آخر لقاء تم الإبلاغ عنه بين شي جين بينغ وكيم جونغ أون كان في يونيو 2019، عندما قام شي بأول زيارة شخصية له إلى بيونغ يانغ كرئيس للصين.
اضافة اعلان
التقى الزعيمان الصيني والكوري الشمالي خمس مرات بين عامي 2018 و2019، مما جعل الكثيرين يعتقدون أن بكين قد أعادت بناء علاقتها مع بيونغ يانغ بعد سنوات من التوتر المستمر والدبلوماسية المتوترة.
هذا التقارب تزامن أيضًا مع إسكات كامل للنقاشات العامة بين الباحثين والمحللين الصينيين حول ما إذا كان ينبغي التخلي عن كوريا الشمالية أو دعمها، وهي نقاشات كانت محتدمة بشكل خاص في عام 2017. فقط مؤخرًا بدأت بعض الأصوات الناقدة في الظهور مرة أخرى، مما قد يشير إلى تزايد القلق في بكين تجاه حليفها التقليدي، بحسب موقع "ناين داش لاين".
التقارير الأخيرة التي تتحدث عن تعزيز التحالف العسكري بين فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون أثارت مخاوف دولية. يُشتبه في أن كوريا الشمالية قد أرسلت أكثر من 10,000 جندي للتدريب ودعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وذلك على الأرجح مقابل أنظمة دفاع جوي، النفط، والأموال.
بالإضافة إلى ذلك، قامت موسكو وبيونغ يانغ بالتصديق رسميًا على معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة، والتي تتضمن بند الدفاع المتبادل. توقيت هذه التطورات يبدو خطوة محسوبة، وربما يوفر أساسًا قانونيًا لإرسال قوات إلى روسيا.
بكين تدّعي رسميًا أنها "غير مدركة" لوجود قوات جارتها في روسيا، وتمتنع عن التعليق على تطور العلاقة بين روسيا وكوريا الشمالية. ومع ذلك، فإن تعميق بيونغ يانغ لعلاقاتها العسكرية مع موسكو ومشاركتها في الحرب الأوكرانية لا يؤثر فقط على أوروبا، بل يغير أيضًا ديناميكيات الأمن في شمال شرق آسيا—وهو ما يتعارض مع المصالح الوطنية الصينية. لطالما كانت الأولوية الاستراتيجية لبكين هي الحفاظ على الاستقرار، وبالتالي الإبقاء على الوضع الراهن في شبه الجزيرة الكورية.
الصين غير مهتمة بـ"المثلث الشمالي"
تصرفات كوريا الشمالية لا تؤدي فقط إلى زيادة التوترات الإقليمية، بل تسرّع أيضًا الديناميكيات التي تحاول الصين تجنبها: تصوير بكين كعدو مشترك في صراع جيوسياسي أوسع، توسّع التحالفات العسكرية بقيادة الولايات المتحدة على أطراف الصين، وزيادة التدخل الأوروبي في آسيا.
في حين أن بكين تتهم واشنطن بتبني "عقلية الحرب الباردة" التي تهدف إلى تقسيم العالم وفق خطوط أيديولوجية، فإن معاهدة الدفاع المشترك بين موسكو وبيونغ يانغ تمثل بالضبط السياسات التحالفية التي تدّعي الصين معارضتها.
هناك خطر من أن يُنظر إلى الصين على أنها جزء من محور ثلاثي في شمال شرق آسيا، يشكل ما يُعرف بـ "المثلث الشمالي". ومع ذلك، لا تبدي بكين أي اهتمام بالانضمام إلى تحالف كان قد تأسس في الأصل خلال الحرب الباردة بهدف مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، اليابان وكوريا الجنوبية، والمعروف أيضًا باسم "المثلث الجنوبي".
هذا النوع من التحالفات، القائم على ثنائية "الصديق مقابل العدو"، يتعارض مع مبادئ مبادرة الأمن العالمي (GSI) للصين، التي ترفض سياسات التكتلات والمواجهات القائمة على التحالفات.
أطلق شي جين بينغ مبادرة الأمن العالمي في أبريل 2022، حيث قدمت مجموعة من المفاهيم والمبادئ الأمنية التي تعكس طموح الصين لإعادة تشكيل النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وعلى عكس كل من روسيا وكوريا الشمالية، اللتين تعانيان من عزلة دولية نسبية، فإن تحالفًا رسميًا مع بوتين وكيم قد يهدد جهود الصين في الحفاظ على علاقات جيدة مع القوى الغربية الكبرى.
ورغم أن الصين وروسيا وكوريا الشمالية تشترك في عداوتها للولايات المتحدة، إلا أن علاقات بكين مع موسكو وبيونغ يانغ معقدة، حيث تتأثر بإرث تاريخي طويل وباختلاف المصالح والأولويات الاستراتيجية لكل منها.
فبينما توفر العلاقات الوثيقة مع موسكو وبيونغ يانغ بعض الفوائد الفورية للصين، فإنها قد تفرض تحديات طويلة الأمد على المصالح الوطنية الصينية، خصوصًا فيما يتعلق بأمنها الإقليمي المباشر.
يمكن للتعاون الوثيق بين كوريا الشمالية وروسيا أن يساعد بيونغ يانغ على تطوير قدراتها العسكرية التقليدية، إضافةً إلى نقل تكنولوجيا أسلحة متقدمة تعزز من كفاءة صواريخها القادرة على حمل رؤوس نووية. هذا التطور قد يمنح كوريا الشمالية قوة عسكرية أكبر، ما يرفع مستوى التهديد في المنطقة.
علاوة على ذلك، فإن احتمال مشاركة كوريا الشمالية في القتال الفعلي في الحرب الأوكرانية قد يشكل سابقة قانونية لتفعيل بنود الدفاع المشترك بين النظامين في موسكو وبيونغ يانغ. هذا السيناريو يفتح الباب أمام إمكانية تقديم روسيا مساعدات عسكرية مباشرة لكوريا الشمالية في حال نشوب صراع في شبه الجزيرة الكورية، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير جذري في ميزان القوى الأمنية في المنطقة.
إلى جانب ذلك، فإن تعزيز التعاون العسكري بين موسكو وبيونغ يانغ، إلى جانب اكتساب القوات الكورية الشمالية خبرة قتالية ميدانية، قد يدفع نظام كيم جونغ أون إلى اتباع نهج أكثر عدوانية، مما يزيد من احتمالات عدم الاستقرار في شمال شرق آسيا.
تزايد التصورات الأمنية حول تهديد التحالف الروسي-الكوري الشمالي من المرجح أن يدفع كلًا من كوريا الجنوبية واليابان إلى تعميق تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة. وعلى مدار العقدين الماضيين، أدى تطور برامج كوريا الشمالية الصاروخية والنووية إلى زيادة مستوى التنسيق الأمني بين هذه الدول الثلاث، مما عزز من تحالفها العسكري.
كان الاجتماع التاريخي في كامب ديفيد عام 2023 محطة مفصلية في تعزيز التعاون الأمني الثلاثي بين كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة، حيث تجاوز هذا التعاون مجرد مواجهة تهديد كوريا الشمالية ليشمل استراتيجية أمنية أوسع نطاقًا.
هذا التطور عزز من مخاوف بكين التي ترى أن واشنطن تعمل على تشكيل "ناتو آسيوي" بقيادة الولايات المتحدة، وهو ما تعتبره الصين جزءًا من منافستها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني في شمال شرق آسيا.
معضلة بكين في مواجهة التوترات المتصاعدة
يتجلى القلق المتزايد لدى بكين بشأن التطورات الحالية في تصريح حديث أدلى به شي جين بينغ خلال اجتماعه مع بايدن على هامش قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، حيث قال: "الصين لا تسمح بحدوث صراع أو اضطراب في شبه الجزيرة الكورية. لن تبقى مكتوفة الأيدي عندما تكون أمنها الاستراتيجي ومصالحها الأساسية مهددة".
آخر مرة أدلى فيها شي بتصريحات مماثلة كانت في عامي 2016 و2017، خلال فترة تصاعدت فيها التوترات بسبب سلسلة من الأحداث التصعيدية، بما في ذلك "حرب كلامية" بين الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
يمكن اعتبار كلمات شي بمثابة تحذير موجه إلى كل من الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. وكما كان الحال في عام 2017، فإن الاستفزازات العسكرية لكوريا الشمالية وتعاونها المتزايد مع موسكو أدت إلى تصعيد كبير في التوترات الإقليمية.
وعلى الرغم من تزايد الضغوط الدولية على بكين لكبح جماح بيونغ يانغ، فإن مدى تأثير الصين الفعلي على نظام كيم جونغ أون لا يزال غير واضح. الآن، ومع تعمق العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية، تتضاءل قدرة بكين المحدودة بالفعل على التأثير في سياسات بيونغ يانغ أكثر من أي وقت مضى.
حتى الآن، امتنعت القيادة الصينية عن انتقاد موسكو أو بيونغ يانغ، على الرغم من أن سياساتهما وإجراءاتهما تتعارض مع أولوية الصين في الحفاظ على الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية.
يعكس النهج السلبي لبكين معضلتها في الموازنة بين مصالحها الإقليمية وبين حاجتها إلى الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع كل من روسيا وكوريا الشمالية، خاصة مع تصاعد التنافس بين الصين والولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، فإن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد تعيد إحياء التدخل الأمريكي في الملف الكوري الشمالي، كما حدث خلال فترة ولايته الأولى، مما قد يؤدي إلى اضطرابات جديدة في شبه الجزيرة الكورية.
0 تعليق