د. رامي كمال النسور*
لقد تميز الصعود السريع للصين في صناعة السيارات باهتمام متزايد بتوسيع نطاق إنتاجها عالمياً، بما في ذلك في أوروبا. وكان أحد التطورات الأكثر إثارة للاهتمام هو استحواذ شركات صناعة السيارات الصينية على المصانع الألمانية.
في خطوة قد تحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية عميقة، عرضت شركات صينية صفقة حساسة على ألمانيا تتضمن شراء مصانع تابعة لفولكسفاغن داخل البلاد، وهي خطوة قد تعيد رسم مستقبل صناعة السيارات في أوروبا.
تعتزم شركة فولكسفاغن إيقاف الإنتاج في مصنعين كبيرين بألمانيا كجزء من خطتها لخفض التكاليف، وذلك بسبب تراجع المبيعات واشتداد المنافسة، خصوصاً من الشركات الصينية المصنعة للسيارات الكهربائية.
يستهدف هذا العرض تجنب الرسوم الجمركية الأوروبية العالية على السيارات المستوردة من الصين، حيث سيتيح لهم تصنيع السيارات داخل ألمانيا وبيعها في الأسواق الأوروبية كمنتجات ألمانية. حيث فرض الاتحاد الأوروبي في تشرين الأول 2024 تعرفات جمركية تصل إلى 45% على واردات السيارات الكهربائية الصينية.
وهذا يثير سؤالاً رائعاً: هل تصنع الصين سياراتها في بعض أقدم وأعرق مصانع السيارات في ألمانيا؟
تُعتبر ألمانيا موطناً لبعض أشهر العلامات التجارية للسيارات في العالم، مثل بي إم دبليو ومرسيدس بنز وفولكس فاجن وأودي. أنتجت هذه العلامات التجارية تاريخياً مركباتها في مصانع يعود تاريخها إلى أوائل القرن العشرين، وكان العديد منها في طليعة الابتكار في مجال السيارات. وفي حين خضعت العديد من هذه المرافق للتحديث، إلا أنها تحتفظ باتصال رمزي بالتراث الغني للسيارات في ألمانيا.
في السنوات الأخيرة، سعت شركات صناعة السيارات الصينية مثل BYD وNIO وGreat Wall Motors إلى ترسيخ موطئ قدم لها في أوروبا للاستفادة من الطلب المتزايد في القارة على المركبات الكهربائية. ولتسريع دخولها، استحوذت بعض الشركات الصينية على مرافق إنتاج في ألمانيا بدلاً من بناء مصانع جديدة من الصفر.
إن ما تعرضه الشركات الصينية الآن على فولكسفاغن حدث من قبل، ومن الأمثلة البارزة على ذلك، في عام 2022، استحوذت Great Wall Motors على مصنع سابق لشركة Daimler في Iracemápolis بالبرازيل، ولكن عمليات استحواذ مماثلة تجري في أوروبا غالباً ما تتمتع هذه المرافق، على الرغم من أنها ليست الأقدم بالضرورة، بعقود من تاريخ إنتاج السيارات ومجهزة جيداً بالعمالة الماهرة والتكنولوجيا المتقدمة.
وهنا التساؤل الهام وهو ما هي الأسباب التي تجعل الشركات المصنعة الصينية تختار إعادة استخدام المصانع القائمة في ألمانيا، أول هذه الأسباب هو كفاءة التكلفة فغالباً ما يكون تجديد مصنع قائم أكثر اقتصاداً من بناء مصنع جديد. ثم القرب من الأسواق الرئيسية حيث تقع ألمانيا في موقع مركزي في أوروبا، مما يجعلها مركزاً مثالياً للتوزيع.
أيضاً القوى العاملة الماهرة حيث تتمتع المصانع الألمانية بقوة عاملة مدرّبة على تصنيع السيارات عالية الجودة. وأخيراً يتماشى استخدام البنية التحتية الحالية مع الجهود العالمية للحد من النفايات ودعم الاستدامة.
بعد ذلك يأتي الحديث عن الآثار المترتبة على صناعة السيارات الألمانية إذ إن دخول شركات صناعة السيارات الصينية إلى ألمانيا أثار ردود فعل متباينة. من ناحية، فقد وفرت شريان حياة للمصانع التي ربما كانت ستغلق لولا ذلك، مما أدى إلى الحفاظ على الوظائف والحفاظ على النشاط الاقتصادي في المجتمعات المحلية. ومن ناحية أخرى، يرى بعض خبراء الصناعة أن هذا يشكل تحدياً لهيمنة ألمانيا في تصنيع السيارات، حيث تكتسب العلامات التجارية الصينية القدرة على الوصول إلى الأسواق الأوروبية وسمعة ألمانيا في الإنتاج عالي الجودة.
إن الاستحواذ على المصانع الألمانية واستخدامها من قبل شركات صناعة السيارات الصينية يشير إلى تحول لا يمكن تجاهله ولا تجاوزه في المشهد العالمي للسيارات. وهو يمثل نفوذ الصين المتزايد في الصناعة وتصميمها على المنافسة في السوق الأوروبية عالية المخاطر.
وفي حين أن هذه المصانع الألمانية التي يتم شراؤها قد لا تكون الأقدم، إلا أنها تحمل ثقل إرث السيارات الألماني العريق، وتربط بين قوتين صناعيتين كبيرتين. ومع استمرار الشركات الصينية في الابتكار والتوسع، من المرجح أن يؤدي وجودها في أوروبا إلى إعادة تشكيل سرد وحكاية ورحلة تصنيع السيارات العالمي.
* مستشار الأسواق المالية والاستدامة
0 تعليق