يبرز في المشهد السوري الحالي قوتان رئيسيتان يتوقع أن يكون لهما دور بارز في رسم سوريا الجديدة بعد سقوط نظام الأسد وحزب البعث.
القوة الأولى هي تركيا؛ حيث تملك أوراق قوة تمكنها من لعب دور رئيسي في رسم المشهد السوري الجديد، فلديها قوات عسكرية على الأرض، ولديها حليف سوري مسلح هو الجيش الوطني السوري يسيطر على أجزاء من الشمال السوري ولديه معابر مع تركيا، ولديها نفوذ قوي على الائتلاف السوري وحكومته التي تعتبر الجيش الوطني السوري ذراعها العسكري، وهو الائتلاف المعترف به دوليا وكان الطرف الذي يفاوض النظام السوري السابق.
أضف إلى ذلك أن تركيا هي المنفذ للمناطق السورية الشمالية، وسيكون لها دور كبير في إعادة الإعمار، ناهيك عن دورها في إعادة عجلة الاقتصاد السوري المنهار، وستمثل المعابر التركية شريان الحياة للاقتصاد السوري، ولن ينافسها في ذلك لا المعابر مع العراق أو لبنان أو حتى الأردن.
والأهم من ذلك فلدى تركيا علاقة ونفوذ إلى حد ما على هيئة تحرير الشام وهي القوة الثانية الرئيسية المهيمنة على المشهد السوري. نشأ ذلك خلال وجود الهيئة في منطقة إدلب، حيث نسجت تركيا علاقات اقتصادية وأمنية معها.
القوة الثانية هي هيئة تحرير الشام التي استطاعت تحرير حلب وحماة وحمص ودمشق والساحل بالمعية، وبسطت سيطرتها على تلك المناطق، وسارعت إلى تشكيل حكومة انتقالية هي بالأساس حكومة الإنقاذ التي كانت تدير الأمور في المناطق المحررة في إدلب.
سارعت تركيا في تعميق علاقتها مع هيئة تحرير الشام وكان مسؤولوها من أوائل المسؤولين الذين زاروا دمشق والتقوا قادة الهيئة وعلى رأسهم أحمد الشرع.
إن العلاقة بين تركيا وهيئة تحرير الشام ستحدد شكل سوريا القادمة إلى حد بعيد، فأي خلاف بين الطرفين يمكن أن يؤدي إلى ما يحمد عقباه، وهذا بحاجة أن يتصرف كل طرف بحنكة وأن يستوعب كل طرف مصالح الطرف الآخر.
بالرغم من ذلك فهناك تحديات كبيرة يمكن أن تواجه اللاعبان الرئيسيان؛ فهناك الولايات المتحدة التي تملك قوات لها في شمال شرق سوريا وفي جنوبها منطقة التنف، وهناك قوات وفصائل عسكرية مرتبطة بالأمريكان؛ قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي يهيمن عليها الأكراد، وهناك قوات جيش سوريا الحرة في جنوب سوريا. كما أن لدى الأمريكان ورقة ضغط قوية على هيئة تحرير الشام وهي ورقة “الإرهاب” وقد تسعى لابتزاز الهيئة لرفعها عن القائمة.
وهناك الكيان الصهيوني المتربص الذي يعتقد أنه الرابح الأكبر من كل تلك الأحداث، وسيسعى إلى ضمان عدم وجود سوريا قوية، وقد بدأ بعض الصهاينة يتخوفون من تشكل محور سني تكون سوريا مركزه. وغني عن القول أن للكيان تأثير على السياسة الأمريكية.
هنا، على الأردن استيعاب أن هناك لاعبين بارزين يشكلان المشهد الجديد في سوريا، لذلك على عمّان أن لا تنتظر كثيرا لاستشراف المواقف الخليجية والأمريكية مما يجري هناك، وعليه أن يغادر قليلا مربع دبلوماسيته الكلاسيكية الهادئة التي تنأى بنفسها دائما عن القفز في الهواء، ونظرا لمصالحنا القوية في سوريا نأمل أن تتحرك الدبلوماسية الأردنية بسرعة.
0 تعليق