قال الأب يوحنا فوزي الكاهن بكنائس المنيا : ليس يونان النبي مجرد شخصية تاريخية تهربت من دعوة الله، بل هو مرآة تعكس تناقضات النفس البشرية. نرى فيه الهروبَ من المواجهة، والانشغالَ بكرامة الذات، لكننا ننسى أن فيه أيضًا بذرةً للفضائل التي قد نفتقدها. وكما قال القديس أنطونيوس: "الحكيم يتأمل في فضائل غيره ليقتنيها، أما الجاهل فيتأمل نقائصهم ليدينهم"
وأضاف اليوم، لم يَعُدِ الحوت الذي ابتلع يونان موجودًا، لكن حياتنا مليئةٌ بـ"حيتان" أخرى تبتلعنا رويدًا:ظروف قاسية أحلام مؤجلة قلقٌ يخنق وأسعارٌ تُثقل الكاهل
قد نعيش سنوات في بطن هذه الحيتان، لا ثلاثة أيام فحسب! لكنَّ الخيط المشترك بين يونان ونحن هو ذات الإله الذي أنقذه من الأعماق؛ فهو قادرٌ أن يخرجنا من أيّ "حوت" يبتلعنا، شرط ألّا نبتعد عن الصلاة داخله، ولا عن الشكر خارجه.
صوم نينوى: توبة تُحرِّك السماء
فيصادف صوم نينوى ذكرى توبة مدينةٍ طغَت شرورها، فاختار الله يونان ليكون نذيرًا لها. لكن النبي، الذي حمَل كبرياءً وشكًّا في قبول أهلها للتوبة، هربَ من المهمة. لقد نسِي أن الله لا يُسرُّ بموت الخاطئ، بل برجوعه. والأمر ذاته ينطبق علينا: كمْ مرّةً هربنا من مسؤولياتنا الروحية خوفًا من الفشل أو استهانةً بالآخرين؟
اليوم، تُجدد الكنيسة ذكرى هذه التوبة لتذكرنا بأن الكبرياء جدارٌ يفصلنا عن الرحمة فنحن، مثل يونان، نُبالغ في تقييم ذواتنا، نرى "القشة" في عين الآخر، وننسى "الخشبة" في أعيننا. نصبح كمن يحمل الصليب للزينة لا للتضحية، وينادي بالتوبة شعارًا لا حياةً.
واستعرض الاب يوحنا عبر صفحته الرسميه علي مواقع التواصل الاجتماعي “ فيس بوك” ان هناك دروس من بطن الحوت: حين تكون الصلاةُ خلاصًا حين أدرك يونان أنه لا مفرَّ، صلّى من أعماقه:
دَعَوْتُ مِنْ ضِيقِي الرَّبَّ فَاسْتَجَابَنِي
لكن صلاته –رغم خروجه من الحوت– لم تُشفِ قلبه من الغِلّ. لقد حزن حين غفر الله لأهل نينوى، وكأن خلاصهم سرقَ منه مجدًا شخصيًا! هنا تكمن المفارقة: نطلب رحمة الله لذنوبنا، لكننا نرفض أن نرحم غيرنا.
صوم نينوى يدعونا إلى توبةٍ لا تُجمّلها الكلمات بل تُترجم إلى "انسحاق قلب" وندمٍ صادق. توبةٌ نركع فيها بدموع، طالبين تغييرًا جذريًا لا وعودًا واهية. فالله يحاسبنا ليس على نياتنا، بل على أفعالنا.
الخلاص: فرح السماء الذي يُحرِّك الأرض فعندما تابَت نينوى، اشتعلت السماء فرحًا: "120 ألفًا انضمّوا إلى الفردوس في يومٍ واحد لكن يونان بقيَ حزينًا، غاضبًا من رحمة الله الواسعة. قصةٌ تطرح سؤالًا وجوديًا: هل نخدم الله لمجد اسمه أم لمجد ذواتنا؟
اليوم، يُذكّرنا صوم نينوى بأن الله لا يريد طقوسًا جوفاء، بل قلبًا منسحقًا. هو يدعونا إلى الخروج من "حيتان" الأنانية، لننضم إلى فرح السماء بخلاص الآخرين.
وختاما فصوم نينوى ليس ذكرى تاريخية، بل دعوةٌ للخروج من الحوت الداخلي الذي يبتلعنا: حوت الكبرياء، وحوت اليأس، وحوت القسوة. فكما أخرج الله يونان من ظلمات البحر، هو قادرٌ أن يخرجنا من ظلمات قلوبنا، إذا ما انحنينا بروح التواضع
0 تعليق