أين الخلل؟ وما هي المشكلة؟ وكيف نفسر هذا التراجع والانحدار؟ ومن المسؤول؟ نرى أناسا يتحركون على الشاشة غرباء دون إحساس ولا مشاعر ويقولون كلاما لا نفهمه ولا نعرفه، هل هذا هو الفن؟ هل هذا هو الإبداع؟ من هؤلاء ومن سمح لهم أن يكونوا في هذا المجال؟ هل رسالة الفن سامية وتشكل وجدان المجتمع وتضيء قضاياه وهمومه ومشاكله؟ أم أصبح مجال الفن فرصة سانحة للكثير للتعلم والمحاولة والخطأ ووظيفة من لا وظيفة له، لعل وعسى، وفي النهاية" ما بدهاش تزبط يا زلمه".
أنا والله حزين على هذه الأجيال في ظل هذا المستوى المنحدر والمخزي للدراما العربية، أو حتى على مستوى الكوميديا التي لا ترتقي إلى إدخال السرور إلى نفوسهم بل وتثير الغثيان بدلا من إضحاكهم، وقد يحتاجون إلى أدوية مضادة للغثيان مع وضع عبارات تحذيرية بعدم مناسبة هذه المشاهد للحوامل وأصحاب الأمراض المزمنة، ونقول لماذا اتجه أبناؤنا إلى الدراما غير العربية وتشبعوا بالأفكار الغربية وقيمهم، وقد تشكل جزءا من هويتهم وأفكارهم ووجدانهم، لأننا فشلنا في إيصال رسالتنا لهم وقيمنا وأخلاقنا وسمحنا لغيرنا أن يقتحم عالمهم ويفتح الأبواب على هذا الأجيال الواعدة، ولكن إلى أين المصير!
أصبح الفن غريبا، هل نعيش أزمة "سيناريو" في الدراما العربية؟ أعتقد الجواب: نعم، لكن أيضا أزمة إبداع وأزمة فن حقيقي وأزمة مواهب حتى على مستوى المخرجين والممثلين وهذا الأداء الركيك والضعيف والمكرر والممل والسامج الذي نشاهده، لماذا؟ يستذكر بعض النقاد أن اسم كاتب السيناريو والمخرج الذي آمن بهذا النص كان في زمن مضى، يكتب قبل أسماء الفنانين (لأن هو الأديب الحقيقي والمثقف والمفكر)، وكذلك لأن العمل يرتكز على السيناريو بالدرجة الأولى ثم على الإخراج الذي يحول هذا النص إلى لوحات فنية بالصوت والصورة، وليس على اسم البطل أو البطلة، وشهرتهما، ولا على الإخراج والصورة على أهميتهما، ولا على كلفة الإنتاج أيضا.
أعتقد أننا نعيش في عالم غريب، نعتقد أننا نشاهد الفنانين أو الموهوبين على الشاشات يوميا في المجالات كافة، والسؤال هل هؤلاء هم الفنانون الموهوبون حقيقة الذين يشعرون بالناس، أنا أعتقد أن الفنانين الموهوبين والحقيقيين ما زالوا يعيشون بيننا لا أحد يعرفهم ولم يكتشفوا بعد ولم تصقل مواهبهم وتجاهلهم المجتمع، وبالتالي خسر المجتمع موهبتهم وفنهم وإبداعهم، وهل سيستمر الوضع على المنوال نفسه مع الأجيال العربية القادمة؟! هل ما يطرح الآن هو واقع المجتمعات العربية التي تعاني وتطحن وتقتل أو تعيش ظروفا اقتصادية واجتماعية صعبة جدا؟ هذا ليس فنا هذه جريمة في حق هذه الشعوب والمجتمعات.
هل الفن والأعمال الدرامية تساهم مع مجتمعاتها في عملية البناء والإصلاح انطلاقا من الواقع الذي تعشيه ثم ما هو المأمول، وتدعم الوجدان العربي والقيم الحميدة والتسامح والحب والمشاعر الفطرية بين الناس وتقدير الرجل للمرأة والمؤسسة الزوجية والحياة الأسرية، ونعمة الأطفال وتربيتهم، واحترام الأنظمة والقوانين والاستخدام الراقي للفن الفكاهي والساخر وتوجيهه نحوى السلوكيات الخاطئة والعادات السيئة، أم أصحبت ترسخ مشاهد العنف والبلطجة والاستقواء والسرقة والعنصرية والطبقية والشرف والخيانة ومشاهد التدخين والتعاطي والشراب، وسطوة المال على حساب الاحترام والتواضع والتعامل الطبيعي بين أفراد المجتمع، وإظهار أصحاب الأموال أو الناجحين أنهم ليسوا أبناء بلد وأن فيهم شوفة نفس وتعاملهم مع الآخرين بشكل غير إنساني وطبقي، وهو استمرار لعقدة التكرار ومحاولة النجاح بحجة أن أحد المسلسلات الرمضانية السابقة كان بهذه العناصر نفسها المخجلة وغير الإنسانية، وأصبح ظاهرة وله نسب مشاهدات عالية على مستوى الوطن العربي، بالإضافة إلى الاستنساخ وما أكثره من الدراما الأجنبية التي دمرت قيمنا وأبناءنا وعاداتنا وأخلاقنا الجميلة.
هل هذا هو الفن الذي نريده أم هل هذه هي الدراما التي يريدها المجتمع؟ وما الهدف منها؟ وما هي الفائدة المرجوة أو الإضافة القيمة لوجودها؟ نتكلم اليوم هنا والجميع يعلم أهمية دور هذه الأدوات الثقافية (المسلسلات - الأفلام - المشاهد القصيرة وحتى على مستوى المسرح والأغنية والموسيقى.. وغيرها) والمهم في توعية وترفيه وتسلية وتغذية المجتمع بالتجارب الحياتية الإيجابية وبناء وجدان الناس والرقي بها، ووسيلة أيضا لإيصال الرسائل الإرشادية والهادفة وفق حاجات المجتمع، ولكن لا نريد أن تكون وسيلة أو أداة لتقويض منظومة قيم المجتمع وجهوده التي بناها على مدى سنوات طويلة.
3OMRAL3MRI@
0 تعليق