قطاع التمويل.. تحولات متسارعة مدفوعة بالذكاء الاصطناعي

مصدرك 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

دبي: «الخليج»

فرضت تقنيات الذكاء الاصطناعي حضورها على قطاعات الاقتصاد والنشاط البشري، وسط تسابق محموم على تسخيرها في العمليات اليومية للمؤسسات الحكومية في بعض دول العالم الأكثر انفتاحاً وتقدماً، وفي أنشطة الشركات على اختلاف تخصصاتها.
يشهد قطاع التمويل تحولات متسارعة ومكثفة، مدفوعة بالذكاء الاصطناعي، حيث تستبدل العمليات اليدوية وتحليل البيانات التي تتطلب عمالة كثيفة بالأتمتة والتحليل الفوري التقني الذي يخدم عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
وفي قطاعات أخرى مثل قطاع الإنشاءات، حيث تكون الرقابة المالية بالغة الأهمية، يعمل الذكاء الاصطناعي على إدارة الشركات للتكاليف وتخصيص الموارد والتخطيط للمستقبل. ومع إعادة تعريف الذكاء الاصطناعي لعمليات التمويل، فإنه لا يعمل على تسهيل سير العمل فقط، ولكن إعادة تشكيل الأدوار والمهارات المطلوبة من المتخصصين الماليين أيضاً.
فريق التمويل بالذكاء الاصطناعي
يمكِّن الذكاء الاصطناعي فرق التمويل من تحليل البيانات بشكل أسرع، وتقديم رؤى في الوقت الفعلي تعمل على تحسين عملية اتخاذ القرار. كانت التقارير المالية تُبنى تقليدياً بأثر رجعي، بالاستعانة بالبيانات المتراكمة مع الزمن، طال أو قصر، لإنشاء تحليلات ثابتة. وبفضل قدرات التعلم الآلي واستخراج البيانات المتقدمة التي توفرها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، أصبح بإمكان المتخصصين الماليين الآن التنبؤ بدقة ومرونة أكبر.
ويمكن لأدوات التخطيط المالي التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على سبيل المثال لا الحصر، تعديل التوقعات حركياً، استناداً إلى المدخلات في الوقت الفعلي مثل أوضاع السوق والاتجاهات الاقتصادية ومقاييس الأداء الداخلية. ويسمح هذا المستوى من القدرة على التكيف، للمديرين الماليين والمخططين الماليين بتغيير الاستراتيجيات بسرعة، ما يضمن توافر السيولة وتخصيص رأس المال بشكل أكثر ذكاءً.
وتبرز أهمية تأثير الذكاء الاصطناعي بشكل خاص في قطاعات بعينها مثل البناء، حيث يجب مراقبة الأداء المالي باستمرار، نتيجة تقلب تكاليف المشروع ونفقات العمالة وتوافر المواد بسرعة. وهنا تمكن أدوات الذكاء الاصطناعي فرق العمل من تتبع الميزانيات في الوقت الفعلي، ما يساعد مديري المشاريع على تعديل الإنفاق وإدارة المخاطر قبل تفاقمها. وبدمج الرؤى التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في النماذج المالية، يمكن للشركات تحسين عملية اتخاذ القرار باستخدام مجموعات بيانات محدثة وشاملة.
أتمتة المهام الروتينية 
من الفوائد الأكثر إلحاحاً للذكاء الاصطناعي أتمتة المهام الروتينية التي تستغرق وقتاً طويلاً. فقد كانت الساعات التي لا تعد ولا تحصى، تهدر في إدخال البيانات يدوياً ومعالجة المعاملات ومطابقة الحسابات. هذه العمليات، التي كانت ذات يوم عنصراً أساسياً في أقسام التمويل، يتم تسهيلها الآن بالذكاء الاصطناعي وأتمتة عمليات الروبوت.
في عملية معالجة الفواتير، على سبيل المثال، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي التقاط تفاصيل الفاتورة ومطابقتها مع أوامر الشراء أو العقود وتحفيز المدفوعات -بشكل أسرع وأكثر دقة مما كان في مقدور العنصر البشري، بتقليل الأخطاء وتوفير الوقت. ويمكن لفرق التمويل التركيز على أولويات أكثر استراتيجية مثل التخطيط المالي وتحليل الأداء.
ويعد هذا المستوى من الأتمتة تغييراً كبيراً، حيث تساعد المنصات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على تتبّع كلف المشروع، وضمان الامتثال التنظيمي وإدارة مدفوعات الموردين بسلاسة. وقد نجح نظام معالجة الفواتير القائم عليه في انخفاض زمن المعالجة بنسبة 30-40%، وتحسن الأداء بنسبة 20-25% في التدفق النقدي. تظهر هذه النتائج مدى قدرته على إحداث تحول في الصناعات التي تتعامل مع تدفقات العمل المالية المعقدة.
تسريع اتخاذ القرار 
لا شك في أن القدرة على اتخاذ القرارات في الوقت الفعلي واحدة من المزايا البارزة للذكاء الاصطناعي. كان اتخاذ القرار المالي يعتمد تقليدياً على التقارير الدورية، ما يؤدي إلى تأخير في اكتشاف المخاطر أو اغتنام الفرص. وقد أحدث نقلة نوعية بتسهيل المراقبة والتحليل المستمرين.
ففي قطاع الإنشاءات، حيث يمكن أن تؤدي التأخيرات وتجاوز الكلف إلى إخراج مشاريع بأكملها عن مسارها، توفر أدوات الذكاء الاصطناعي تتبعاً في الوقت الفعلي للأداء المالي. على سبيل المثال، إذا ارتفعت كلف المواد في منتصف المشروع، يمكن لفرق التمويل الاستجابة على الفور بإعادة تخصيص الموارد أو إعادة التفاوض على العقود. وتعمل هذه المرونة على تقليل المخاطر المالية والحفاظ على المشاريع على المسار الصحيح.

مجموعات المهارات المتغيرة

مع أتمتة الذكاء الاصطناعي للعمليات الروتينية، يتطور دور المتخصصين الماليين بسرعة. وقد ركزت فرق التمويل تاريخياً، على المهام المعاملاتية مثل مسك الدفاتر ومطابقة الحسابات وإنشاء التقارير. والآن، تنتقل حتماً إلى أدوار أكثر استراتيجية، وتفسير الرؤى التي يقودها وتوجيه الاستراتيجية التنظيمية.

 

وهذه نماذج من التغييرات الرئيسية في مجموعة المهارات التي تشكل مستقبل التمويل:

1. معرفة البيانات والمهارات التحليلية
أصبحت القدرة على معالجة البيانات أكثر أهمية من أي وقت مضى. وصار لزاماً على المتخصصين في التمويل تفسير المخرجات التي يولدها الذكاء الاصطناعي وتحويلها إلى رؤى تجارية قابلة للتنفيذ. وأصبحت أدوات مثل «تابلو» و«باور بي أي»، ضرورية لتصور البيانات المعقدة بطريقة يمكن لأصحاب المصلحة فهمها. كما سوف ينمو التعاون مع خبراء البيانات، حيث يعمل المتخصصون في التمويل كمترجمين بين التحليلات والاستراتيجية.
2. التنفيذ السلس
في حين لا يحتاج المتخصصون في التمويل إلى أن يصبحوا مبرمجين، فإن فهم أساسيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وأتمتة العمليات الروبوتية أمر حيوي. وتضمن معرفة كيفية عمل هذه الأدوات وكيفية إدارة استخدامها، التنفيذ والإشراف بشكل أكثر سلاسة.
3. التفكير الاستراتيجي
مع تولي الذكاء الاصطناعي مسؤولية المهام المتكررة، يمكن لفرق التمويل التركيز على الصورة الأكبر. وهذا يعني تقديم المشورة بشأن الاستراتيجية المالية، وتقييم ديناميكيات السوق، ومساعدة الإدارات المختلفة على اتخاذ قرارات مستنيرة.
4. إدارة المخاطر والامتثال
يفرض الذكاء تشابكات جديدة عن الحوكمة والامتثال. وسوف يحتاج المتخصصون في التمويل إلى ضمان خلوّ العمليات التي يقودها من التحيز، وتلبية المتطلبات التنظيمية، وحماية البيانات الحساسة.
5. القيادة والمهارات الناعمة
على الرغم من الأتمتة، تظل المهارات التي تركز على الإنسان ضرورية. يعد توصيل الرؤى التي يقودها بشكل فعال، والتأثير في صناّع القرار، مسؤوليات بالغة الأهمية. من هنا ستكون القيادة القوية مفتاحاً لتعزيز التعاون بين فرق التمويل وتكنولوجيا المعلومات والبيانات.

الدور المتطور للتمويل

لا شك في أن الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل التمويل عبر مختلف القطاعات. وما كان في السابق وظيفة مكتبية تركز على معالجة المعاملات والتقارير بأثر رجعي أصبح الآن شريكاً استراتيجياً في النمو التنظيمي. أصبحت أقسام التمويل مراكز للرؤى في الوقت الفعلي والتحليلات التنبؤية والاستراتيجيات المستقبلية.

هذا التحول يستتبع بالضرورة تحولاً حتمياً في البنية والتركيز. وهنا تتولى فرق التمويل مسؤوليات جديدة مثل حوكمة الذكاء الاصطناعي والتعاون بين مختلف المهام ودفع الابتكار.

وسوف تقود الشركات التي تستثمر في رفع مهارات المتخصصين الماليين لديها وتكييف سير العمل بحيث تتماشى مع قدراته، بقية مكونات المشهد في التجاري المتطور بسرعة.

والخلاصة أن هذه لحظة وفرصة لا تعوض بالنسبة للمتخصصين في قطاع التمويل حيث يعمل على تمكين الفرق من الاضطلاع بأدوار أكثر استراتيجية، ودفع الابتكار، وأداء دور محوري في تشكيل مستقبل الشركات والأعمال.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق