة عملية هلسنكي، التي أدت إلى تشكيل "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا". كما بوسعهم استخدام التفويض الذي لم يُنفذ قط والذي منحه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للأمين العام للأمم المتحدة في العام 1987، بموجب القرار 598. ذلك القرار، الذي وضع نهاية للحرب بين إيران والعراق، دعا الأمين العام إلى التشاور مع إيران والعراق ودول أخرى في المنطقة لاستكشاف التدابير التي يكون من شأنها أن تعزز الأمن والاستقرار في الخليج الفارسي. وتعتقد إدارة بيزيشكيان أن هذا البند يمكن أن يخدم كأساس قانوني لإجراء محادثات إقليمية شاملة.
بطبيعة الحال، ثمة عقبات يتعين على إيران وجيرانها التغلب عليها لتعزيز نظام إقليمي سلمي ومتكامل. وترجع بعض خلافات إيران مع جيرانها إلى أصول عميقة الجذور، تشكلت بفعل تفسيرات متباينة للتاريخ. وبعضها الآخر ينشأ عن خطأ في المفاهيم، ترجع جذوره في الأساس إلى ضعف -أو عدم كفاية- الاتصالات. ومع ذلك، هناك خلافات أخرى سببها تصورات سياسية زرعتها قوى خارجية، مثل المزاعم المتعلقة بطبيعة وهدف البرنامج النووي الإيراني.
لكنّ الخليج الفارسي لا بد أن يمضي قُدماً. وتتوافق رؤية إيران مع مصالح الدول العربية التي تريد جميعها أيضاً منطقة أكثر استقراراً وازدهاراً من أجل الأجيال المقبلة. وبذلك يترتب على إيران والعالم العربي أن يتمكنا من العمل على تجاوز خلافاتهما. ومن الممكن أن يساعد دعم إيران للمقاومة الفلسطينية في إطلاق وتحفيز مثل هذا التعاون. في نهاية المطاف، يظل العالم العربي متحداً مع إيران في دعمها لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني.
إعادة ضبط
بعد أكثر من عشرين عاماً من القيود الاقتصادية، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أن يدركوا أن إيران لا تستجيب للضغوط. كانت تدابيرهم القسرية متزايدة الكثافة تأتي بنتائج عكسية باستمرار. وفي ذروة أحدث حملة ضغط أقصى أطلقتها واشنطن -وبعد أيام قليلة من إقدام إسرائيل على اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زاده- أقر البرلمان الإيراني قانوناً يوجه الحكومة إلى تسريع التقدم في برنامجها النووي والحد من المراقبة الدولية. وقد زاد عدد أجهزة الطرد المركزي في إيران بشكل كبير منذ العام 2018 -عندما انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي- وارتفعت مستويات التخصيب من 3.5 في المائة إلى أكثر من 60 في المائة. ومن الصعب أن نتخيل أن أياً من هذا كان ليحدث لو لم يتخل الغرب عن نهجه التعاوني. وفي هذا الصدد، يتحمل ترامب، الذي سيعود إلى سدة الرئاسة مرة أخرى في كانون الثاني (يناير)، وشركاء واشنطن في أوروبا المسؤولية عن استمرار التقدم النووي الإيراني.
بدلاً من زيادة الضغوط على إيران، يجب على الغرب أن يسعى إلى حلول إيجابية. ويشكل الاتفاق النووي مثالاً فريداً، ويتعين على الغرب أن يسعى إلى إحيائه. ولكن، للقيام بذلك، يتعين عليه اتخاذ إجراءات ملموسة وعملية -بما في ذلك التدابير السياسية والتشريعية والاستثمارية ذات المنفعة المتبادلة- لضمان استفادة إيران اقتصادياً من الاتفاق، كما كان الوعد. وإذا قرر ترامب اتخاذ مثل هذه الخطوات، فإن إيران على استعداد لإجراء حوار يكون من شأنه أن يعود بالنفع على طهران وواشنطن.
على نطاق أوسع، يتعين على صناع السياسات الغربيين أن يعترفوا بأن الاستراتيجيات الرامية إلى تأليب إيران والدول العربية ضد بعضها البعض من خلال دعم مبادرات مثل ما تسمى "اتفاقيات إبراهيم" (التي عملت على تطبيع العلاقات بين مختلف الدول العربية وإسرائيل) أثبتت عدم فعاليتها في الماضي ولن تنجح في المستقبل. يحتاج الغرب إلى نهج أكثر إيجابية يستفيد من ثقة إيران التي اكتسبتها بشق الأنفس، ويقبل بإيران كجزء لا يتجزأ من معادلة الاستقرار الإقليمي، ويسعى إلى إيجاد حلول تعاونية للتحديات المشتركة. وقد تدفع مثل هذه التحديات المشتركة طهران وواشنطن إلى الانخراط في إدارة الصراع بدلاً من التصعيد المتزايد. لدى جميع البلدان، بما فيها إيران والولايات المتحدة، مصلحة مشتركة في معالجة الأسباب الكامنة وراء الاضطرابات الإقليمية.
وهذا يعني أن لدى كل الدول مصلحة في وقف الاحتلال الإسرائيلي. ويجب عليها أن تدرك أن الاحتراب والغضب سيستمران إلى أن ينتهي الاحتلال. ربما تتصور إسرائيل أنها قادرة على تحقيق انتصار دائم على الفلسطينيين، ولكنها لا تستطيع؛ إن شعباً ليس لديه ما يخسره لا يمكن هزيمته. إن المنظمات، مثل "حزب الله" و"حماس"، هي حركات تحرير شعبية نشأت رداً على الاحتلال، وسوف تستمر في القيام بدور مهم ما دامت الشروط الأساسية قائمة -بمعنى إلى أن يتحقق حق الفلسطينيين في تقرير المصير. ويمكن أن تكون هناك خطوات وسيطة، بما فيها وقف فوري لإطلاق النار في لبنان وغزة.
تستطيع إيران أن تستمر في الاضطلاع بدور بنّاء في إنهاء الكابوس الإنساني الحالي في غزة، وأن تعمل مع المجتمع الدولي على السعي إلى التوصل إلى حل دائم وديمقراطي للصراع. سوف توافق إيران على أي حل مقبول للفلسطينيين، لكنّ حكومتنا تعتقد أن أفضل وسيلة للخروج من هذه المحنة التي دامت قرناً من الزمان تتمثل في إجراء استفتاء يتمكن فيه كل من يعيش بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط -المسلمون والمسيحيون واليهود- والفلسطينيون الذين طردوا إلى الشتات في القرن العشرين (مع ذريتهم) من تحديد نظام حكم قابل للاستمرار في المستقبل. وهذا يتماشى مع القانون الدولي ويمكن أن يبني على النجاح الذي حققته جنوب أفريقيا، حيث تحول نظام الفصل العنصري هناك إلى دولة ديمقراطية قابلة للاستمرار.
سيكون من شأن الانخراط البناء مع إيران، مصحوباً بالتزام بالدبلوماسية متعددة الأطراف، أن يساعد في بناء إطار للأمن والاستقرار العالميين في الخليج الفارسي. ويمكن بالتالي الحد من التوترات وتعزيز الرخاء والتنمية على الأمد البعيد. ويشكل هذا التحول أهمية بالغة للتغلب على الصراعات المتخندقة. وعلى الرغم من أن إيران اليوم واثقة من قدرتها على القتال للدفاع عن نفسها، فإنها تريد السلام، وهي عازمة على بناء مستقبل أفضل. ويمكن أن تكون إيران شريكاً قادراً وراغباً، طالما كانت شراكاتها قائمة على الاحترام المتبادل والمساواة. دعونا لا نفوت هذه الفرصة لبداية جديدة.
هذه لحظة تاريخية لتحقيق الاستقرار لا ينبغي للعالم أن يفوتها. ومن المؤكد أن طهران لن تضيعها. بعد أكثر من قرنين من الضعف، أثبتت إيران -تحت قيادة المرشد الأعلى علي خامنئي- أنها قادرة على الدفاع عن نفسها ضد أي عدوان خارجي. وللارتقاء بهذا الإنجاز إلى المستوى التالي، تخطط إيران، تحت إدارتها الجديدة، لتحسين العلاقات مع الدول المجاورة للمساعدة في خلق نظام إقليمي يعزز الاستقرار والثروة والأمن. كما أن الجمهورية الإسلامية منفتحة على المفاوضات -بما في ذلك مع الولايات المتحدة.اضافة اعلان
* * *
في 30 تموز (يوليو)، أدى مسعود بيزشكيان اليمين الدستورية كرئيس جديد لإيران. وبعد ساعات قليلة من حفل التنصيب، تم اغتيال إسماعيل هنية؛ رئيس الوزراء السابق للسلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، على يد إسرائيل في دار ضيافة بالقرب من المجمع الرئاسي. وكان هنية قد دُعي لحضور حفل التنصيب، وألقى مقتله على الأراضي الإيرانية بظلاله على الإجراءات. كما ألقى الضوء على التحديات التي سيواجهها بيزشكيان في السعي إلى تحقيق طموحاته في السياسة الخارجية.
لكن بيزشكيان مستعد جيداً للتعامل مع كل الصعوبات التي ستنشأ على مدى السنوات المقبلة. ويدرك بيزيشكيان أن العالم ينتقل إلى عصر ما بعد القطبية، حيث يمكن للجهات الفاعلة العالمية التعاون والتنافس في الوقت نفسه عبر المناطق المختلفة. وقد تبنى سياسة خارجية مرنة، تعطي الأولوية للمشاركة الدبلوماسية والحوار البناء بدلاً من الاعتماد على نماذج قديمة عفا عليها الزمن. وتمتاز رؤيته لأمن إيران بالشمول، حيث تشمل كلاً من القدرات الدفاعية التقليدية وتعزيز الأمن البشري من خلال التحسينات في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
يريد بيزيشكيان أن يحل الاستقرار والتنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط. ويريد التعاون مع الدول العربية المجاورة وتعزيز العلاقات مع حلفاء إيران. لكنه يريد أيضاً الانخراط والمشاركة البناءة مع الغرب. وحكومته مستعدة لإدارة التوترات مع الولايات المتحدة، التي انتخبت هي الأخرى للتو رئيساً جديداً. ويأمل بيزيشكيان في خوض مفاوضات على أساس الندية وعلى قدم المساواة في ما يتعلق بالاتفاق النووي -وربما أكثر منه.
ولكن، كما أوضح بيزيشكيان، فإن إيران لن تستسلم للمطالب غير المعقولة. سوف تقف البلاد دائماً في وجه العدوان الإسرائيلي. ولن تتراجع أبداً عن حماية مصالحها الوطنية.
هذه لحظة تاريخية لتحقيق الاستقرار لا ينبغي للعالم أن يفوتها. ومن المؤكد أن طهران لن تضيعها. بعد أكثر من قرنين من الضعف والهشاشة، أثبتت إيران -تحت قيادة المرشد الأعلى علي خامنئي- أنها قادرة على الدفاع عن نفسها ضد أي عدوان خارجي. وللارتقاء بهذا الإنجاز إلى المستوى التالي، تخطط إيران، تحت إدارتها الجديدة، لتحسين العلاقات مع الدول المجاورة للمساعدة في خلق نظام إقليمي يعزز الاستقرار والثروة والأمن. لقد عانت منطقتنا لفترة طويلة من التدخل الأجنبي، والحروب، والصراعات الطائفية، والإرهاب، والاتجار بالمخدرات، وندرة المياه، وأزمات اللاجئين والتدهور البيئي. ولمعالجة هذه التحديات، سنعمل على السعي إلى التكامل الاقتصادي، وأمن الطاقة، وحرية الملاحة، وحماية البيئة، والحوار بين الأديان.
في نهاية المطاف، يمكن أن تؤدي هذه الجهود إلى ترتيب إقليمي جديد يقلل من اعتماد منطقة الخليج الفارسي على القوى الخارجية، ويشجع أصحاب المصلحة على معالجة الصراعات من خلال آليات حل النزاعات. وللقيام بذلك، يمكن لبلدان المنطقة أن تسعى إلى إبرام المعاهدات، وإنشاء المؤسسات، وتشريع السياسات، وتمرير التدابير التشريعية. ويمكن لإيران وجيرانها البدء بمحاكاة عملية هلسنكي، التي أدت إلى تشكيل "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا". كما بوسعهم استخدام التفويض الذي لم يُنفذ قط والذي منحه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للأمين العام للأمم المتحدة في العام 1987، بموجب القرار 598. ذلك القرار، الذي وضع نهاية للحرب بين إيران والعراق، دعا الأمين العام إلى التشاور مع إيران والعراق ودول أخرى في المنطقة لاستكشاف التدابير التي يكون من شأنها أن تعزز الأمن والاستقرار في الخليج الفارسي. وتعتقد إدارة بيزيشكيان أن هذا البند يمكن أن يخدم كأساس قانوني لإجراء محادثات إقليمية شاملة.
بطبيعة الحال، ثمة عقبات يتعين على إيران وجيرانها التغلب عليها لتعزيز نظام إقليمي سلمي ومتكامل. وترجع بعض خلافات إيران مع جيرانها إلى أصول عميقة الجذور، تشكلت بفعل تفسيرات متباينة للتاريخ. وبعضها الآخر ينشأ عن خطأ في المفاهيم، ترجع جذوره في الأساس إلى ضعف -أو عدم كفاية- الاتصالات. ومع ذلك، هناك خلافات أخرى سببها تصورات سياسية زرعتها قوى خارجية، مثل المزاعم المتعلقة بطبيعة وهدف البرنامج النووي الإيراني.
لكنّ الخليج الفارسي لا بد أن يمضي قُدماً. وتتوافق رؤية إيران مع مصالح الدول العربية التي تريد جميعها أيضاً منطقة أكثر استقراراً وازدهاراً من أجل الأجيال المقبلة. وبذلك يترتب على إيران والعالم العربي أن يتمكنا من العمل على تجاوز خلافاتهما. ومن الممكن أن يساعد دعم إيران للمقاومة الفلسطينية في إطلاق وتحفيز مثل هذا التعاون. في نهاية المطاف، يظل العالم العربي متحداً مع إيران في دعمها لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني.
إعادة ضبط
بعد أكثر من عشرين عاماً من القيود الاقتصادية، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أن يدركوا أن إيران لا تستجيب للضغوط. كانت تدابيرهم القسرية متزايدة الكثافة تأتي بنتائج عكسية باستمرار. وفي ذروة أحدث حملة ضغط أقصى أطلقتها واشنطن -وبعد أيام قليلة من إقدام إسرائيل على اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زاده- أقر البرلمان الإيراني قانوناً يوجه الحكومة إلى تسريع التقدم في برنامجها النووي والحد من المراقبة الدولية. وقد زاد عدد أجهزة الطرد المركزي في إيران بشكل كبير منذ العام 2018 -عندما انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي- وارتفعت مستويات التخصيب من 3.5 في المائة إلى أكثر من 60 في المائة. ومن الصعب أن نتخيل أن أياً من هذا كان ليحدث لو لم يتخل الغرب عن نهجه التعاوني. وفي هذا الصدد، يتحمل ترامب، الذي سيعود إلى سدة الرئاسة مرة أخرى في كانون الثاني (يناير)، وشركاء واشنطن في أوروبا المسؤولية عن استمرار التقدم النووي الإيراني.
بدلاً من زيادة الضغوط على إيران، يجب على الغرب أن يسعى إلى حلول إيجابية. ويشكل الاتفاق النووي مثالاً فريداً، ويتعين على الغرب أن يسعى إلى إحيائه. ولكن، للقيام بذلك، يتعين عليه اتخاذ إجراءات ملموسة وعملية -بما في ذلك التدابير السياسية والتشريعية والاستثمارية ذات المنفعة المتبادلة- لضمان استفادة إيران اقتصادياً من الاتفاق، كما كان الوعد. وإذا قرر ترامب اتخاذ مثل هذه الخطوات، فإن إيران على استعداد لإجراء حوار يكون من شأنه أن يعود بالنفع على طهران وواشنطن.
على نطاق أوسع، يتعين على صناع السياسات الغربيين أن يعترفوا بأن الاستراتيجيات الرامية إلى تأليب إيران والدول العربية ضد بعضها البعض من خلال دعم مبادرات مثل ما تسمى "اتفاقيات إبراهيم" (التي عملت على تطبيع العلاقات بين مختلف الدول العربية وإسرائيل) أثبتت عدم فعاليتها في الماضي ولن تنجح في المستقبل. يحتاج الغرب إلى نهج أكثر إيجابية يستفيد من ثقة إيران التي اكتسبتها بشق الأنفس، ويقبل بإيران كجزء لا يتجزأ من معادلة الاستقرار الإقليمي، ويسعى إلى إيجاد حلول تعاونية للتحديات المشتركة. وقد تدفع مثل هذه التحديات المشتركة طهران وواشنطن إلى الانخراط في إدارة الصراع بدلاً من التصعيد المتزايد. لدى جميع البلدان، بما فيها إيران والولايات المتحدة، مصلحة مشتركة في معالجة الأسباب الكامنة وراء الاضطرابات الإقليمية.
وهذا يعني أن لدى كل الدول مصلحة في وقف الاحتلال الإسرائيلي. ويجب عليها أن تدرك أن الاحتراب والغضب سيستمران إلى أن ينتهي الاحتلال. ربما تتصور إسرائيل أنها قادرة على تحقيق انتصار دائم على الفلسطينيين، ولكنها لا تستطيع؛ إن شعباً ليس لديه ما يخسره لا يمكن هزيمته. إن المنظمات، مثل "حزب الله" و"حماس"، هي حركات تحرير شعبية نشأت رداً على الاحتلال، وسوف تستمر في القيام بدور مهم ما دامت الشروط الأساسية قائمة -بمعنى إلى أن يتحقق حق الفلسطينيين في تقرير المصير. ويمكن أن تكون هناك خطوات وسيطة، بما فيها وقف فوري لإطلاق النار في لبنان وغزة.
تستطيع إيران أن تستمر في الاضطلاع بدور بنّاء في إنهاء الكابوس الإنساني الحالي في غزة، وأن تعمل مع المجتمع الدولي على السعي إلى التوصل إلى حل دائم وديمقراطي للصراع. سوف توافق إيران على أي حل مقبول للفلسطينيين، لكنّ حكومتنا تعتقد أن أفضل وسيلة للخروج من هذه المحنة التي دامت قرناً من الزمان تتمثل في إجراء استفتاء يتمكن فيه كل من يعيش بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط -المسلمون والمسيحيون واليهود- والفلسطينيون الذين طردوا إلى الشتات في القرن العشرين (مع ذريتهم) من تحديد نظام حكم قابل للاستمرار في المستقبل. وهذا يتماشى مع القانون الدولي ويمكن أن يبني على النجاح الذي حققته جنوب أفريقيا، حيث تحول نظام الفصل العنصري هناك إلى دولة ديمقراطية قابلة للاستمرار.
سيكون من شأن الانخراط البناء مع إيران، مصحوباً بالتزام بالدبلوماسية متعددة الأطراف، أن يساعد في بناء إطار للأمن والاستقرار العالميين في الخليج الفارسي. ويمكن بالتالي الحد من التوترات وتعزيز الرخاء والتنمية على الأمد البعيد. ويشكل هذا التحول أهمية بالغة للتغلب على الصراعات المتخندقة. وعلى الرغم من أن إيران اليوم واثقة من قدرتها على القتال للدفاع عن نفسها، فإنها تريد السلام، وهي عازمة على بناء مستقبل أفضل. ويمكن أن تكون إيران شريكاً قادراً وراغباً، طالما كانت شراكاتها قائمة على الاحترام المتبادل والمساواة. دعونا لا نفوت هذه الفرصة لبداية جديدة.
*محمد جواد ظريف Mohammad Javad Zarif: أستاذ مشارك للدراسات العالمية في جامعة طهران. يشغل حالياً منصب نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية منذ آب (أغسطس) 2024. شغل منصب وزير خارجية إيران من العام 2013 إلى العام 2021. وكان كبير المفاوضين النوويين للبلاد من العام 2013 إلى العام 2015 وسفيرها لدى الأمم المتحدة من العام 2002 إلى العام 2007.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: How Iran Sees the Path to Peace
0 تعليق