لقد أشرت في مقال سابق إلى أن الرؤى الحديثة في تحسين المشهد الحضري للمدينة تؤكد على فهم شمولي لمكونات المدينة المادية وغير المادية واستيعاب حقيقي لمسار التخطيط الذي ساهم في صناعة الأنساق الثقافية والبنية الفيزيقية. وفقا لذلك، علينا أولا أن نعرف كيف نقرأ المشهد الحضري قبل أن نقوم بتحسينه؟ ويمكننا أن نلخص أبرز العناصر اللازمة لقراءة متفحصة للمشهد الحضري على النحو التالي:
أولا: الحوكمة، يختلف هيكل الحوكمة في المناطق الإدارية الخاصة عن المناطق الأخرى وتبعا لطبيعة كل منطقة أو إقليم، حيث يتعين التأكد من أن عملية التخطيط العمراني تتماشى مع الخصائص الفريدة لكل منطقة، ومدى مساهمة المجتمع في هذه الحوكمة.
ثانيا: السياسات العمرانية الحالية، ونعني بها رسم مشهد واضح لسياسة التنمية العمرانية في المدينة، ويطرح هذا العنصر تساؤلا حول النمو العمراني وعلاقته بالبيئة وثقافة المجتمع. اليوم تعتبر سياسات التخطيط ضرورية لتشكيل تصور للمشهد الحضري؛ هذا التصور يمكن بناؤه من خلال سياسات النقل والبنية التحتية، والإسكان، وتطوير الأماكن العامة والاستفادة من مبادئ المدن الذكية.
من المهم تطوير سياسات حضرية لتلبية احتياجات المجتمع، على أن تكون السياسات والمبادرات أيضا مرنة بدرجة كافية للتكيف مع التغيرات في احتياجات المجتمع، وتكون مستدامة على المدى الطويل.
ثالثا: تقييم مدى مواءمة الخطط العمرانية لمبادئ التنمية المستدامة مثل الحد من انبعاثات الكربون وتعزيز الطاقة المتجددة، ويشمل ذلك مدى التزام المدينة بمبادرات التنمية الخضراء والحد من انبعاثات الكربون وتعزيز النقل المستدام. بعبارة أخرى، قراءتنا للمشهد الحضري لمدينة ما يجب أن توضع في سياق مقاربتها مع أهداف التنمية المستدامة SDGs.
رابعا: الاستجابة للتحديات المستقبلية؛ فالمشهد الحضري يعبر عن واقع المدينة الحالي ومدى استجابتها للتحديات المستقبلية من حيث المرونة وأنظمة الطاقة المستخدمة وإمدادات المياه والحد من آثار الكوارث.
خامسا: تخطيط البنية التحتية وهو عنصر حيوي في التخطيط الحضري، ويعد تطويرها غاية لخلق بيئة حضرية مستدامة وصالحة للعيش. البنية التحتية يمكن أن تؤثر على النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والاستدامة البيئية.
سادسا: المشاركة العامة، وهي تعد أمرا ضروريا وليست ترفا اجتماعيا لضمان أن تكون القرارات المتخذة شاملة وتلبي احتياجات المجتمع. إن مشاركة المواطنين في عملية التخطيط تمكنهم من التعبير عن آرائهم وتفضيلاتهم واهتماماتهم واتخاذ قرارات مستنيرة تشكل بيئتهم المعيشية. يجب أن تؤخذ المشاركة بمحمل الجد في صياغة السياسات العمرانية لخلق مشهد حضري يؤكد على محورية الإنسان في التنمية.
سابعا: استيعاب تكنولوجيا المستقبل، وهي أحد الجوانب الحاسمة في التخطيط الحضري لا سيما مع تحول العالم إلى عالم رقمي بشكل متزايد، تهدف مدن المستقبل إلى دمج التكنولوجيا في الخطط الاستراتيجية لتحسين كفاءة البنية التحتية والخدمات الحضرية. وتساعد الأنظمة الذكية على إدارة حركة المرور الذكية وقدرة المباني على توفير الطاقة.
باختصار، قراءة المشهد الحضري بشكل مثالي تقود إلى تطوير سياسات فاعلة لتحسين المشهد الحضري.
0 تعليق